أكد "د.عبدالله بن أحمد الوايلي" -رئيس قسم الخدمة النفسية بمجمع الأمل بالرياض- على أن المجتمع بحاجة ماسة إلى تكاتف أفراده ومؤسساته على جميع المستويات من أجل نبذ التعصب بكل أنواعه، مشيراً إلى أن بعض المناسبات والفعاليات تغذي التعصب المناطقي والقبلي والرياضي، إلى جانب وجود تصريحات يدلي بها بعض منسوبي الأندية الجماهيرية أو ممن هم في مكانة اجتماعية عليا. وقال في حديث ل"الرياض" -بعد إعداده دراسة عن ظاهرة التعصب من منظور أكاديمي تطبيقي- إن تلك المناسبات والفعاليات والتصريحات أثّرت بشكل سلبي على الوسط الرياضي، وأججت التعصب لدى العديد من أفراد المجتمع، خصوصاً فئة المراهقين ممن حصدوا ذلك التعصب جهلاً في تعبيرهم عن المنافس، وحماقة في التقليل منه، مشيراً إلى أن التعصب بشكل عام له آثار سلبية خطيرة؛ لأنه يلحق الضرر بالفرد والمجتمع. تكاتف المجتمع أفراداً ومؤسسات يقلل من حدته ويفتح الباب واسعاً أمام «التنافس الشريف» بعيداً عن التشنجات وأضاف أن ظاهرة التعصب تحتاج إلى أن نتعامل معها بكل هدوء وعقلانية؛ لأنها مشكلة واقعية ظاهرة وموجودة تستدعي التكاتف الاجتماعي كلاً فيما يخصه؛ حتى يتسنى لنا جميعاً احتواءها والحد منها بين أفراد مجتمعنا، مشيراً إلى أن الحاجة تستدعي أن نقف بصدق مع أنفسنا ومع الآخرين؛ من أجل نبذ التعصب بكل أنواعه لدى أبنائنا المراهقين والمراهقات، ولدى كافة الفئات العمرية، والعمل على تغيير تلك الاتجاهات السلوكية السلبية التي تؤثر على مجتمعنا وتجعله عرضة للتنافر والتناحر والفتن، وفيما يلي نص الحوار: جمود فكري * ما التعصب من وجهة نظرك؟ - أرى أن التعصب جمود فكري وتفكير سلبي منغلق يقود للتمركز حول الذات، وبالتالي الحكم على الآخرين بشكل سلبي، بل إنه يحاول أن يقلّل من قدر ومكانة الآخرين بأي شكل من الأشكال. * كيف أصبح التعصب في مجتمعنا يشكل ظاهرة؟ - تعد ظاهرة التعصب بشكل عام ظاهرة معقدة ومتداخلة، وتختلف باختلاف السبب، سواءً كان دينياً أو نفسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو رياضياً، أو أي أمر آخر؛ لأن الفرد منا لا يعيش بمعزل عن الجماعة، وهذا ما يجعله محاصراً بالعديد من الجماعات، ومن ذلك جماعة الرفاق وجماعة الفصل وجماعة النادي وجماعة العمل وقبل ذلك كله جماعة الأسرة؛ لذلك تعمل هذه الجماعات الإنسانية دائماً على إرضاء أفرادها والعمل على تحقيق رغباتهم مهما عظمت، وذلك عن طريق التعاون والتفاعل فيما بينهم، ومن هنا أصبح التعصب ظاهرة. التعصب الرياضي * لماذا اخترت هذا الموضوع بالذات؟ - يعود ذلك لعدة اعتبارات رئيسة، من أهمها أنه تم التركيز على التعصب، خاصة التعصب الرياضي كظاهرة اجتماعية سلبية تقود للكراهية والحقد والبغضاء للمنافسين، ثم إنه أساس العنف الجماهيري والشغب الذي يحدث في الملاعب من وقت لآخر؛ مما أساء للرياضة والرياضيين بطريقة سلبية بعيدة كل البعد عن مجال التنافس الشريف الذي من أجله تقوم الرياضة. الوعي بداية الطريق للحد من التعصب الرياضي * من وجهة نظرك، ما أسباب التعصب؟ - الأسباب في هذا الشأن كثيرة ومتنوعة، ومنها أسباب نفسية تتعلق بالشخص نفسه، إذ أن البعض يكون لديه جمود فكري فيتمركز حول ذاته ويصبح لديه أفكار لا عقلانية يؤمن بها ويدافع عنها بقوة، وبالتالي لا يسمع الصوت الآخر، وهذا نوع من النرجسية، كما أن هناك أسباباً اجتماعية ناتجة عن التنشئة الأسرية والضوابط الاجتماعية والمعايير الثقافية الخاصة بالمجتمع، إلى جانب وجود أسباب بيئية تتلخص في بيئة الفرد التي يعيش فيها ومدى تأثره بها بحيث ينعكس ذلك على شخصيته فينتمي إلى جماعة مرجعية خاصة به يكون لهم نفس التوجه، وكذلك هناك أسباب اقتصادية تتعلق بالوضع الاقتصادي للشخص المتعصب ومدى قدرته على تحقيق أهدافه وأطماعه المادية بطرق ملتوية وغير نزيهة أحياناً، إضافة إلى حب الشهرة والظهور وتحقيق بعض الأهداف عبر الانتماء إلى مجموعة أو فريق معين يحقق له طموحاته التي لم يستطع أن يحققها لنفسه. مصطلحات ثأرية * كيف من الممكن أن يشكل المتعصبون صورتهم وأنماطهم في المجال الرياضي؟ - توجد العديد من الصور للتعصب ومن بينها السرية التامة التي تظهر في عمل بعض اللجان وفي الأنظمة والقوانين الرياضية؛ لأن عدم الوضوح في الإستراتيجية الرياضية يؤدي إلى إشعال نار الفتنة بين المتنافسين، بحيث تتعارض القرارات، إلى جانب التأثير الواضح للطرح الإعلامي المتشنج واستخدام المصطلحات الثأرية غير المبررة، كما أن بعض الإعلاميين يضع شعار المشجع على رأسه فيكون طرحه بعيداً عن الحقيقة، إذ تتحكم فيه العاطفة، وكذلك وجود التصريحات البعيدة عن الروح الرياضية التي يطلقها بعض منسوبي الأندية، خاصة ذوي المكانة الاجتماعية العليا في المجتمع، وهؤلاء يسممون الوسط الرياضي من حيث لا يشعرون، فيسمحون لأنفسهم بانتقاد الآخرين والتطاول عليهم، وهذا يؤجج التعصب الرياضي لدى الآخرين، خصوصاً المراهقين. كما أن للأجهزة الفنية المتمثلة في المديرين الفنيين لبعض الفرق ومساعديهم دوراً كبيراً في هذا الجانب، إذ يلقون باللوم على الحكام أو لاعبي الفريق المنافس أو لاعبي فريقهم؛ لكي يغطون على فشلهم الذريع في وضع الخطط التدريبية واختيار التشكيلة المثالية للفريق، إلى جانب وجود التحايل من قبل بعض اللاعبين المشهورين من الذين يدعون الإصابات أو يرفضون قرارات الحكام؛ مما يؤدي إلى إثارة الجماهير الرياضية. طاعة عمياء * إلى أي مدى يمكن أن يخترق التعصب وحدة الجماعة؟ - من المعروف أن ديننا الإسلامي الحنيف اهتم بالجماعة بمفهومها العام والخاص، ووضع لها القواعد والمعايير التي تكفل لها الترابط والاستمرار تحت ضوابط وقوانين محددة، إلاّ أن الحياة التي نعيشها ونُورثها لأبنائنا مليئة بالانفعالات، سواءً كانت مشاعر سرور وحب أو حزن وكره، وبالتالي فإن بعض هذه الانفعالات سار والبعض الآخر غير سار، بل إنه يكون مليئاً بالحسرات والندم على ما اقترفناه من ذنب تجاه أبنائنا المراهقين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم تعلموا تلك الأفكار الخاطئة المتمثلة في التعصب، فنجد أنهم آمنوا بها ودافعوا عنها بكل قوة؛ ظناً منهم أنهم على حق، ومن هنا فإنهم قد يرثون التعصب الرياضي أحياناً؛ فيتأصل في أنفسهم ويجعلهم ينظرون إلى من يتوافق معهم بنظرات الحب والولاء والطاعة العمياء، في حين ينظرون إلى من يخالفهم الرأي بنظرات الدونية والازدراء، خصوصاً عندما يكون هناك أفراد غرباء عنهم، دون مراعاة لمشاعر وأحاسيس الآخرين من الجماعات الأخرى. فعاليات اجتماعية * إذاً أنت ترى أن التعصب خطير على المجتمع في هذه المرحلة؟ - نعم.. ولا يوجد شك في ذلك أبداً؛ لأنه يلحق الضرر بالفرد والمجتمع، إذ إن تفاعل أفراد الجماعة هنا واتصالهم وتبادل محاولات التأثير قد يؤدي إلى صراعات داخلية وخارجية مباشرة أو غير مباشرة، وهذا التعصب يقودنا إلى الاعتراف أن هناك حقيقة نفسية قائمة على أن الإنسان دائماً ما يكون بحاجة ماسة إلى إثبات وجوده عبر اتجاهين ظاهرين، هما إثبات ذاته وأهمية وجوده أمام الآخرين، إلى جانب إثبات انتمائه إلى جماعة مرجعية تساعده عند الحاجة وتُشعره بالفخر والاعتزاز أمام الجماعات الأخرى، وهذا ما يحدث تماما في تنظيم بعض الفعاليات الاجتماعية التي يصاحبها تعصب محدد أو مع الجماهير الرياضية وآلية التعاطي مع التشجيع الرياضي. دور المجتمع * ما الدور الذي ينبغي على المجتمع أن يلعبه للحد من التعصب؟ - يكمن دور المجتمع في حقيقة أننا بحاجة إلى الوقوف بصدق مع أنفسنا ومع الآخرين عبر تكاتف الجميع أفراداً ومؤسسات على جميع المستويات؛ من أجل نبذ التعصب بكل أنواعه لدى أبنائنا المراهقين والمراهقات، بل لدى كافة الفئات العمرية، والعمل على تغيير تلك الاتجاهات السلوكية السلبية التي تؤثر على مجتمعنا وتجعله عرضة للتنافر والتناحر والفتن ومن ثم الوقوع في براثن الجريمة -لا سمح الله-، ونحن نستطيع في هذا الوطن المعطاء أن نُحقق أهدافنا جميعاً عندما نعمل يداً بيد نحو تصحيح تلك الأفكار الخاطئة وتعديلها عبر عدة عوامل، منها العوامل التربوية، وتشمل كل مجالات التعليم بدون استثناء، إلى جانب العوامل الثقافية، وتشمل كل المؤسسات الإعلامية الحكومية والأهلية، وكذلك العوامل القانونية، وتشمل كل المؤسسات الحكومية؛ لتحقيق ميزان العدالة. ثقافة الفرد * ما الحلول التي ترونها للقضاء على التعصب؟ - ظاهرة التعصب تحتاج إلى أن نتعامل معها بكل هدوء وعقلانية؛ لأنها مشكلة واقعية ظاهرة وموجودة تستدعي التكاتف الاجتماعي كلاً فيما يخصه؛ حتى يتسنى لنا جميعاً احتواؤها والحد منها بين أفراد مجتمعنا، على ألا نغفل أن التعصب لدى الفرد قد يعود إلى عدة أسباب، ومن أهمها الاضطراب في الشخصية الذي يعتبر نمطاً ثابتاً نسبياً قد يظهر في مرحلة المراهقة ويستمر في مرحلة الرشد عبر ثقافة الفرد، سواءً كان ذلك عن طريق المعرفة أو العاطفة أو العلاقات الاجتماعية أو الانفعالية، إذ إن الشخصية عبارة عن مجموعة من السمات الانفعالية والسلوكية التي يتصف ويتميز بها الفرد عن غيره، وتظهر لديه عبر مواقف الحياة المختلفة التي يتعرض لها. لذا فإن تهيئة الفرد نفسياً نحو المجتمع أمر مهم جداً يبدأ من اتخاذ المنزل كمؤسسة تربوية تعليمية تهدف إلى التهيئة العامة وتعمل على تخفيض حدة القلق لديه ومساعدته على التكيف مع ذاته والتوافق مع الآخرين في كل زمان ومكان، إلى جانب العمل على توفير الجو التعليمي الآمن المبني على حرية الاختيار بما يناسب قدراته العقلية والجسمية.