الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    خطيب المسجد الحرام: ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي مِمَّا يُفسد العلاقات ويقطع حِبَال الوُدِّ    استنهاض العزم والايجابية    الملافظ سعد والسعادة كرم    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    أرصدة مشبوهة !    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    إطلالة على الزمن القديم    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



درس الزراعة وألمَّ بالآداب العربية والغربية وعشق الكتابة ونقد الحداثة واهتم بالشأن العام
في احتفاء بعابد خزندار
نشر في الرياض يوم 04 - 01 - 2014

تمثل شخصية الأستاذ عابد خزندار الثقافية علامة مهمة في مسيرة النقد الأدبي في المملكة، حيث كان لهذه الشخصية حضورها النقدي المتألق وذلك بطرحها رؤى وأفكاراً تمس جوهر النقد الأدبي وأيضاً تصورها العميق بالمناهج النقدية الغربية من خلال إطلاعه الواسع في هذا الحقل، وقد كان القارئ يتلقف جهوده النقدية وآراءه الفكرية عبر ما ينشره في الصحف ولا سيما صحيفة الرياض وما يصدره من كتب هي في مجملها تعد في صلب النقد الأدبي.
أبصر عابد خزندار النور في عاصمة النور مكة المكرمة بحي القشاشية عام (1354ه) من أسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطى وألحقه والده - كغيره من الصبية- بكتّاب الهزازية ليأخذ قسطاً من القرآن والقراءة والكتابة، ومنها انضم لمدرسة الفلاح ليتخرج فيها، ثم سرعان ما أكمل تعليمه المحلي بالالتحاق بمدرسة تحضير البعثات، كانت هذه الحقبة بالنسبة للشاب عابد خزندار مهمة جداً، فقد تعرف على ذخائر أدبية مهمة عربية وأوروبية، فقد قرأ كتب طه حسين والعقاد وسلامة موسى وروايات المنفلوطي المترجمة و"ألف ليلة وليلة" و"آلام فرتر" وموسوعة "الأغاني" و"اعترافات جان جاك روسو" و"المتنبي" وصحيفة "البلاد السعودية" ومجلة "الرسالة" ومجلة "الثقافة" ورواية "رو كامبول" ذات الثمانية عشر جزءاً ورواية "الجريمة والعقاب" وروايات أجاثا كريستي وروايات توماس مان وغيرها من الأعمال الإبداعية الخالدة وفي هذه الأثناء يتعرف الشاب عابد بأستاذه القدير والناقد الكبير الشيخ عبدالله عبدالجبار الذي يُعد رائده في حياته الأدبية والنقدية.
طيب: ما يعجبني في شخصية الخزندار أنه منحاز إلى مبادئ الحق والخير والجمال
لم يقف طموح الشاب عابد خزندار على هذه الحصيلة العلمية والثقافية فواصل دراسته بجامعة القاهرة حيث كانت القاهرة في مطلع الخمسينات الميلادية تموج بالتيارات المتنوعة في السياسة والأدب والاقتصاد والفن إلا أنه التحق بكلية الزراعة ونال فيها درجة البكالوريوس عام 1957 وفي هذا الفترة تعرف على كثير من الأصوات الثقافية بمصر وتواصل معهم وما تعج به القاهرة من كتب ومجلات ومسارح، سافر الكاتب عابد خزندار إلى أمريكا لينال درجة الماجستير في الكيمياء عام (1961م) ثم عاد إلى البلاد ليعمل في أحد مرافق وزارة الزراعة وبعد سنوات قليلة ترك الوظيفة وعمل في التجارة لعدة أعوام ثم سافر إلى فرنسا وأمضى فيها قرابة العشرين عاماً اطلع خلال هذين العقدين على الحركة الأدبية والفكرية والمسرحية والفلسفية وقرأ عيون الأدب الفرنسي وأعماله الخالدة.
أحمد عائل فقيهي
اتجه الكاتب والناقد عابد خزندار للكتابة متأخراً فنشر أهم الفصول النقدية وأصدر الكتب في الترجمة والنقد والفكر والسيرة منها: "الإبداع" و"حديث الحداثة" و"قراءة في كتاب الحب" و"رواية ما بعد الحداثة" و"معنى المعنى وحقيقة الحقيقة" و"مستقبل الشعر موت الشعر" و"حديث المجنون" و"التبيان في القرآن الكريم" وترجم عن الفرنسية "أنوثوية شهرزاد".
