نادتني من هاتفها النقال ..." انزلي أنا تحت" وهرولت مسرعة، كان الوقت بعد العصر بقليل اعتدنا فيه مراقبة تسلل الساعات وصولاً لصلاة المغرب قبل أن ندرك كل المشاوير ويدركنا الزحام. دخلت أجواء السيارة الباردة "وهلا حبيبتي (قبلات) وكيفك اليوم؟ تمام الحمد لله...أنتِ؟ الحمد لله. يغمرنا الصمت فجأة حينما تنكب رفيقتي على جوالها تشاور الرسائل. حالة معتادة في معارك اليوم الجادة والمسلية. لا اعتراض ولكني أفكر في خط سيرنا، وأبدأ محاولة اختراق أولى... هي مازالت مشغولة. أسألها مداعبة... من تحادثين؟ وتجيبني دون أن ترفع عينيها.." زوجي" ثم ما تلبث أن تنهي المحادثة، وتبتسم بلطف معتذرة. أبتسم بدوري فليس بمقدورنا مناقشة الظاهرة بالطبع لأنها جزء من تفاصيل حياتنا العصرية رغم الأرقام المهولة، فعلى ذمة تقرير اليكتروني في MSN فإن هناك 400 مليون مشترك في تطبيقات المحادثة الواتس آب بالعالم ويضاف لذلك 50 مليون رسالة يتم تمريرها من خلاله يومياً، ولكن مع ذلك تداهمني الفكرة الطارئة بمرح، وأود أن أتساءل، تري ماذا استجد خلال العشر دقائق الماضية هي مسافة الطريق من بيتها لبيتي كي يستوجب الحوار؟ لقد مررت بالموقف من قبل وأيضا بحالات نسيت فيها هاتفي عند الخروج من المنزل وشعرت بتحرر جميل لابد أن الجميع يعرفه عندما لا تستدعينا الأشياء فوراً وفي تمام اللحظة. مجرد سكون يتواءم مع حركة الحياة والأفكار، والمعايشة التفاعلية مع من حولنا. اهتمام... تأمل.. تركيز وتوحد مع الحاضر دون مقاطعات أو إضافات خاصة مع أفراد الأسرة والأهل. ووجدت أنني أتأمل مفهوم ساعة الأرض المناسبة الكونية التي زارتنا منذ أسابيع وكيف 157 بلداً اتحد من أجل الأرض وأُطفئت فيها الأنوار في آلاف المدن في العالم تفاعلاً مع خطر التبدل المناخي، وأقارنها بحاجتنا لقفل هواتفنا مرة باليوم على الأقل ربما تكون فيها خلال ساعات الراحة أو التواجد مع الأهل خاصة الصغار الذين لا يجب أن ندعهم يتشكلون كيفما تكون التقنية والتسالي المتاحة. فوفقاً لاستشاري النمو والسلوك بمسشفى الملك فيصل التخصصي، فإن ترك الأطفال دون سن الثانية أمام شاشات التلفزيون وبالتحديد أمام القنوات الإنشادية يؤثر على نمو مهارات اللغة والتواصل لديهم. ويوضح بأن الجمعية الأميركية لطب الأطفال توصي بمنع التلفزيون والأجهزة الإليكترونية عن الأطفال في أول سنتين من أعمارهم لأنها تمنعهم من التواصل الاجتماعي الطبيعي مع محيطهم مما يسبب لهم تأخراً في النطق ومهارات اللعب بما يشابه أعراض التوحد. وفي هذه الحالة يجب إعطاؤهم وقتاً أطول من قبل الوالدين للتحدث واللعب. والآن هل نحتاج إلى وصايا ودراسات علمية من مؤسسات تربوية ونفسية لندرك أهمية تقنين استخدام التقنية وترك مساحة ما في أذهاننا كي تؤدي أدوارها بفطرة وانطلاق؟ إن نمو مهارات العقل تحتاج إلى مساحات حرة أحياناً.