محمد المهنا ابا الخيل - الجزيرة السعودية لي صديق أمريكي أحرص على أن التقيه مرة كل سنة على الأقل عندما أقضي إجازتي في الولاياتالمتحدة، وعندما كان يسكن مدينة سان ديجو في ولاية كاليفورنيا كنت أسافر للقائه من سان فرنسسكو، حيث أقيم في المعتاد، هذه السنة وبعد أن استقر في ميامي فلوريدا أصر هو أن يحضر لزيارتي، ونحن على مائدة العشاء، تطرق بنا الحديث حول فقدان الأحباب والتعامل مع الحزن العميق (Grief)، فقال، منذ سنوات وعندما كنت في رحلة عمل لمدينة فينكس بولاية أريزونا الأمريكية وبعد الهبوط في المطار وصلتني رسالة قصيرة تفيد بوفاة صديق عزيز، تملكني الحزن وبدت ملامحي في التعبير عن ذلك، وبعد خروجي من مبنى المطار كان في انتظاري من قدمت لزيارته مستقبلاً، علاقتي بجعفر تعود لأربع سنوات خلت، حيث نعمل سوياً على تطوير نظام إلكتروني لتتبع الموجودات وجعفر هندي هاجر للولايات المتحدة منذ 20 عاماً وأقام عمل ناجحاً له في فينكس، نظر في وجهي وقال «أنت مريض؟، ماكان عليك أن تأتي وأنت بهذه الحال، أريد منك بالاً صافياً لا أنفاً ممتلاً!» اغتصبت ابتسامة مجاملة لطرفته ولكن مشاعر الحزن أقوى من أن تبقي اثر تلك الابتسامة فقلت «لا لست مريضاً ولكن وردتني أخبار سيئة بمجرد وصولي المطار، فقد توفي صديق عزيز علي وانتابني الحزن عليه، لا أكثر» رمقني بنظرة حانية مصطنعة وهو يقول «آوه، أنا آسف لفقدك» ثم نظر إلى ساعته التفت إلي بملامح جادة تشوبها ابتسامة مكبوتة وقال «هل أنت جائع» قلت «ليس بالسوء المعتاد، فماذا تقترح؟» قال «إنه وقت الغداء، وبدلاً من تناول ساندوتشات تينا (سكرتيرته) سآخذك لمطعم حميم، لعله يسليك بعض الشيء»، وبعدما ركبنا السيارة في اتجاه المطعم قال لي «مايكل، سأذكر لك قصة لم تعرفها بعد، هي قصتي أنا مع الحياة والموت» نظرت له باهتمام قائلاً «حسناً، أنا مصغ!» فأردف قائلاً «قبل أن أقدم لهذه البلاد، في الهند مررت بتجربة فقد عظيمة، وتملكني حزن عميق سيطر على عقلي وفكري لفترة طويلة، فكما تعلم في الهند معظم الزواج وخصوصاً في المناطق الريفية يتم من خلال ترتيبات الأهل، فالأهل هم من يختار الزوجة وما على الابن إلا تنفيذ رغبات الأهل، وعندما كنت أدرس في (IIT Bombay) في ضاحية بوي قرب بمباي خطب والداي بنت أحد كبار المزارعين في قريتنا القريبة من حيدر اباد لتكون زوجة لي وبعد أن تخرجت من المعهد، تزوجتها وانتقلت بها للعيش معي في بانجلور، حيث حصلت على وظيفة في شركة (harat Elctronics limited)، خلال 3 سنوات نمت بيننا مودة وحب وتعلق كل منا بالآخر، وكنت أحقق نجاحاً في وظيفتي، حيث أوكلت برئاسة فريق تطوير نظام تنظيم إلكتروني للاحتراق الداخلي لصالح شركة تاتا للسيارات، وكنت أعمل ساعات طويلة في المعمل وكثيراً ما أعود للمنزل بعد العاشرة ليلاً فأجدها تنتظرني للعشاء، وقد أكون قد أكلت وأنا في طريقي، فأعتذر عن مشاركتها، لم تكن تتذمر أو تشتكي وأنا أتركها تأكل