إنحاز في السنوات الماضية للكتابة في الشأن العام فكتب أجرأ المقالات وكانت مقالاته صدى لواقع مجتمعه من خلال زاويته الشهيرة "نثار" التي تنقلت من صحيفة إلى أخرى حتى حطت رحالها في هذه الصحيفة "الرياض".
وهنا وعلى هذه الصفحات تسعد "الرياض" أن تحتفي بتكريم هذا الرمز الثقافي الكبير عبر شهادات ودراسات وتحيات من كوكبة من أبرز أدبائنا وهو يرفل في ربيعه الثمانين مزهواً بما قدم لساحتنا الثقافية.
في مطلع هذا الاحتفاء والتكريم بهذا الكاتب الكبير يحدثنا الأديب والإعلامي المستشار محمد سعيد طيب فقد خبره وعرفه أتم المعرفة وهو أحد المعجبين بما يطرح من أفكار وآراء ومتابع لكل مؤلفاته، يقول الطيب: عرفته في بداية الخمسينات الميلادية، كان من طلائع مدرسة تحضير البعثات في مكة، كان الخزندار في تلك الحقبة مزيجاً من الوطنية والتقدمية فوالده محمد علي خزندار من كبار رجالات الدولة وتحديداًَ من مساعدي وزير المالية رجل الدولة الكبير الشيخ محمد سرور الصبان.
محمد الحساني
عرفت عنه الاهتمام الدائم بشؤون الوطن والتفاعل مع قضاياه وأحلامه وأمانيه، والحرص على الدفاع عن الحريات العامة وحماية المال العام والأراضي العامة والعناية الواضحة بقضايا البطالة وتخلف التعليم والتلوث ومستوى الخدمات البيئية والبلدية والصحية وشح المياه وزيادة نسبة التصحر والتكاثر السكاني غير المبرر واختناقات المدن، إلى جانب متابعته الدائمة بقضايا الشباب والمرأة السعودية وحماية حقوق الإنسان وانحسار دور دعاة التقدم والنهوض والانفتاح وضمور مؤسسات المجتمع المدني وتآكل الطبقة الوسطى وتراجع أداء النخب المثقفة.
ويؤكد المستشار الطيب أن كل هذه القضايا الجادة لا تقترب منها عشرات الأقلام الخائبة والمتسلقة التي تدعي الحداثة ولا تمارسها وترفع رايات التحرر ولا تتحمل مسؤولياتها والتي تحاول بالتسلل غير المشروع أن تتوسد ذلك النادي الجميل الذي يضم بين أرجائه البهية "عابد خزندار" ومعه نخبة صغيرة جداً ولكنها نبيلة حقاً متوهجة بالطبيعة وتقدمية بالجدارة والاستحقاق والوعي والاستيعاب لإفرازات الفكر الإنساني في شتى مجالاته.
الخنيزي: من خلال هذه الصحيفة أوجه ندائي الحار للاحتفاء بهذه الشخصية الوطنية السامقة
ويمضي الطيب في حديثه: إنه (حداثي) بحق فتجده لا يهدر وقته ووقت القراء في تنظيرات الترف الفكري أو التهويمات الساذجة، أو الرومانسية الفجة التي لا صلة لها بالواقع ولا بالحاضر أو المستقبل أو حتى بالإبداع والجمال! وما يعجبني في شخصيته الخزندار أنه دوماً منحاز إلى مبادئ الحق والعدل والخير والجمال وقيم التسامح ونبذ الكراهية وتتغلب شجاعته الأدبية في النهاية على ما قد يبدو أنه لجاج أو لدد في الخصومة.
إن مرحلة عابد خزندار أعني المرحلة التي عاشها عابد خزندار وتفاعل معها، كانت مرحلة لافتة متألقة شديدة التوهج أتمنى للمحتفى به أن يسبغ الله عليه ثوب الصحة وأن نراه قريباً في جدة بعد عودته من باريس.
