تواجه صناعة الدواء الوطنية عدة صعوبات تحد من نموها، رغم ما تمثله هذه الصناعة من أهمية حيوية ليس لصحة الإنسان السعودي والمقيمين فحسب، ولكن لأهميتها القصوى أيضاً للاقتصاد الوطني كقطاع استثماري ناجح وفعال، ولعل تلك المشكلات التي تواجه القطاع وحدت من معدلات نموه، حرمت كذلك الاستثمارات الوطنية من التوسع في حجم تغطية احتياجات الدواء المحلية لتتوقف عند حد 40% من حجم الطلب، وهو ما يعادل 7 مليارات ريال فقط، بينما ترك للأدوية المستوردة حصة 60% وهي توازي 12 ملياراً. عقبات أوقفت تغطية الأدوية الوطنية ل 40% من حجم الطلب هذه القضية شغلت اهتمام قطاع الأعمال الذي وجه رسالة من خلال مجلة "تجارة الرياض" الناطقة بلسان غرفة الرياض حيث أفردت لها مساحة كبيرة من صفحاتها هذا الشهر، وتحاورت مع عدد من المتخصصين والمستثمرين في القطاع، حيث طالب الدكتور سامي عبدالكريم العبدالكريم نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس اللجنة الطبية بغرفة الرياض الأجهزة الحكومية بأن تأخذ على عاتقها المساعدة على انتشال الصناعة الدوائية الوطنية من أزمتها وتقديم الدعم اللازم لها. وانتقد د. العبدالكريم توقف وزارة الصحة منذ نحو 3 سنوات عن التزامها السابق بضمان تأمين 40٪ "على الأقل" كمشتريات من المصانع الوطنية، لافتاً إلى أن الوزارة عندما كانت تلتزم بذلك كانت مشترياتها من الأدوية لا تتجاوز 800 مليون ريال، وبعدما توقفت عن التزامها قفزت مشترياتها من الأدوية والأجهزة الطبية إلى 7 مليارات تذهب معظمها للشركات الأجنبية، وقال إن الأنظمة الحالية خالية من أي دلالات تحفيزية لصناعة الدواء الوطنية القائمة أو الاستثمارات الجديدة، مشيراً إلى أن هذه الصناعة تتطلب تقنيات عالية ودعم خطوط الإنتاج في المصانع القائمة، منبهاً إلى أن غياب هذا الدعم يؤدي إلى إغلاق أبواب فرص وظيفية ذات طبيعة نوعية ووظيفية شديدة الخصوصية أمام شبابنا. العنزي كما انتقد غياب الأنظمة الملزمة لتوظيف السعوديين وتدريبهم في الشركات الأجنبية العاملة في السوق المحلية، سواء عبر نظام الوكيل أو الموزع المعتمد اللذين يستأثران بنصيب الأسد من مبيعات القطاع الخاص الطبي البالغة نحو 12 مليار ريال، إضافة إلى المشتريات الحكومية البالغة أكثر من 7 مليارات، مشيراً إلى أن نسبة السعودة فيها لا تتعدى 2٪، بينما تتجاوز السعودة لدى الشركات المحلية 22٪. د. العبدالكريم ودعا العبدالكريم إلى ضرورة تفعيل قرارات مجلس الوزراء القاضية بإعطاء الأفضلية للمنتجات الوطنية في منافسات الدولة، بدلاً من منح مستحضرات (الشركات الباحثة) والمعروفة اصطلاحًا بالشركات المتعددة الجنسيات 10٪ من فرق السعر كأفضلية تجاه المناقصات الخليجية الموحدة، وإعطاء أفضلية الترسية لأوامر الشراء المباشرة والمناقصات الأخرى، وهو ما يتناقض كليًا مع شروط المناقصة الخليجية الموحدة، لكنه دعا إلى تحفيز هذه الشركات لتصنيع مستحضراتها محليًا، وإعادة تفعيل قرار تجنيب 40٪ من مشتريات وزارة الصحة لصالح المنتج الوطني. ونبه إلى أن عدم توفر قاعدة معلومات خاصة بقطاع صناعة الدواء، يدفع المستثمرين للإحجام عن الدخول لهذا القطاع الذي يتطلب استثمارات ضخمة، والتخوف من ضخ الأموال دون وجود معلومات كافية عن السوق، وفي ظل غياب الدعم ومعاناة أي شركة دوائية ناشئة لفترة قد تطول قبل أن تحظى بالاستقرار، إضافة