لوحدها، رزقنا بطفلة بعد زواجنا بسنتين، فكانت الطفلة تأخذ الكثير من وقت زوجتي، ومع انشغالي بالعمل وانشغالها بطفلتنا لم يكن لدينا الوقت الكثير نقضيه في التعبير عمّا يكن أحدنا للآخر، بات مشروعي يتأخر في التنفيذ بفعل تغييرات في فريق العمل وبت أعاني من ضغوط ذلك، وبت سريع الانفعال حول شؤون المنزل فاقترحت أن تأخذ الطفلة وتسافر لقريتنا، فهي لم تزر أهلها منذ أكثر من عام وبذلك أيضاً تترك لي المجال لأتفرغ لإنجاز مشروعي، فوافقت على ذلك بدون تردد، وهكذا حجزت لها مقعداً في القطار المتجه لحيدر اباد. وكان عليها أن تستقل الحافلة مدة 3 ساعات من حيدر اباد لتصل لقريتنا، لذا تم الاتصال بأهلي حتى يرتب استقبالها في محطة (حيدر اباد كاجيقودا)، فأرسلوا لاستقبالها أخي الصغير..» توقف عن الحديث وقد تغيّرت ملامح وجهه وبرزت عيناه تلمعان، لم يلتفت إلي كما كان يفعل أثناء حديثه بين الفترة والأخرى وهو يقود السيارة، بل تجمد في نظره للطريق كما لو كان ينظر مشهدا مؤلما، فما كان مني إلا أن وضعت يدي على ساعده لأطمئن عليه متسائلاً «جعفر، هل أنت على ما يرام» فنظر لي نظرة سريعة وعاد لنظرة الذهول وهو يقول «أنا، على ما يرام، إني فقط أستجمع ذاكرتي، فدعني قليلاً» صمت عن الحديث وأن أرقب تعابير وجهه تكترب ثم نزلت دمعة ترقرقت على وجنته سرعان ما مسحها وهو يلتفت لي معتذراً بابتسامة مصطنعة وهو يقول «المعذرة، منذ زمن طويل لم أستجمع هذه الذاكرة المؤثرة، لقد شب حريق في تلك الحافلة عند اصطدامها بشاحنة محملة بالكيروسين وفقدت زوجتي وبنتي وأخي الصغير في ذلك الحادث» توقف عن الحديث مرة أخرى ثم سرعان ما عاد لإكمال قصته «طار عقلي عندما علمت بذلك وتملكني الغضب الشديد على كل شيء، نفسي، عملي، أهلي، وبعد انقضاء العزاء، مكثت في القرية بضعة أسابيع، وكنت حزينا جداً، لا أشعر برغبة لعمل أي شيء سوى التسكع بين الحقول والطرق ثم أعود منهكاً لأنام، لم يكن نومي منتظاً فربما أنام في الليل ويستمر نومي حتى آخر النهار فأستيقظ طوال الليل، كنت لا أحب أن يذكر أي شيء عن زوجتي وبنتي ولا أريد النظر للصور، بل إني أنفعل وأصمت من يتحدث عن أي شيء يقود لذكرهما، حتى بات أهل القرية يتحاشون الحديث معي، ذهبت لبانجلور ولم أذهب لمنزلي خوفاً من الذكرى، وقصدت الشركة التي أعمل بها وطلبت نقلي للعمل في بلد آخر، فتم نقلي للعمل في مصنع للشركة في مدينة بون (Pune)، وجدت في عملي الجديد ملاذاً عن الذكرى، فكنت أقضي الساعات الطوال في العمل، حيث كنت مهندس تطوير في قطاع الرادارات، - وهذا سر بروزي في هذا المجال - حيث أصبح العمل هو حياتي وكنت لا أذهب لمنزلي إلا لأنام، وكان يخدمني في المنزل شاب قروي، كنت أنسى اسمه أحياناً، وانقطعت عن زيارة أهلي في القرية قرابة السنتين تخللها اتصالات هاتفية قليلة ووجيزة، في العمل نمت علاقة صداقة مع أحد الزملاء من مهندسي التطوير، وكان كثيراً ما يدعوني لمنزله فأعتذر، كان يتحدث كثيراً عن عائلته ويشيد بإنجازات أطفاله، وذات يوم كنا نتناول الشاي في كفتيريا المصنع فقال لي «يا جعفر كل الزملاء يعتقدون أنك رجل طيب، ولكن غموضك يريبهم، أنا أقربهم لك، ومع ذلك لا أعرف عنك إلا اسمك وأنك من حيدر اباد، فما سرك، ألديك عائلة وهل لديك أبناء؟ أين تسكن؟» لم ادع صديقي يكمل أسئلته فنظرته له بغضب وقلت له اصمت، اصمت، ثم انطلقت هارباً عائداً لعملي وأوصدت غرفة المعمل التي أعمل بها بالقفل حتى لا يتبعني بأسئلته، توالت محاولات صاحبي وهروبي، حتى حاصرني ذات يوم وقال «أنت تتهرب من حقيقة في حياتك ولن ادعك حتى أعرفها» ساعتها داهمتني قشعريرة غريبة شلت جسدي لثانية أو أقل ثم انتابني بكاء شديد وتوتر في أطرافي وضيق في النفس، فخارت رجلي عن حملي وسقطت على الأرض، فأسرع صديقي يطلب النجدة من باقي العاملين، لم يغم علي كما كان يعتقد، لقد كنت واعياً لما يحدث حولي ولكن نوبة البكاء استولت علي فلم يعد لي جهد غير البكاء المرير، وسحبت نفسي نحو زاوية الغرفة ألتجئ بها وسط ذهول جميع العاملين الذين التموا حولي، واقترب صاحبي لي وهو يقول «لا عليك سنعالج الموقف، وطلب من أحد الزملاء إحضار كوب من الماء، ثم جلس أمامي متربعاً وهو يرمقني ويردد «لا عليك سنعالج الموقف» لم يكن لي جهد أن أقول أي شيء، لقد ظن الجميع أن بي مساً من الجنون، ولكن صاحبي كان يدرك أن ثمة أمرا عظيما في نفسي، فطلب من باقي العاملن الانصراف، حينها شعرت بنعاس غريب ورغبة في النوم، لقد كنت مجهداً فاضطجعت على جنبي وشعرت ببرودة البلاط في خدي وغطيت في نوم عميق، لم أفق منه إلا وأنا على سرير عيادة المصنع، فبات الطبيب يسألني عماذا أكلت وشربت خلال الأيام السابقة، كان ضغطي منخفضا وحرارتي مرتفعة ولدي شعور بالغثيان، حين حضر صاحبي وأخذ الطبيب جانباً يشرح له حالتي، مكثت في سرير العيادة حتى اليوم التالي، حتى عاد ضغط الدم لحالته وزالت حرارتي وصرف لي الطبيب بعض الأدوية المهدئة والمعالجة للاكتئاب، بعد ذلك الحادث جلست مع صاحبي وأفضيت له بقصتي، ولكني بقيت أكره الحديث عن ذكرياتي وأتهرب من الأسئلة حول عائلتي، وفي ذات يوم قال لي برداش «صاحبي» أريدك أن تذهب معي لزيارة حكيم (Guru) معتكف في أحد الجبال القريبة، وانطلقنا منذ الفجر يوم الأحد وبعد وصولنا للقرية القريبة من معتكف الحكيم (Retreat) تسلقنا الجبل وبعد ساعتين تقريباً وصلنا لغايتنا، استقبلنا الحكيم بالترحيب ودعانا للجلوس متربعين في حضرته، ثم نظر إلي مبتسماً وقال «يا جعفر، أأتعبك تسلق الجبل؟» قلت قليلاً، حيث لم أعتد ذلك. قال «نعم، لذا انت بحاجة للراحة قليلاً» وهو يهم بالقيام طلب منا الجلوس، وغاب بين الأشجار ثم عاد بعد قليل وفي يده عصاة غليظة ومزودة بها بعض الحاجيات، ثم طلب منا النهوض وقال «هناك لكل واحد منكم عصاة غليظة ومزودة كل منكم يضع بها ما يشاء مما يجد من الطعام والشراب»، فنظرت لصاحبي وقلت له «انت اخبر مني فعلمني ماذا