محمد القشعمي
أما الكاتبة والقاصة الدكتور هناء حجازي فتتحدث عن المحتفى به عن وعي بما قدمه لمجتمعه عبر كتاباته النقدية أو كتاباته في الشأن الاجتماعي وترى أيضاً في هذا الشخصية:
في عزلته بباريس. بعد أن رحلت عنه رفيقة دربه. وحيدا سوى من رعاية ابنتيه منى وسارة. لكنه. وحيد. قلت له في إحدى المرات وهو يتحدث عن عبد الله عبد الجبار. نحتاج نحن الذين من جيلي والجيل الأصغر أن تحدثونا عنه لأننا لا نعرفه ولا نعرف سر الهالة التي تضعونها أنتم الذين تتلمذتم على يديه وحوله. أتحدث اليوم عن عابد خزندار وأنا لا أعرف كيف أوصل للناس الذين لا يعرفون عابد خزندار من هو ولماذا نتحدث عنه بهذا التبجيل. أعرف أنه مثقف حتى النخاع. بأي تعريف للثقافة تريدون أن تستخدموا ستجدون أنه ينطبق عليه. المعرفة. الموقف. اتساق حياته مع فكره ونظرياته. كل ذلك وأكثر ينطبق على عابد خزندار. حين تقترب من شخص كثيرا يصعب عليك الحديث عنه. تخشى أن تطغى مشاعرك على ما تود قوله. لكن عند الحديث عن الأستاذ مهما طغت عليك مشاعرك فإن الكلام لن يحيد عن الموضوعية. لم أعرف مثقفا سخر حياته للكتاب والثقافة كما فعل ويفعل عابد خزندار. تجلس في بيته تحيط بك الكتب واللوحات التشكيلية فتشعر أنك في مكان ممتع. يحدثك بصوت خافت عن الكتب. عن آخر ما قرأ وآخر ما كتب ويتخلل ذلك الكثير الكثير من الذكريات. عن مكة، وعمله في وزارة الزراعة. القرى والمدن الصغيرة التي زارها أثناء عمله. وقليلاً عن ايام سجنه. لا يسترجع كثيراً تلك الحادثة وحين يتحدث عنها فإنه لا يذكر لك سوى المواقف الطريفة التي عاشها وهو هناك. لا يتحدث بأسى أبداً. لم يحدثني ابداً عن مشاعره تلك الفترة. وأنا لم أسأله.
هناء حجازي
الحديث الذي يطغى دائماً هو الأدب. شغفه وهواه. وهو يتحدث يستشهد دائماً بأبيات من الشعر. وعبارته الدائمة أن الشعر الجاهلي بالنسبة له أعظم الشعر. آخر مرة حين زرته في باريس كان يتلو أبياتاً لحمزة شحاتة.
أما عن إصداراته ولاسيما كتابه "حديث المجنون" فتقول: أصدر الكثير من الكتب. اقول له دائما أنا لا أحب كتب النقد لكن كتبك قرأتها كلها وهي كتب نقد وأحببتها. كتبت له رسالة حب قبل أن أراه. كنت قد قرأت جميع كتبه وأغرمت بطريقته في الكتابة. وبالنسبة لي كتابه "حديث المجنون" هو قمة فنه. وعلى الرغم من أن الناس لم تلتفت له لكنني على يقين أن الناس ستعرف قيمة كتابه هذا يوما ما.
لا استطيع أن اختصر عابد خزندار في عدة أسطر. أستطيع أن أقول إنه رجل عظيم بكل ثقة. اجتذبته في السنين الأخيرة الكتابة عن الناس. معاناتهم ومشكلاتهم وصار ينتقد ما يعتقد انه يمكن إصلاحه فيما يختص بذلك. الكتابة اليومية صارت عشقه. لا يمكنه أن يتخيل حياته الآن بدونها. لكن الكتابة الأدبية لم تتوقف أبداً. تجلس إليه فتسمع منه حديثاً أدبياً صافياً من الشعر الجاهلي وحتى آخر نظريات النقد في العالم. يقرأ بالألمانية والفرنسية والإنجليزية ويستشهد بأبيات من الشعر الجاهلي. هذا هو باختصار عابد خزندار.
في حين يشارك الكاتب الأستاذ نجيب الخنيزي في هذا الاحتفاء ويسرد طرفاً من ذكرياته حين كان الخزندار يدرسهم اللغة الفرنسية منذ عقود طويلة كنت أتابع بشغف دراساته النقدية المعمقة للمدارس الفكرية والنقدية الحديثة وكذلك كتاباته الاجتماعية التي تلامس هموم وتطلعات الناس العاديين.
