في سوانح ماضية ذكرتُ وأشدتُ بالدور الوقائي لوزارة الداخلية في مشروعها الوطني للقضاء على مرض البلهارسيا في المملكة.. باشتراطها على كل من يعمل في مجال الزراعة والفلاحة.. حصوله على شهادة فحص البلهارسيا وخلوه منها.. ضمن الوثائق المطلوبة عند إصدار أو تجديد الإقامة.. وكان التركيز في سوانح الماضية على البلهارسيا البولية (شيستوسوماهيماتوبيم) التي مات بسببها الفنان عبدالحليم حافظ كما يعرف محبو عبدالحليم حافظ.. وموضوع البلهارسيا كبير جداً ومتشعب.. ولو أردت الإلمام به لاحتاج الأمر إلى عدة مقالات.. أستعين فيها بمراجع من أمهات الكتب الطبية.. وسوف أكون فيها متطفلاً على الزملاء المتخصصين في الأمراض الباطنية والوبائية وطب الأسرة والمجتمع.. وهي تخصصات لم يبق لي فيها إلا ذكريات موغلة في القدم.. قدم الدراسة الجامعية وما بعدها وسنوات العمل الأولى بعد التخرج.. وإشراك القراء في الموضوع سوف يصيبهم بالضجر كتكرار كلمتي سركاريا وسنيل وغيرهما.. وكأني في محاضرة علمية.. لذا أبقى اليوم مكتفياً بالإشارة والإيجاز (مما في ذاكرتي عن البلهارسيا التي أو الذي يذكرني بها دائماً الفنان عبدالحليم حافظ أو عندما أستمع لأغنية ظلموه أو سواح.. والبلهارسيا مرض وثيق الصلة بالمستنقعات والترع والأنهار الموبوءة بسبب تبول وتغوط الفلاحين فيها.. وسوانح حديث الذكريات.. فها أناذا أتذكر مقابلة تلفزيونية قديمة لعبدالحليم حافظ.. وقبل وفاته بقليل.. وكيف كان يقول انه كان (يزوغ) أي يهرب عندما يحين وقت إعطائه الحقنة العلاجية للبلهارسيا.. وكيف كان ندمه شديداً لسببين الأول قيامه بالاستحمام في مياه التِرع.. والآخر عدم الانتظام في أخذه علاج البلهارسيا.. وأثناء كتابة المقال تذكرت خبراً نشرته جريدة الرياض قبل سنة أو تزيد يفيد بانتشار قواقع (سنيل) البلهارسيا في المستنقعات في حائل.. وقد ازدانت الجريدة بصورة يتضح فيها اللون الأخضر على جوانب المياه الآسنة.. وكأنك تشاهد مسبحاً مهملاً.. ومخاوف الأهالي من انتشار الأوبئة.. وبالأخص البلهارسيا.. وميزة مرض البلهارسيا انه إذا قطعت أو أُبطلت حلقة من دورة المرض.. فلا ينتقل المرض ويصاب به الآخرون.. وعندما يُقضى على القواقع.. كالتي في مستنقعات حائل وغيرها نكون قد أخللنا بدورة المرض.. أو دورة حياته (لايف سايكل) ومن أهم أعراض البلهارسيا خروج الدم مع البول.. ولشدة انتشار البلهارسيا في مصر.. يُروى أن أحد المرضى (صعيدي) يشتغل فلاحاً في الغيط مصاب بالبلهارسيا.. وعندما سأله الطبيب المعالج: هل لديك دم في البول أو أثناء التبول.. رد قائلاَ: طبعاً.. ظناً منه أن خروج الدم مع البول شيء طبيعي يحدث لكل الناس.. لانتشار البلهارسيا في مصر.. وكثرة من يعانون منه من فلاحين يشتغلون في الغيط.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله. * مستشار سابق للطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية