-1- قال لي:- لن يفيدك الحزن بشيء لقد توفاها الله، وأنت بقيت على وجه الحياة، فلا بد لك من أن تتزوج فالحياة لا تقف عند امرأة واحدة!.. ابتسمت له، أدركت أنه يريد راحتي، ولم يدرك هو أنني فقدت راحتي!.. -2- أحياناً لا نستطيع أن نفعل شيئاً، نظل صامتين، ليس لنا سوى فرك كفوفنا وذرف أدمعنا، حين يأتي من هو أكبر منا!.. ذات وقت قال لي أبي:- بني من هو أكبر سناً منك لابد أن تحترمه وتقدره وكان الموت أكبر مني.. بل أكبر من الحياة كلها.. لا يمكن أن أنساه، فقد طرق بابي قبل خمس سنوات وأخذ أمي ورحل، وهاهو يأتي وطرق بابي مرة أخرى وليأخذ زوجتي ويرحل.. إنه الموت الذي لا مناص منه، حين يأتي تبكي العين ويعتصر الفؤاد فقدا.. (3) ثمانية وعشرون سنة، لم أفارقها ولم تفارقني، كانت تكتب عمري مثلما كتبت أنا عمرها، دفعتني إلى الأمام، وتقدمت في حياتي إلى آفاق كنت أحلم بها، تقاسمت معها البسمة، وشطرنا الحزن بين قلبينا، كنت أرى ضحكتي في مبسمها، وأبدا لا تأتي ضحكتها حين تقف الأيام ضدي، كانت مرجعي في كل شيء، كانت تقف أمام أحرفي كثيراً، كانت تطرح الفكرة تلو الأخرى، وتجدني أكتب فكرتها، وكأنها فكرتي!.. وفجأة لم أجدها بجانبي، وأصبحت في غرفتي وحيداً، بحثت عن بسمتها، عن صوتها المرحب، عن حكايات النهار، وآمال الغد، عن كل شيء، والآن أجد نفسي وحيداً، فراشها خالياً رغم وجود رائحتها.. ثلاثة أشهر مضت، وهي هناك تحت الثرى وأنا هنا تحت وطء الذكريات والحزن!.. ماتت زوجتي وشعرت بأن في حياتي مساحات كبيرة خالية لا يملؤها شيء.. (4) في مساء الأحد الماضي، ذلك الأحد الذي التصق بذاكرتي ولن يمحوه سوى الموت، تعبت زوجتي أصبح زفيرها وشهيقها أصعب من الحياة نفسها، أدخلتها المستشفى ليقول لي الطبيب إنها مصابة بالتهاب رئوي شديد، لم تمكث طويلا في المستشفى لتموت!.. ماتت زوجتي التي كانت تعاني من قبل من نقص فيتامين "د" مساء ذلك الأحد، وأقفلت خلفها كتاب الراحة والحب!.. رثيتها بنظرات عيني، قرأها كل من مد يده لي معزياً، ومضت ثلاثة أيام ثقيلة كثقل الحزن في صدري، وبعدها رحل الكل، لم يبق لدي سوى نظرات أبنائي الذين ينتظرون أمهم أن تدخل من الباب، ونظراتي التي أغلقت الباب نهائياً، وفراشاً بارداً لا يحمل دفأها!.. (5) تزوجت!.. لم أكن خائناً لها، ولكن أبنائي لهوا في حياتهم، وأصبحت وحيداً يذرني الغبار أينما كنت. خفت أن لا أعطي زوجتي الجديدة حقها كاملاً، فالأولى ما زالت في ذاكرتي، حتى أنني حين أنادي زوجتي الثانية أناديها باسم الأولى، ولم تكن تغضب، بل كانت تجيب، حتى تعودت عليها فأصبح اسمها على لساني. عشنا مع بعض لا يكدر حياتنا مكدر، أدركت هي أن الحياة قد بسطت ذراعيها لها، وأني شفيت من تعلقي بزوجتي الأولى، حتى أتى ذلك اليوم!.. (6) كنا في طريقنا إلى المطار، فبعد ثلاث ساعات موعد الإقلاع إلى مدينة جدة، حيث كنا ننوي العمرة وفي الطائرة حينما أعلن كابتن الطائرة بأننا نمر فوق الميقات، رفعت يدي ونويت عمرتي لزوجتي الأولى، سمعتني زوجتي الثانية، فترحمت عليها، حينها أدركت أنني لم ولن أنسى زوجتي الأولى!.. وأني بعد حزني وصبري على فقدها.. رزقني الله بالزوجة الثانية.. حينها تذكرت مقولة صديقي.. "الحياة لا تقف عند امرأة واحدة!..".