الحساني: جمع الخزندار في فكره بين الشرق والغرب وأمتع قراء الأدب والثقافة
عابد خزندار الذي يمثل أحد أعمدة التنوير والفكر في بلادنا، جسد في حياته كلها معنى تلازم وترابط الفكر والوعي من جهة والممارسة الحياتية، في علاقة جدلية حية تحتفي بالوطن والإنسان. من هذا الموقع أوجه ندائي الحار للاحتفاء بهذه الشخصية الوطنية السامقة العابرة للهويات الفرعية (المذهبية والمناطقية) القاتلة، سواء من قبل الجهات الرسمية أو المؤسسات الثقافية على حد سواء. أطال الله في عمر أستاذنا الجليل وأمده بالصحة والعافية.
كما يرى الكاتب المعروف الأستاذ محمد أحمد الحساني أن الأديب الخزندار يعد آخر الكتاب المحترمين في نظرة لما تميز به من سعة اطلاع وإخلاصه لوطنه ويقول أيضاً: دعتني صحيفة الرياض للمشاركة في تكريم الكاتب الكبير عابد خزندار ضمن كوكبة من زملائه وتلاميذه من الكتاب فلبيت الدعوة فوراً لأن الخزندار قامة فكرية عالية وجبين وطني مرصع بالكرامة ورجل عُرف بين أهل الصحافة بنظافة اليد والقلم واللسان فهو أديب بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ وهو كاتب صحفي لا يشق له غبار، وقد كانت له مواقف صدق دفع ذات يوم ثمنها ولكنه ظل صادقاً مع نفسه ووطنه ومع الحرف الجميل الذي صاحبه حتى تجاوز الثمانين من عمره، بارك الله له في صحته، وأمده بعون من عنده وجعل قلمه وفكره معطاءين على الدوام ما دام بين جنبيه نفس يتردد وقلب يخفق بحب هذا الوطن الكريم.
العطوي: يجنح عابد خزندار إلى نقد ثقافة العولمة ويمارس في دراساته نقد البيئة المحلية
وقد تميز الخزندار عن غيره من الكتاب بعدة مزايا منها أنه درس الأدب العربي قديمه وحديثه من شعر ونثر حتى توغل فيه وأصبح حجة في النقد والفهم ومعاني اللغة العربية وقواعدها من نحو وصرف، ومنها أنه درس الأدب الغربي دراسة مباشرة وجال في مدارسه وأسراره بما يتقنه من لغات منها اللغة الفرنسية، فجمع في فكره بين الشرق والغرب وأمتع بقلمه الرصين ورؤاه الجميلة وكلماته العذبة قراء الأدب والثقافة، ولما تصدى للشأن الاجتماعي وهو شأن يتحاشاه بعض صغار الأدباء من حداثيين ونحوهم تحقيراً منهم لمن يخوض في الشأن الاجتماعي ورفعاً منهم لمكانة الثقافة والأدب فاصلين في ذلك بين القلم والكلمة الهادفة وبين الحياة والأحياء، لما تصدى الخزندار لقضايا المجتمع تنافس على استقطاب قلمه عدد من الصحف حتى فازت به جريدة الرياض فأصبح كاتباً يومياً بها وأحد أعمدتها التي يفتقد القراء المحترمون غياب قلمه وزاويته الجادة المعطاءة التي تقدم المشكلة والحل بلغة رصينة ليس فيها تجريح أو سخرية أو انتقاص من مسؤول تنفيذي، بل دعوة إلى المشاركة في بناء الوطن وطرح أفكار عملية للنهوض به في جميع المجالات ولم يقعده مرضه أو بُعده عن الوطن عن متابعة قضاياه عبر وسائل الاتصال الحديثة وكأنه عندما يكتب من شأن محلي لم يزل يعيش في أحد أحياء مكة المكرمة مسقط رأسه أو جدة أو الرياض على أكثر تقدير!، وهو لا يكتب عن أي أمر إلا بعد أن تكون لديه معلومات ووثائق كافية، وليس من الذين يخطفون الكبابة من فم القدر حتى يفوزوا بالسبق في الكتابة عن أمر معين لمجرد أن يقال سبقك بها أبو طّف أو أبو ملف!
