تباينت آراء العديد من أفراد المجتمع حول ماهية السن المناسبة لزواج الفتاة، وذلك في ظل العديد من المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي ألقت بظلالها في الآونة الأخيرة على كثير من جوانب الحياة؛ فهناك من يرى أنها تكون في سن مبكرة قبل بلوغ الفتاة سن ال(20) عاماً طالما أنها هنا قد تلقت تربية جيدة وتأهيلاً أسرياً مناسباً للتعايش مع هذه المرحلة، في حين يرى آخرون أن ذلك يعد تعدياً على حق الفتاة في الاستمتاع بحياتها بعيداً عن صخب الحياة الزوجية ومسؤولياتها الجِسام، إذ أن الزواج في هذه الحالة قد يقضي على أحلامها وطموحاتها في إكمال تعليمها ومن ثم الحصول على الوظيفة المناسبة بعد ذلك التي تكفل لها العيش بكرامة ومواجهة بعض الظروف الصعبة التي قد تطرأ على حياتها في المستقبل. التزامات الزواج وقالت "خلود العشيوي" :"إن أفضل سن للزواج هو ما كان فوق سن ال(23) عاماً، إذ تكون الفتاة حينها أكثر وعياً وفهماً ونضجاً لما هي مقبلة عليه من مسؤوليات والتزامات الزواج التي زاد حجمها، في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة"، مضيفة أن عيش الفتاة في بيت مستقل يجعلها تتحمل مسؤولية أكبر، في الوقت الذي أصبح فيه وجود الخادمات في البيوت الكبيرة نادراً، فما بالك بوجود الخادمة في بيت فتاة متزوجة حديثاً أو ممن لديها طفل أو طفلان، مؤكدة على أن رغبة الفتاة في الزواج لا تعني أبداً نضجها وإحساسها بحجم المسؤولية. وأضافت أن على الأم أن لا تقدم على تزويج ابنتها إلا بعد أن تتأكد أنها أصبحت مهيأة للزواج، وأنها نضجت عقلياً وعاطفياً، موضحة أن ذلك لن يتحقق غالباً إلا بعد أن تتجاوز الفتاة سن ال (19) عاماً، مشيرة إلى أنها وقفت بنفسها على تجارب كثير من الفتيات ممن رغبن في الزواج وهن لا زلن دون ال (19) عاماً؛ وذلك لرغبتهن في السفر والخروج للمطاعم وزيارة صديقاتهن والتباهي بما تقتنيه من كماليات، وعند مواجهة أي مشكلة تعود لأمها شاكية باكية، مستشهدة بعدد من الحالات لفتيات تعرفهن تزوجن في سن مبكرة بحجة أن الزوج الكفء لا يرد، لافتة إلى أنهن أنجبن قبل أن يكملن عاماً من الزواج، مبينة أنهن تركن مسؤولية رعاية وتربية أطفالهن لأمهاتهن وأخواتهن؛ لأنهن غير قادرات على تحمل أعباء هذه المسؤولية. ثقافة «الزوج الكفء لا يُرد» جعلت بعض الفتيات يدفعن ثمن تعجّل أسرهن بتزويجهن قلق مستمر ولفتت "صفية حسن" إلى أن الفتاة تكون مهيأة للزواج منذ سن البلوغ، خاصة عندما تكون الأم قد تولت إعدادها للزواج، مضيفة أنه من المفترض أن تؤدي الأم هذا الدور مع ابنتها، موضحة أن المرأة مهيأة بشكل طبيعي لأداء هذه الرسالة العظيمة، في حين يأتي طلب العلم والحصول على عمل في مرحلة لاحقة من عمر الفتاة، وذلك عندما لا يتقدم للفتاة أي خاطب، وحينما يكون ليس أمامها إلا أن تكمل تعليمها، مشيرة إلى أنها كأم تظل في حالة قلق مستمر حتى يتقدم خاطب لإحدى بناتها ومن ثم تنجب الأطفال، لافتة إلى أنه مهما واجهت الفتاة من مشكلات، فإنها تظل قادرة على مواجهتها في ظل توجيه الأم والأب ووقوف الأسرة إلى جانبها في مختلف الظروف. دورات تدريبية وترى "عزة" أن أفضل سن لزواج الفتاة هو ما بعد الجامعة مباشرة، حيث تكون الفتاة حينها أكثر نضجاً وقدرة على تحمل المسؤوليات، مضيفة أنه على الرغم من الوعي الذي تكتسبه الفتاة في هذه السن إلا أنها تظل بحاجة لإعداد وتهيئة لمواجهة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، مشيرة إلى أن عليها أن تلتحق بدورات تدريبية تكسبها بعض المهارات حول متطلبات الحياة الزوجية والأسرية ومواجهة بعض المشكلات الزوجية في حال وقوعها مستقبلاً، وكذلك الحال بالنسبة للزوج الذي يحتاج مزيداً من الوعي بأهمية تقدير الأدوار المتعددة التي تؤديها الزوجة والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، وبالتالي تفهم ذلك وعدم توجيه اللوم والإهانة في حال تقصيرها في هذا الشأن. وأشارت إلى أن الزواج أحياناً لا يعتمد على العمر بقدر ما يعكسه سلوك الفتاة وتصرفاتها، مبينة أنها قد تكون لا تزال تدرس في المرحلة الثانوية، بيد أنها تتمتع بوعي ونضج يؤهلانها لخوض تجربة الزواج، وبالتالي تكون في هذه الحالة مهيأة له تماماً، مؤكدة على أن وجود وسائل الإعلام المفتوحة التي تعرض برامج توعوية وإرشادية تتيح لكل من يرغب في اكتساب تجارب وخبرات ومعلومات كافية حول كثير من تفاصيل الحياة الزوجية الحصول عليها بكل سهولة. الزوج الكفء وشددت "إيمان محمد" على ضرورة الاقتداء بالهدي النبوي في هذا الشأن، وذلك حسب قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-:"إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، موضحة أن الفتاة تعتبر مكلفة بعد البلوغ، وبالتالي فإنها تكون في هذه الحالة قادرة على الزواج، مشيرة إلى أن على الفتاة أن تبادر إلى قبول الزوج الكفء لتُحصن نفسها، خاصة في هذا الزمن المليء بالفتن والمغريات. وعلى النقيض من ذلك فإن "سارة سعد" ترى أن الزواج يعد مسؤولية كبيرة، وهو ما يتطلب الالتزام وبذل التضحيات، مضيفة أن أفضل سن لزواج الفتاة هو (25) سنة، حيث تكون الفتاة قد أشبعت احتياجاتها ورغباتها في الدراسة والاستمتاع بحياتها والمساهمة في تنمية شخصيتها واكتساب خبرات وتجارب جديدة مع ما يتخلل ذلك من تسلية وترفيه ومتعة. البلوغ الجسدي للفتاة لا يعني تزويجها في سن مبكرة استثناءات خاصة ورأت "عهود العشيوي" أن أنسب سن للزواج هو (23) عاماً فما فوق، بينما قد تكون هناك استثناءات خاصة لمن هن دون سن ال (20) عاماً، وذلك حينما تكون الفتاة قد توفرت لها بيئة مستقرة ومتوازنة تلقت فيها تربية واعية وناضجة تقدر المسؤولية وتعي ما يترتب على الزواج من تبعات تتطلب تقديم بعض التضحيات والعطاء والمشاركة وتقاسم الأدوار، مضيفة أن الأم هي أكثر من يعرف السن المناسبة لزواج ابنتها، مشيرة إلى أنه ينبغي على الأم والأسرة أن لا تتعجل في تزويج ابنتها خوفاً من أن يفوتها قطار الزواج، في حين أنها قد لا تكون مهيأة لأداء هذه المسؤولية. حل المشكلات وتحدثت "عبير العبد العزيز" عن تجربة إحدى قريباتها، مضيفة أنها تسببت بطريقة أو بأخرى في فشل الحياة الزوجية لبناتها وانتهائها بالطلاق؛ وذلك عندما حاولت جاهدة تزويجهن في سن مبكرة، موضحة أنها أقدمت على هذه الخطوة وهي تمني النفس أنهن سيكتسبن مع الوقت الخبرة والقدرة على حل المشكلات الزوجية التي قد تعترض حياتهن، مشيرة إلى أن أمانيها تلك لم تتحقق، وبالتالي تطلقن الواحدة تلو الأخرى، لدرجة أنهن يعشن حالياً ظروفاً مادية واجتماعية صعبة؛ بسبب ضعف الدخل المادي، في ظل عدم إكمالهن تعليمهن. أسرة واعية وأوضحت "فادية العبدالواحد" -كبيرة الأخصائيين بمستشفى الملك خالد الجامعي- أنه من الضروري أن لا يقل سن الزواج للفتاة عن (20) عاماً، إذ تكون الفتاة حينها قد اكتمل نضجها الانفعالي، مضيفة أن ذلك يعد من أهم مقومات شخصية الفتاة المقبلة على الزواج، إذ يصبح حكمها وتقديرها للأمور أكثر تعقلاً في ظل المسؤوليات الجسام التي تنتظرها، مشيرة إلى أن الزواج المبكر في سن ما دون ال (20) قد يعيقها عن إكمال تعليمها، كما أنها تكون عند ذلك أقل وعياً، داعية إلى أن تكون أولى أولويات الفتاة في هذه المرحلة إكمال تعليمها. وأكدت على أن المجتمع بحاجة إلى أن تكون الأم متعلمة، وكلما نما تعلميها كلما كانت أكثر وعياً لما هي مقبلة عليه، مضيفة أن التعليم سلاح في يد الفتاة تستطيع أن تربي به أبناءها بشكل جيد، وبالتالي نضمن وجود أسرة مترابطة وواعية تكون أكثر قدرة على مواجهة عقبات وظروف الحياة الأكثر تعقيداً، مشيرة إلى أنها كثيراً ما وقفت على حالات طلاق كثيرة بسبب الزواج المبكر، إذ تكون الفتاة حينها غير مدركة لمسؤوليات الزواج والأسرة والتربية، أو يكون ذلك نتيجة زواج مبكر غير متكافئ، حيث يكون طرفا العلاقة الزوجية على خلاف دائم ولا يرغب أحدهما بالآخر. وأضافت أن الوضع الأكثر خطورة ينتج عندما يكون الزوج كبيراً في السن بينما تكون الفتاة صغيرة، وهنا قد ينتج عن ذلك بعض الأمور السلبية نتيجة عدم التوافق النفسي والفكري بين الزوجين، مستعرضة في هذا الشأن إحدى الحالات التي باشرت معالجتها مؤخراً نتيجة الزواج المبكر، مشيرة إلى أن إحدى الزوجات كانت منشغلة بدراستها ولا تجد وقتاً كافياً لرعاية الزوج ومباشرة مسؤوليات وواجبات المنزل؛ مما أدى إلى أن يقضي الزوج يومه في منزل والدته يتناول طعامه وشرابه هناك ويتم تلبية جميع احتياجاته الشخصية إلى أن أشارت عليه والدته إنهاء مسيرة حياته الزوجية؛ من أجل أن يرتبط بزوجة أخرى ويعيش معها حياة أكثر استقراراً.