اصنع» فاختار لي بعضا من خبز الذرة الجاف ومطارة ماء وفعل هو كذلك، وكان الحكيم يرمقنا ونحن نتحاور وبعد أن تجهزنا، قال الحكيم «سنصعد الجبل حتى قمته فاتبعاني» نظرت لصاحبي وهمست له لقد اجهدنا حتى وصلنا لمعتكفه فما باله يطالبنا بالصعود أعلى، هز صاحبي كتفه وهو يقول «لا بد أن له غاية من ذلك»، التفت إلينا الحكيم وكأنه استشعر عدم رغبتنا في الصعود قائلاً «إذا كنتما غير راغبين في الصعود فيمكنكما المكوث هنا حتى أعود» فقال صاحبي للحكيم «لا أيها الحكيم، غايتنا صحبتك والاستفادة من حكمتك فسر بنا حيث تريد» فسار بنا الحكيم صعوداً في ممرات ضيقة بين الأشجار وبعد أكثر من ساعة من الصعود بصمت بين الأشجار وقف الحكيم على رامة صغيرة والتفت إلينا وهو يرى في وجوهنا الإجهاد من الصعود وقال «أكنتما قد تعبتما فلا زال بإمكانكما التريث هنا حتى أعود فلم نبلغ نصف مسافة غايتنا» فنظرلي صاحبي وكأنه يستحثني أن أقول مثل ما قال قبل ساعة، فقلت للحكيم» غايتنا أيها الحكيم صحبتك والتعب حالة وتزول «فنظر إلي الحكيم برضى ثم تابع المسير صعوداً وبصمت كما كان، وبعد أن بلغ فينا التعب مبلغه وبات لهاثنا يفوق صوت حركت أغصان الأشجار التي نبعدها عن طريقنا فوقف الحكيم مرة أخرى ونظر إلينا وقال «ادرك انكما تعبتما من الصعود ولكن الغاية لا زالت بعيدة فإن شئتما تابعنا المسير أو استرحنا قليلاً» فتناظرت وصاحبي وسبقني صاحبي بالقول للحكيم «غايتنا صحبتك فإن شئت أن تسير وإن شئت أن تستريح فنحن سنتبعك» فقال الحكيم «حسناً إذا سنستمر في المسير» كنت اظنه سيشعر بتعبنا كما قال ويستريح بنا قليلاً ولكنه تابع صمته ومسيره ولكن بعد قليل من سيرنا تقلصت عضلات فخذي فجأة وشعرت بألم حاد فصرخت من الألم وتوقفت ثم جلست على الأرض امسج فخذي وأنا أتألم، وجلس صاحبي بجانبي يلتقط أنفاسه، عندها وقف الحكيم وقال «لقد وصلنا غايتنا الآن» نظرت للحكيم باستغراب وقلت «استميحك العذر أيها الحكيم، ولكنك كنت تقول قبل قليل أن غايتنا لازالت بعيدة ولا أرى في مكاننا هذا ما يجعله غاية فالأشجار لازالت تحجب الرؤية والجبل لازال شامخاً فوقنا!» فضحك الحكيم وقال «الغاية يا جعفر ليست مكانا ولا زمانا، الغاية هي انعدام القدرة أو الإشباع، لقد بلغت غايتك فلم تعد تحتمل صعوداً أكثر وبلغت انا غايتي، حيث أشبعت رغبتي في إنهاكك» قال ذلك وسط ذهولي من صفاقته وهو يلقي بمزودته ويسوي مكان جلسته ثم يتربع في جلسته ويطلب مني ومن صاحبي أن نقابله في جلسته ويخرج كل منا قدراً من خبزه ويشرب قليلاً من الماء وكل ذلك بصمت مطلق وعندما فرغنا من الأكل والشرب قال الحكيم موجهاً كلامه لي «جسد الإنسان هو مسكن روحه فكل ما كان المسكن جميلاً ونظيفاً وقوياً وصحيحاً كان أسعد للروح، فالروح تشقى في الجسد المريض والضعيف والقذر والبشع، والروح تشقى بالتعب وتشقى بالغضب وتشقى بالحقد وتشقى بالحزن، والروح لا تحتمل الشقاء فتهجرالجسد المريض ليموت، وتكسل الجسد