فقيهي: الخزندار على وعي واطلاع بالحداثة نقداً وإبداعاً ولغة
إن الأستاذ الخزندار كاتب محترم بنى سمعته الفكرية على العطاء الثر والاحترام وأرجو أن يظل بيننا يعطي ويبني وألا يكون هو آخر الكتاب المحترمين!
أما الكاتب والأديب الأستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي فقد أفرد له كتاباً كاملاً عنه وذلك قبل أشهر حين بلوغ الخزندار عامه الثمانين، وأبدى القشعمي إعجابه بهذه القامة الوطنية الكبيرة، يحدثنا الأستاذ القشعمي قائلاً: منذ لقائي الأول به قبل نحو عشرين عاماً برفقة صديقنا المشترك عبدالكريم الجهيمان -رحمه الله- تملكني الشعور بالرقي والعزة، إن لدينا في هذا الوطن مثل هذه القامة المعطاء، الرجل الذي لا يأبه لمصلحة شخصية ولا يسعى إلى مجد يستحقه، ولا يهمه غنى أو جاه أو منصب كما يفعل غيره، بل هُمِّش كثيراً واستعبد ومع ذلك أصر على إنجاز ما أوكل إليه على أكمل وجه، وساهم في تقويم الاعوجاج والسير قدماً نحو الأمام حتى في ما لم يوكل إليه، من خلال مشاركاته المختلفة في المؤتمرات والاجتماعات والدراسات وكتاباته الصحفية التي عرفته عميقاً من خلالها.
ويتابع الكاتب القشعمي: إنه عابد خزندار الجندي المعلوم والمجهول، الذي ساهم في بناء هذا الوطن منذ نعومة أظفاره، أكمل دراسته الثانوية في السعودية وبكالوريوس الزراعة في مصر وماجستير الكيمياء الحيوية في أمريكا والأدب الفرنسي في باريس، وظف الخزندار كل ما لديه من معرفة وتجربة لتطوير الزراعة والتعليم والثقافة والأدب والقانون والقضاء وجميع أجهزة إدارة الدولة، بل واكب جميع التحولات الكبرى من الجمعيات التأسيسية حتى الوزارات الحديثة.
قابلت هذه الشخصية المهمة على هامش المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) غير مرة وزرته في منزله بجدة مرات منها زيارتان مع رفيقنا عبدالكريم الجهيمان، لقد كان بنا حفياً وكريماً، كما قابلته مرة ثالثة أثناء إثنينية عبدالمقصود خوجة حين كرم أستاذنا الجهيمان، ثم توالت الزيارات كلما قدمت إلى جدة.
واختتم حديثي عن الخزندار بأنني ومن خلال لقاءاتي معه المتعددة قليل الكلام وإذا تكلم فالمختصر المفيد لا يجادل ولا يتظاهر بأنه أعلم من محدثه أو يرفع صوته، فهو ينطبق عليه المثل القائل: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
من جهة أخرى يبدي الشاعر والكاتب المعروف الأستاذ أحمد عائل فقيهي أهميته في طروحاته النقدية التي تبرز ثقافته الغزيرة وكذلك الحوارات التي دارت بينهما في مطلع صراع الحداثة وهو يقول عنه:
حجازي: لم أعرف مثقفاً سخّر حياته للكتاب والثقافة كما فعل ويفعل الخزندار
الأستاذ عابد خزندار نموذج للأديب والمثقف والناقد الذي يملك حصيلة معرفية وثقافية فهو تراثي نقداً وإبداعاً ولغة وهو بالمقابل على وعي واطلاع على ماهو حداثي نقداً وإبداعاً ولغة وبين الثقافة العربية في عمقها المعرفي وبين الثقافة الغربية في تجلياتها المختلفة ظل متميزاً على نحو لافت.
جاء إلى الكتابة متأخراً لكنه جاء وهو يتكئ على ثقافة غزيرة وراكزه ليست سطحية ولا هشّة، من هنا تكمن أهميته ويبدو ذلك في طروحاته النقدية بدءاً من كتابه "مستقبل الشعر موت الشعر "ورواية مابعد الحداثة" إلى كتاب "الإبداع"، و"قراءة في كتاب الحب" وغيرها من الأطروحات والكتب.
