ربما يشير ارتفاع نسبة الطلاق في الآونة الأخيرة إلى انفجار مشكلات كانت متراكمة في السعودية منذ أكثر من ربع قرن، وربما كان المتسبب في انفجار هذه المشكلات التحول الجذري في مفاهيم وعادات وتقاليد وثقافة المجتمع التي تطورت خلال عشر سنوات مضت، وتقول دلال غازي (37 عاماً) وهي متزوجة «إن النساء قديماً كن يتزوجن وهن لم يتجاوزن ال 16 عاماً، وكانت الفتاة في ذلك الوقت، تهيأ منذ ولادتها ولو تهيئة نسبية تتناسب مع الزواج برجل من تلك الفترة، وتقضي الفتاة سابقاً جل وقتها في التعلم من أمها ما يعينها على الاستعداد لدخول بيت بسيط». وتضيف: «ربما لقلة حيلة الفتاة في ذلك الوقت، أمام المجتمع وعاداته وأمام الرجل، كانت تصبر على ما تجده ظلماً وتخضع للأمر الواقع، وإذا كان زوجها رجلاً نبيلاً يستحق أن تكمل حياتها معه، فهي فتاة محظوظة، وإذا لم يكن كذلك ففعل الأمر «اصبري» هو ما تسمعه، خصوصاً إذا وجد الأطفال، فالمرأة وأطفالها لا معيل لهم سوى الزوج، والحياة معه كانت تصبح إجبارية في حال غياب البديل». وتقول منى محمد البالغة من العمر 33 عاماً: «لقد تزوجت وأنا في سن 18 عاماً وتعبت كثيراً في بداية زواجي، إذ كنت فتاة مدللة للغاية في منزل والدي وأجد من يخدمني ومن يساعدني في كل مشكلة تواجهني، ولكن حين تزوجت وجدت أنني المسؤولة عن كل شيء في منزل كبير ورجل وأطفال وهذا أثقل علي كثيراً، ولذلك أجد أنه من الظلم تزويج الفتاة في سن صغيرة وهي غير قادرة على تحمل مسؤولية منزل وأسرة كاملة، فقد كنت أضطر للبقاء وحدي في المنزل بسبب سفر زوجي، وكثيراً ما كنت أشعر بالخوف وأنا وحدي وأواجه مشكلات يجب أن أحلها وحدي، ولم أكن في منزل عائلتي أعلم كيفية حلها، ولهذا السبب أعترض بشدة على تزويج الفتاة في سن مبكرة، إذ يجب أن تنجح في دراستها أولاً ولن تستطيع أن تنجح بسهولة مع مسؤولية المنزل ويجب أن تعي تماماً ما هو مفهوم الزواج». ومن جانبها أضافت ردينة شيحى التي تبلغ 30 عاماً: «تزوجت وأنا عمري 22 عاماً ولكنني لم أكن بالنضج الكافي ولم أعلم ما حقيقة الزواج وهذا ما سبب لي الكثير من المشكلات في البداية مع زوجي، ولهذا أعترض كثيراً على زواج صغيرات السن، إذ إنهن غير مؤهلات للحياة الزوجية وكل الدلال الذي يكون في منزل الأهل يختفي في منزل زوجك، فهناك الكثير من المسؤوليات التي تقع على عاتق الفتاة حين تتزوج، فالزواج ليس بالفستان والطرحة البيضاء فقط». ويقول دكتور علم النفس جمال الطويرقي: «كانت الحياة سابقاً منذ أكثر من 35 عاماً تختلف بشكل كبير عن اليوم، وحتى منذ 15 عاماً أيضاً لم يكن هناك هذا الانفتاح والتقدم، وكانت الفتاة مهيأة للزواج نسبياً، بما يتناسب وذلك الجيل، إذ تتعلم كيف تكون ربة منزل من صغرها وأمامها والدتها ووالدها قدوة لها في الحياة الزوجية، ولا يصل عمرها إلى 13 أو 15 عاماً، إلا وتكون امرأة مستعدة لتحمل مسؤولية ذلك الزمن: التنظيف وتربية الأطفال – على قدر خبرتها - والاهتمام بزوجها، لكن اليوم تجد الفتاة البالغة 22 عاماًَ غير مؤهلة لتكون ربة منزل – بما يتناسب وهذا الزمن - وذلك لانشغالها بدراستها، والفتاة التي في عمر 13 و16 عاماً لا تكون مؤهلة على الإطلاق للزواج، إذ لا تزال هي تتعلم وغير قادرة على تحمل أي مسؤولية، فهي لا تستطيع تحمل مسؤولية نفسها وتحتاج إلى من يرعاها، فمعطيات المجتمع تغيرت، والثقافة التي تحتاج الفتاة إليها اليوم عشرات أضعاف ما كانت تحتاجه من قبل». ويضيف: «إن الانفتاح الذي وصلنا له في عشر سنوات وبشكل مفاجئ سبب الكثير من اختلاط الأمور ببعضها البعض، إذ إننا تقدمنا في سنة ما تقدمته الدول الأخرى في عشر سنوات ولهذا «تلخبطت» الكثير من المفاهيم لدينا ولدى أبنائنا، إذ إن الفتاة اليوم والشاب أيضاً باتا غير مهيئين للحياة الزوجية، فتجد الفتاة تبلغ من العمر 20 عاماً ولا تزال تدرس وتفكر في أمور بعيده تماماً عن الحياة الزوجية، وحين نقوم بتزويجها وهي صغيرة، وقد اعتمدت الأم في تربية ابنتها على الخادمة، فذلك ينتج عنه سلبية الفتاة وعدم نضجها بالنسبة للحياة الزوجية، إذ إن حاجات الشاب والفتاة تختلف اليوم عن أجيال سبقتنا، فقد أصبحنا أكثر تطوراً، الشاب هو أيضاً غير مؤهل لتحمل مسؤولية الزواج، إذ يريد كل شيء جاهزاً ولا يدرك أنه يجب عليه أن يتعب من أجل تكوين أسرة، ونجد أن الأهل لا يزالون يعتقدون أن الزمن كما كان معهم وبالمتطلبات التي كانوا يتطلبونها ذلك الوقت هي نفسها مع الأجيال الحديثة هذه، وهذا ما يسبب الاختلاف إذ اختلف الزمان واختلفت المتطلبات والأفكار وسنجد بعد عشر سنوات أخرى أن الفتاة تتزوج في سن 26 بدلاً من ال20 عاماً». وأشار إلى أن تأخر زواج الفتيات جعل المرأة اليوم، خصوصاً السعودية، امرأة قوية وقادرة على التكفل بنفسها وبأطفالها، بل وقادرة على التكفل بعائلة كاملة، كما أننا نلاحظ ارتفاع نسب الطلاق في ال 15 عاماً الماضية، لأن النساء اللاتي تزوجن صغيرات ولم يستطعن الطلاق، وذلك بسبب عدم قدرتهن على العيش وحدهن ورفض المجتمع لهذا المنطق تماماً، يتطلقن اليوم وقد أصبح لبعضهن أحفاد، إذ تجد بأنه لا مانع من الطلاق في حال كانت الحياة مستحيلة، كما أنها أدت رسالتها على أكمل وجه وكبر أطفالها ولم يعد هناك من يعارض هذا القرار، كما أن الفتيات اللاتي هن لا يزلن صغيرات اليوم يطلبن الطلاق بثقة، إذ إنهن يستطعن الاعتماد على أنفسهن وتحمل مسؤولية أطفالهن أيضاً».