الضعيف فيتوق للراحة وتدفع الحقد والغضب للاعتداء والتدمير لتخلص من الهم، ولكن ماذا تفعل الروح بالحزن وهو من طبيعتها وحال من حالها، الروح تهرب من شقاء الحزن بالنسيان فتدفن الذكرى المحزنة تحت أكوام الذكريات الأخرى وتحرس مدفنها بتجنب ما يثير تلك الذكريات، فإذا استثيرت تلك الذكريات رغماً عنها تضطرب الروح في مسكنها، فتجهد السد وتمرضه وتدفعه للحقد والغضب، ولا تستقر حتى تعود تلك الذكرى لمدفنها، روحك يا جعفر مضطربة ولن تستطيع أن تعيش بتوازن ما لم تطوع روحك على التعايش مع حزنك، انتم المسلمون تؤمنون بالآخرة ففيها يجتمع الأحبة بعد الفراق وتتوق فيها الأرواح للسعادة، هذا يبعث في الروح الأمل ويساعدها على تحمل شقاء الفراق، فكل ما تحتاجه هو أن تبعث حزنك ليتقد من جديد ولكن في حضور ذلك الإيمان، فتجد الروح عزاءها «كنت أستمع والخوف يعتريني من أن تأتيني حالة القشعريرة، لقد دخل في تشريحه منطقة المحذور. أدرك سريعاً ذلك حين رآني أتمتم وترتعد شفتاي ويتدفق الدم الحار في وجهي ويشتد الضغط في رأسي فقال مسترسلاً «لا بأس أن تعبر عن حزنك، ولكن إياك أن تهرب، افعل كما صعدت الجبل رغماً عن إرهاقك، دع مشاعرك تتدفق بكرم ولا تحتبس منها ما يحرجك، أنت بين الأشجار والجبال، حرر روحك من قيد العقل وأطلق لها العنان دعها تأمل، دعها تحلم ولكن اياك أن تهرب إياك أن تسمح لها بدفن ذكرياتك، يا جعفر مشكلتك أنك لم تكن حاضراً عندما حدث الحادث المؤلم ولم تر بعينك ما جرى فلم تقبل فقدانك وهربت من ذلك الواقع بتصنع النسيان، والآن عليك أن تستحضر الأحداث التي آلمتك وفي كل مرة تقول في قرارة نفسك لن أنسى، واستذكر ذكرياتك الجميلة مع زوجتك وطفلتك كلما تذكرت الحادث المؤلم، واستشعر الأمل بلقائهم في الجنة» لقد كان لحديثه وقع السحر في نفسي فهدأت ثورتي وتصبب العرق من وجهي وشعرت بالراحة في جسدي وكأن عبئاً ثقيلاً قد انزاح مني، ففرحت فرحاً غامراً حتى قمت واقفاً وأنا أرقص وأنا أردد الحمد لله، الحمد لله، ثم أقبلت على الحكيم أقبّل رأسه وصديقي يرقص معي، ثم قام الحكيم وقال «هيا بنا نعود ادراجنا قبل أن يهبط الليل» وخلال مسيرة عودتنا لمعتكف الحكيم عاد لصمته وانا وصاحبي نهمس بين بعضنا بعضا عن سعادتنا بزوال حالتي، وعندما وصلنا لمعتكف الحكيم التفت إلينا وقال «اذهبا للقرية قبل أن يحل الليل فالجبل غير مأمون من السباع» فاقبلت على الحكيم اشكره وأستأذنه أن أعوده مرات أخرى حتى اكتسب من حكمته فقال لي «لا بأس ولكن في المرة القادمة ستكون غايتنا قمة الجبل إن رغبت بصحبتي»، بعد ذلك عدته مرات عديدة حتى توفي وعدت لطبيعة حياتي وبعد هذه الحادثة بثلاث سنوات، قدمت لأمريكا للعمل لدي شركة جنرال دينمكس وتزوجت سلمى كما تعرف ولم اعد أخاف من تذكر زوجتي فاطمة وابنتي، بل إن لدي في المنزل صرة لهما في غرفة نومي «بعدما خلص صديقي من قصته نظر إلي وفي عينه لمعان وهو يسألني «أليست قصة عظيمة؟» قلت «بلى».