دارت بيني وبينه حوارات أشار اليها في كتابه "قراءة في كتاب الحب" في فترة الثمانينات الميلادية حيث صراع الحداثة مع الثقافة التقليدية.
ونختتم احتفاءنا بهذه الشخصية الثقافية الكبيرة بطرح جاء للناقد الأستاذ أحمد بن سليم العطوي الذي نال من خلال إنتاج الخزندار درجة الماجستير وصنف عنه كتاباً صدر عن نادي حائل قبل خمس سنوات ويقول عنه:
من الصعب إجمال الحديث عن شخصية بحجم عابد خزندار في مقال واحد ولكنني سأقف في هذا المقال مع ما أعتقد أنه غفل عنه كثير من محبي الكتابة عن عابد خزندار أما لجهلهم به أو لعدم إدراكهم لعوالم خزندار الكتابية، وذاك يتمثل في محورين أولهما:
دراسات ما بعد الاستعمار:
في كتابه رواية ما بعد الحداثة يمارس خزندار نوعاً من دراسات ما بعد الاستعمار، فهو يتحدث عن النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة، وكيفية تحكمها في إدارة البيت الأبيض، ويمثل لتمركز وسلطوية تلك النخبة بما فعلته مع كارتر، فكارتر- حسب رؤية خزندار- "حاول أن يكتشف هذه النخبة، وربما حاول أن يقلم أظافرها، ولكن فيما يبدو لي لم يفعل شيئاً، وسقط في انتخابات الإعادة، وهو أول رئيس أمريكي يفشل في الحصول على فترة رئاسية ثانية منذ عهد(هوفر) في أواخر العشرينيات من هذا القرن يقصد القرن العشرين .....".
هذه النخبة تتحكم في رأس المال والإعلام، كما يرى عابد خزندار، ولذلك فإنه يصاب بالدهشة والذهول حين يقوم بجولة في أسواق (نيويورك)، ويطلع على أحجار كريمة يقدر ثمن الواحدة منها بين ثلاثة ملايين وثلاثين مليون دولار، ومن هنا فهو يعد هذه النخبة كالكهرباء يلمس أثرها ولا تشاهد.
ويذكر عابد خزندار في سياق حديثه السابق أنه شاهد برنامجا على قناة CNN عن الفاقة والعوز في أمريكا "وطبقاً لما قاله البرنامج، فإن هناك أكثر من اثنين وعشرين مليون أمريكي يعيشون تحت مستوى الفاقة، وبجانبهم ثلاثة ملايين يعيشون بدون أي مأوى على أرصفة الشوارع...".
القشعمي: لا يسعى الخزندار إلى مجد يستحقه ولا يهمه جاه أو منصب
وعابد خزندار يشك في صحة ما أذاعه البرنامج؛ لذلك يأخذ جولة قصيرة من فندق (الماريوت) في نيويورك، والذي" يقع عند الحد الفاصل بين المدينة وقاعها أو عالمها السفلي، هذه الجولة أقنعتني بأن البرنامج لم يقل كل الحقيقة ولقد أحسست بعد الانتهاء من هذه الجولة بالرعشة والشلل الفكري، لقد رأيت أكواما من القمامة والنفايات البشرية لم أرها في حياتي من قبل...".
وفي موطن آخر من الكتاب وفي أثناء حديثه عن ثنائية اللغة/ الكلام، ينتقد خزندار الأثر الثقافي للاستعمار الغربي، فيقول:" واللغة تولدت من رحم الكلام، وتتجدد في حالة من الولادة الدائمة، وخلف هاتين الثنائيتين تقع الثنائية الأزلية، وهي ثنائية: الطبيعة/اللغة.
وقد تحدثت عن هذه الثنائية غير مرة، وما أريد إضافته هنا ولعلني قلت ذلك من قبل هي أن الثقافة لا تعني إخضاع الطبيعة والسيطرة عليها، بل تعني قبل ذلك إخضاع الإنسان والتحكم فيه وقولبته، وسجنه في أفق واحد هو بالطبع اللغة، ويكفي أن نستعرض تاريخ الاستعمار الغربي لندرك أبعاد هذه الحقيقة فالهجمة الغربية لم تكن عسكرية بقدر ما كانت ثقافية، ونابليون عندما غزا مصر أحضر معه فريقاً من العلماء في كل مجال حتى في الفرعونيات...".
