لا اعتراض على قضاء الله وقدره عظمته وشأنه، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، ولكن مشاعر الإنسان تبقى أسيرة إحساسه وكيفية مقدرته على مدى الصبر والتحمل وقوة الإرادة والشكيمة في أيام المحن والشدائد وأهوال الدنيا، فما أصاب الأخ الصديق سعادة الأستاذ الدكتور إسماعيل البشري مدير جامعة الجوف، من فاجعة كبيرة هزتنا جميعاً، وشعرنا بهول الفاجعة واللوعة وقوة الصدمة، بفقدان 5 من أبنائه أثناء عودتهم من الإمارات الى المملكة، إثر حادث مروري مروع مؤسف في طريق الأحساء، وقد خيم علينا الحزن وهول المصيبة ولوعة ومرارة الألم أثناء سماعنا نبأ الكارثة، وعزاؤنا في هذا المصاب الكبير الجلل أن والدهم البار الرحيم الصابر المهذب جداً الدكتور البشري، أكبر من أن ينهار وينثني وييأس وينطفي وتخبو عزيمته، فهو الإنسان المؤمن الصبور الهادئ النبيل والأكاديمي المخضرم والتربوي المتميز والمعلم الناجح، فكيف لا وهو معلم الأجيال ومشجع أغلب الشباب ومحفزهم لكسب الهمم والعلم والمعرفة ونيل المعالي والتغلب على الصعاب، والتخلص من الكسل والخمول واليأس والفشل. هذا الرجل الذي أعطى صورة مشرقة وسمعة طيبة لأبناء الوطن بالخارج، لأنه يتحلى بنبل متميز وخلق عال وسمعة طيبة وسجايا حميدة فريدة، واستقامة وأريحية يغبطه عليها الكثيرون، فكان نموذجاً مشرفاً لأجيال ورجال الوطن من حيث الثقافة والوعي والتربية والعلم والدين والأخلاق والسلوك، فالبشري يعتبر من مطوري ومؤسسي عدد من كليات الطب والأقسام الأخرى في جامعة الشارقة، عندما كان مديراً لها لعدة سنوات، فكسب سمعة طيبة منقطعة النظير وشهرة واسعة يضرب بها المثل، وعلاقات كبيرة في الأوساط الأكاديمية والتربوية والثقافية والاجتماعية، في المملكة ودولة الإمارات وخارجها، لما كان يتمتع به من خلفية أكاديمية مرموقة وتربوية وثقافية فريدة ومتميزة وناجحة، وهذا ماتجلى بمشاعر المسؤولين السعوديين والإماراتيين والشخصيات من داخل المملكة وخارجها، التي حضرت إلى منزله في الرياض لتخفيف المصاب ومشاطرته الحزن بفقد خمسة من أبنائه قبل عدة أيام، وكانت لفتة كريمة من ولاة الأمر في كل البلدين المملكة والإمارات، فقد حضر إلى منزل البشري حاكم الشارقة وولي عهده ووزير الثقافة الإماراتي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وعدد من الشخصيات الخليجية، وهذا مايعكس بوضوح مدى قوة التلاحم والنسيج الاجتماعي بين الأقطار الخليجية، وماعرف في دول الخليج العربية، الترابط الاجتماعي والتواصل الإنساني بين المجتمع الخليجي الواحد، واتباع سياسة التكافل الاجتماعي المألوف والمحبب، مما يعطيه خصوصية فريدة متميزة، عن كثير من الشعوب الأخرى، باعتبار ان المجتمع الخليجي منبع حقيقي للعادات والتقاليد العربية الأصيلة، المتجذرة من روح ديننا الإسلامي الحنيف، وهذا لايقتصر على فرد بعينه، وإنما هذه الخصائل الحميدة تشمل الرئيس والمرؤوس، والحاكم والمحكوم. فانا أعرف كيف كانت علاقة صديقنا المكلوم البشري بالمجتمع الخليجي وبأبنائه وعائلته فهو خير أب صالح وخير مرب فاضل وخير رب أسرة ناجح وسوي ومعتدل ومحافظ ومستقيم وصادق ومهذب في تأسيس أسرته وعمله وعلاقاته الاجتماعية. لله درك أيها الرجل الحليم الحكيم الصابر المؤمن، فأرجو أن تكون كما عهدناك من تواضع جم وخلق عال وهدوء وصبر وسكينة وقوة شكيمة، عرفناك تقطر خلقاً وتملأ المكان حميمية وألفة ورقة وتواضعاً وحلماً وأدباً جماً، وتعطي الآخرين شعوراً بالأمان والاستقرار والراحة والأمل، وتمدهم دائماً مما ألهمك الله من تعاليم دين حنيف وعلم نافع ومعرفة بأمور الدنيا وتجربتك الغنية والثرية في الحياة، من جرعات القوة والصبر والتحلي بالحكمة والموعظة، والتغلب على المصائب والمحن، فيا عزيزنا البشري المؤمن مبتلى، وإن الله سبحانه وتعالى ربما اختارك ليعرف مدى حدود إيمانك، وقوتك وصبرك الذي كنت تتحلى بهذه الخصال الطيبة التي تمتاز بها، منذ زمان وهذا ديدنك ومبدأك في الحياة، فأتى وقت الشدائد والمحن لنتعلم منك القوة والعزيمة والإرادة وكضم الغيظ والصبر على الابتلاء وتجاوز النائبات والمحن، فنرجو منك ياصديقي العزيز، أن تستمر في تربيتنا وتعليمنا وتنصحنا كما عرفناك، لنتعلم منك كل هذه الخصائل والشيم والقيم التي كنت تؤمن بها وتمارسها حقيقة يوميا في عملك وبيتك وسلوكك مع زملائك وتلاميذك وحتى أصدقائك، الذين ينتظرون منك المزيد المزيد، من العطاء والإنتاج والمثابرة والتميز كما عهدناك، فأنت مازلت في أوج عطائك، وعنفوان قوتك وإنتاجك وتميزك، فصبراً جميلاً.. ولك الصبر والسلوان.