العيدُ فرحتُٰهُ عندي معايدَكم فعايدونا يَكُونُ العيدُ عيدانِ عيدُ اللقاءِ، وعيدُ الفطرِ يا أملي إنّ الُمعايدَ بالجوالِ مجاني مفهوم المعايدة لا يختلف كثيرًا عن مفهوم الهدية عند جاك دريدا في كتابة «الزمن المعطى: نقود. زائفة» Given time: counterfeit money (1992). إذ يرى أن الهدية عبارة عن «اقتصاد رمزي» – كالحب، الاحترام، والاعتراف. فالهدية كما هو متعارف عليه هي «عطاء مجاني لا يُنتظر منه مقابل» كقولنا «عطيّة ما وراها جزيّة». فالهدية بمنظور دريدا، لا يفترض أن يتم تعريفها، أو ردها، أو أن يشعر بها أحد – حتى مستلم الهدية نفسه. فهو يرى ان الهدية تلوثها فكرة «الرد» أو «المقابل». إذ أن هناك دائمًا «تأجيل»، أو «انتظار»، أو «توقع». فإذا قسنا ذلك على «المعايدة»، نجد أنها ليست مجرد تبادل كلمات أو هدايا، بل تبادل مواقع اجتماعيّة، وتذكير ضمني بالمكانة. فهي إعلان عن الحضور المشترك؛ وهي شكل من أشكال السلطة الرمزية – كما يحلل ميشيل فوكو الخطاب – تمارس عبر اللغة، الإيماءة، والانتظار. فهي خطاب خفي، لا يفرض بالقوة، بل يُطلب بالرغبة، ويُمنح تحت غطاء المحبة. فالقول إن «العيدُ فرحتهُ عندي معايدكم» يثير تساؤلات: هل العيد فرحته ذاتية؟ أم أنه رهين لفعل الآخرين؟ إذ أننا في ذلك نُعلن عن انتظار! ف «توقيت المعايدة»، و«صيغتها»، و «من بدأ أولًا»، كلها تُقرأ كرموز لخطاب متشابك. تأخرت! إذًا «لست مهتم»، لم تعايد العام الماضي! «سأردها لك هذا العام»، اكتفيت برسالة جماعية! إذًا «لست ضمن شبكة العلاقات الخاصة». فالمعايدة تفكك ذاتها «كعتاب رقيق» كلما قيلت، و«كصمت يتكلم» كلما غابت. فالصمتُ لم يعد حيادًا، بل بيانًا ضمنيًا. فهي ليست هامشًا. فهي عبارة عن أداة ناعمة لممارسة المكانة والاعتراف أو التهميش والإقصاء. فغياب المعايدة نفيًا للاعتراف. ف «فعايدونا» يكونُ العيدُ «عيدانِ»... «عيدُ اللقاءِ» و «عيدُ الفطرِ» يا «أملي» هي كلمات تطلبُ اعترافًا يكون على أثره فعل. في مقاله، «Speech act» (1970) جون سيلر يجادل بإن القول نفسه فعلًا. أي أن الكلمات لا تصف الواقع فقط، بل تُنتج أثرًا فيه. على سبيل المثال، عندما نقول «أحبك»، فنحن لا نصف شعورًا فقط، بل نمارس اعترافًا، لبناء علاقة تمنح الآخر مكانة. هنا نتساءل: هل المعايدة المطلوبة: كلمة، أم رسالة، أم مكالمة، أم لقاء؟ هل يُقصد بها من نحب فقط، أم كل من حولنا؟ هل نريد رسالة شخصية للمعايدة أم تهنئة جماعية؟ هل نطلبها كواجب اجتماعي أم كعاطفة حقيقية؟ فكلمة «كل عام وأنتم بخير» قد تكون بسيطة. لكن، قد تحمل أثرًا مزدوجًا: إعلان محبة، أو إصلاح علاقة قد انكسرت، أو تذكير بواجب. ففي الفضاء الرقمي، الصمت لم يعد عدم قول، بل قولٌ من نوع آخر. هو إعلان: «أنا لا أعايدك». فالمعايدة هي أثر لحضور سابق، أو عتاب مؤجل. فقولنا «إن التواصل بالجوال مجاني»، تحمل في طياتها دلالة غير مباشرة؛ بمعنى أنه لا توجد تكاليف للتواصل، إذًا لا عذر للغياب. فالجوال على أنه أداة يُفترض أنها تُقرب المسافات، أصبحت أداة تكشف الغياب أكثر مما تخلق الحضور. ففي منظور دريدا في الأثر (Trace) أن هذا الغياب له «أثر» في النفس. فرسالة العيد ليست مجرد تحية؛ بل تحمل في طياتها تاريخ العلاقة: هل كنت تعايدني في السابق؟ هل أعايدك الآن لكي نصلح ما انكسر؟ ففي كتابة «حُمى الأرشيف» «Archive Fever» (1996)، يرى دريدا أن هناك رغبة محمومة في حفظ كل شيء وتسجيل كل شيء. فنجد أن المعايدة تتحول الى أرشيف، لأنها مكتوبة. إنها رغبتنا في تخليد أثرنا، حتى لو كان عابرًا. إنها تؤرشفنا في ذاكرة الآخر بوصفنا حاضرين، محبين، أو على الأقل مهتمين. إنها رغبتنا في علاقة لا تنكسر.