هذا الكلام يعد من وجهة نظري قريباً إلى حد كبير من مقاربات إدوارد سعيد في دراسات ما بعد الاستعمار.
ثقافة العولمة:
ويمضي العطوي في طرحه عن المحتفى به فيقول: يجنح عابد خزندار إلى نقد ثقافة العولمة في دراساته، ويتوقف عند عقلية القطيع في الثقافة الاستهلاكية، ويتحدث عن مروره بلوحة الكترونية في الطريق إلى مطار الملك عبدالعزيز بجدة، كتب عليها (بيبسي كولا اختيار المملكة العربية السعودية)، ينتقد من خلال التعليق على هذه اللوحة مظاهر الاستهلاك، وتغير مذاق وطعم المأكولات والمشروبات، وبالتالي تغيير طعم الحياة، ويرى أن هذا النحو من الاستهلاك انعكس على سلوك البشر؛ لذلك تغيرت أخلاقهم.
ويمارس في دراساته نقد البيئة، فعندما يسافر بالطائرة إلى الرياض يلحظ التأثيرات التي افتعلها الإنسان في البيئة، وأثره السلبي فيها، يقول عابد خزندار: "تطلعت من النافذة التي أشبه ما تكون بكوة في سجن عصري إلكتروني، وجدت سحابة ترابية هائلة، أو رمادية تطبق على جدة من جميع الجهات والأقطار، والسحابة تتمدد وتترهل وتتسع كلما اتجهنا إلى الرياض، فقلت للجالس بجواري وهو الأخ عصام قباني. وهو خبير بترولي عمل سنين عديدة في منظمة (أوبيك). يبدو أن ثمة عاصفة ترابية على المملكة، أجابني قائلاً: إنه الرماد المتصاعد من آبار النفط المحترقة في الكويت، قلت بصوت خفيض، وكأني أحدث نفسي: المزيد من النفايات...".
ويخلص من ذلك إلى القول: "أدركت ساعتها أننا نعيش عصر ما بعد الحداثة بحروبه وبأدواته التدميرية ونفاياته، ولكن هل كتبنا أدب ما بعد الحداثة؟ وأدب ما بعد الحداثة في الغرب يصف الواقع ويعري زيفه...".
وهو في موطن آخر يشير إلى أثر ثقافة العولمة (الاستهلاك) في العرب حين يقول: "إننا استوردنا المجتمع الاستهلاكي، مساوئه وأدواءه، بما في ذلك الأبراج العالية.. ولو أن مظاهر المجتمع الاستهلاكي الأخرى تسيطر على كل شيء في حياتنا بما في ذلك المخدرات".
وينتقد الغرب في نظرته الفوقية للآخرين، فالغرب حين يتحدث عن الحضارة يقرنها بالحداثة "فهو يتحدث عن شيء واحد، ويعني شيئاً واحداً؛ ذلك لأن الغرب لا يعترف بأي حضارة حديثة سوى حضارته، ووفقا لذلك فهو يقسم العالم إلى دول متحضرة ودول غير متحضرة أو بدائية، أو دول متقدمة هي دول الغرب، ودول متخلفة هي دول العالم الثالث، وهو تقسيم أصبح رسميا وقانونيا، بعد أن تبنته المؤسسات الدولية، وخاصة هيئة الأمم المتحدة، اللهم إلا إذا استثنينا هيئة اليونسكو، ولهذا لم يكن من قبيل المصادفة أن تنسحب منها الولايات المتحدة وبريطانيا..".
وقد تعددت الإشارات إلى ثقافة الاستهلاك في مؤلفاته، وهي إشارات نفذ من خلالها لنقد ثقافة العولمة.
ويختتم العطوي حديثه بهذه الهمسة قائلاً: لعل مثقفي الحجاز وموسساته الثقافية وعلى رأسهم وزيرالثقافة والإعلام أولى بإعادة نشر مترجمات خزندار، وخصوصاً كتابيه المصطلح السردي، من تأليف (جيرالد برنس)، المترجم عن الإنجليزية، والصادر عن المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 2003م، ومعجم مصطلحات (السيميوطيقا)، من تأليف (برونوين مارتين وفيليزيتاس رينجهام)، المترجم عن الإنجليزية، والصادر عن المركز القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة بمصر، عام 2008م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.