لعزوف البنوك التجارية عن تمويل أي مشروع دوائي ناشئ في وجود منافسة شرسة من الشركات الأجنبية، وغياب الدعم الحكومي، فضلاً عن صعوبة الحصول على قرض صندوق التنمية السعودي والذي يستغرق ما لا يقل عن 2-3 سنوات، وارتفاع تكلفة الاقتراض من الصندوق (4-5٪)، وكذلك مع طول فترة الحصول على تراخيص إنشاء مصانع الأدوية. وعرض العبدالكريم عددًا من المقترحات لدعم الصناعة الدوائية المحلية وزيادة نسبة السعودة بما يزيد عن 40٪ على الأقل، حيث دعا إلى طرح مناقصة خاصة بالمستحضرات المصنعة محليًا فقط، على ألا يزيد السعر الذي يتم ترسيته عن معدل سعر آخر ثلاث مناقصات، مما يعتبر محفزًا لجميع الشركات وخصوصًا العالمية الباحثة عن تصنيع منتجاتها بالمملكة، أو زيادة نسبة الدعم، لكل مصنع وطني يحقق نسبة سعودة تفوق 40٪ تشجيعًا لتوظيف السعوديين وتدريبهم وتطويرهم، ويرى أن ذلك الدعم يحفز أيضًا الشركات العالمية على نقل تصنيع كثير من مستحضراتها إلى المملكة. ومن جانبه طالب الدكتور هيثم الجوهري وهو أحد المستثمرين في القطاع الدوائي الأجنبي بالمملكة الهيئة العامة للاستثمار بالسعي بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة لمنع مخالفات استثمارية يلجأ إليها بعض المستثمرين الذين يدخلون السوق باستثمارات ضعيفة ويقومون في الغالب بممارسات ضارة مثل استنساخ (تقليد) صناعات أصلية أو ذات جودة عالية، مما يتسبب في الإساءة لسمعة الاستثمارات الجادة والمصانع الوطنية القائمة، كما قد يدفع مستثمرين عالميين إلى الإحجام عن الدخول للسوق السعودية، وهم يرغبون بالفعل في الحصول على موطئ قدم استثماري في سوق كبيرة ولديها سمعة جيدة. كما أشار إلى معاناة مصانع الأدوية من قلة التأشيرات وتشديد وزارة العمل في ذلك، وقال: "إنه لا يلومها فمع اكتظاظ العمالة الوافدة اختلط الحابل بالنابل"، واعتبر أن أكبر عائق صناعي هو الأيدي العاملة الوطنية والأجنبية معًا، فالأجنبية فيها شح تأشيرات الاستقدام، والأيدي الوطنية فشحها لا يزال قائمًا، وقال يبدو أن ثقافة السعودي بالنسبة للعمل بالمصانع ما تزال غير مشجعة، فالسعودي يفضل العمل بالحكومة ولا يزال يرى المصانع ممرًا ينقله لوظيفة حكومية أو شبه حكومية. د. الجوهري أما الدكتور رشيد الرشيد وهو مستثمر آخر في القطاع الدوائي الأجنبي فيلفت إلى ضرورة الاهتمام بالصناعة التكميلية للصناعة الدوائية مثل إنتاج مواد التغليف وأنابيب الكريمات، مشيراً إلى أن المملكة لازالت تستورد الأنابيب من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ولا يوجد بالمملكة سوى مصنع واحد فقط في جدة لصناعة هذه المنتجات، ودعا هيئة الاستثمار لمساعدة المستثمرين في ذلك، أو لتبني مبادرة تحفز للقيام بمثل هذه الصناعات التكميلية. وعن كيفية استقطاب الكفاءات البشرية الوطنية في هذه الصناعة الهامة يقول المدير الاداري بشركة الشرق الاوسط للصناعات الدوائية حمود العنزي ان قطاع صناعة الدواء في نمو لكن بيئة العمل خصوصاً في الجانب الفني تحتاج للمؤهلين وبالتالي فان الايدي الوطنية المؤهلة تجد كل الترحيب وتحظى بالعديد من المزايا ويرى العنزي ان التوسع في دعم صناعة الدواء سيقابله فتح مزيد من الفرص للمواطنين من الجنسين، مشيراً إلى ان التعاون ضروري بين الجامعات ومصانع الادوية لمعرفة التخصصات وكذلك لإعداد برامج تأهيلية.