التعصب ظاهرة خطيرة، وتعد أخطر الأمراض الاجتماعية، إلا أنها ظاهرة مسكوت عنها، مما يعمق عدم فهم الظاهرة من حيث الأسباب والآثار المترتبة عليها. ويرتكز التعصب أو العنصرية كسلوك أو نزعة على جوانب معرفية، أو عوامل عقلية، وجوانب انفعالية وجدانية، وهذه الأفكار تتعلق بتمييز الذات وتبخيس الآخرين كأفراد أو جماعات. وهو بهذا يقف على مفهومين رئيسيين، مفهوم «التمييز» ومفهوم «التنميط» بمعنى أننا نميز أنفسنا بصفات تعلي من شأننا، وننمط الآخرين أو نقولبهم في صفات، ونحكم عليهم بأفكار مسبقة وغالباً ما تكون سلبية للتبخيس من شأنهم، وهذا التنميط يستخدم كسلاح لمواجهة من يختلف معنا. وتكمن خطورة التعصب في السلوكيات المترتبة عليه، بمعنى تحوله من مجرد أفكار ومشاعر إلى سلوك ضد الآخرين، وقد وجد علماء النفس خمس درجات من ردة الفعل للإنسان المتعصب: الأسلوب الكلامي المعارض، والتجنب، والتمييز في المعاملة، والهجوم الحسي أو العدوان الفعلي، والقتل أو التصفية. وتأتي هذه السلوكيات كتجسيد للقناعات التي يؤمن بها المتعصب أنه الأفضل والأجدر. وقد خلص عديد من الدراسات إلى أن هناك صفات شخصية ومعرفية تتميز بها الشخصية، تساعد على ظهور التعصب ونموه، ومن أهم تلك الصفات التسلطية: العدوان، والمحافظة، والغلظة. ومن خصائصه المبالغة أو التطرف في المنافسة، والدافع للإنجاز والشعور المبالغ بالمسؤولية، والتيقظ الحاد، والجمود، والقلق وعدم تحمل الغموض، والمجاراة أو القابلية للانصياع، ومن الخصائص المعرفية تعميم الأفكار، والانتقائية بما يناسبه من شواهد، وكذلك التضخيم أو المبالغة في قيمة الأحداث، والتهويل أو المبالغة في المخاوف. وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن التعصب نوع من أنواع العصاب (المرض النفسي)، والمتعصبون يتميزون بعدم الاستقرار الوجداني، والعصابية لعدم الشعور بالأمان فيبحث عن كبش فداء. ويظهر التعصب في أشكال عدة منها التعصب العرقي، والتعصب الطائفي، والتعصب الديني، والتعصب لجنس دون الآخر، والتعصب ضد المعوقين والفئات الخاصة، وقد يظهر صريحا أو خفيا. والقضية الجديرة بالانتباه أن التعصب يقوم على التمييز للذات سواء كفرد أم كجماعة مما يجعل منه داء لا تتوقف أضراره على الآخرين سواء أكانت أضرارا مادية أم لفظية، و لكن قد يكون ضرره على المتعصب نفسه بتمسكه بتفوقه وتميزه المزعوم، واحتمائه بمنجزات وهمية، وقناعته بتفوق آبائه وأجداده، بينما هو لا يمثل أية قيمة مضافة سوى أفكار في مخيلته، مما تعطل منجزاته، وكلما شعر بالهزيمة عاد للاحتماء بتفوق الأسلاف ليسيطر على قلقة وإحساسه بالعجز.