أدرك تماماً صعوبة ان تكتب كلمة في رثاء شخص عزيز أخذته يد المنون من الحياة الزائلة إلى الحياة الباقية في جنة الخلد إن شاء الله حيث وعد الله عباده المتقين. لقد كان الموقف مؤثرا بحق والفاجعة نزلت كالسهام على القلب مكونة سحابة من الحزن والذهول فالفقيد الغالي الدكتور محمد بن أحمد الرشيد صديق العمر ورجل الدولة والمفكر الكبير أفل عن دنيانا فجأة بعد ان كان بيننا يملأ السمع والبصر وينثر البهجة ويشيع المحبة حتى آخر لحظات حياته، لكنها إرادة الله ولا نملك أمامها الا التسليم بالقضاء والإيمان بسنة الحياة التي لن تدوم لأحد ولن يبقى إلاّ وجه الله ذو الجلال والاكرام. لم يكن أبا أحمد رحمه الله أكاديمياً بارزاً ووزيراً ومسؤولاً فحسب بل كان رجلاً استثنائياً في أريحيتيه وعواطفه الجياشة وكرمه وفكره النير وتواضعه الجم وحسن الوصل والتواصل وحرصه على منفعة الناس مما أوجد له مساحة في القلوب التي أحبته وقدرت مواقفه الطيبة وأخلاقه النبيلة التي تجلت في كل المراحل العملية والاجتماعية في حياته. وحين أتحدث عن أبي أحمد كصديق فإنني أتحدث عن وفاء نادر ورجل فريد بحق فهو كأزهار الربيع ما ان تداعبها النسائم العليلة حتى تنثر أريجها في أرجاء المكان وهكذا كان رحمه الله ما ان يطرح أحدهم فكرة أو يثير تساؤلاً أو خاطرة إلاّ وتجده قد اتجه إليه بكل حواسه منغمساً في نقاش عميق مليء بالحكمة والخبرة والنظرة الدقيقة للحياة. لقد كان آخر لقاء جمعنا به رحمه الله قبل أيام قلائل من وفاته في مناسبة مختصرة بديوان منزلي على شرف صديق الجميع صاحب السمو الأمير خالد بن سعود بن خالد مساعد وزير الخارجية حيث كان الفقيد كعادته ممتعاً في حديثه منطلقاً في تفاؤله باذلاً الود للجميع، ولن أنسى له في تلك المناسبة الطيبة ذلك الموقف المؤثر حين أسر على رؤية حفيدتي الجوهرة ابنة الابن خالد التي ساقها الله إلى هذه الدنيا بعد انتظار طويل كما لا أنسى تلك الهمسات التي همسها أحد الأصدقاء في ذات المناسبة أيضاً مبدياً اعجابه بفكر الفقيد وحيويته وحماسه الايجابي وقدرته الفائقة على تصريف الحوار مع الجميع. نعم فمنذ عرفته رحمه الله وهو صاحب أفكار رائدة ومبادرات اجتماعية خلاقة واخلاص صادق وحب كبير للوطن الكبير، فعلى صعيد مسقط رأسه المجمعة كان باراً بها أحسن ما يكون البر يحضر مناسباتها ويقترح الأفكار البناءة لأجلها ويبذل كل جهد لخدمتها ويستضيف المسؤولين والمفكرين لزيارتها والاطلاع على تراثها وحضارتها ولازالت آثار بصماته ماثلة في قلعة المرقب التاريخية وسورها القديم، وعلى صعيد الوطن الكبير بشكل عام كان الفقيد نجماً ساطعاً في سمائه والجميع يعرفون مآثره الجميلة منذ ان كان أستاذاً جامعياً وعميداً لكلية التربية ثم مديراً لمكتب التربية لدول الخليج العربي الذي يقف خلف فكرة تأسيسه ثم عضواً في مجلس الشورى ثم وزيراً للتربية والتعليم ثم بعد ذلك استمرار عطائه وتواصله مع وطنه ومجتمعه ومحبيه عبر مؤلفاته ومحاضراته ومقالاته الرصينة وعضويته الفاعلة في العديد من الهيئات واللجان. وخلاصة القول ان الفقيد الغالي كان جامعاً للخير من كل جوانبه علماً وعملاً وتعاملاً باراً بأهله ومجتمعه ووطنه فاتحاً عقله وقلبه لكل فكرة رائدة وحوار هادف وعمل مفيد. فالله نسأل ان يتغمده في واسع رحمته وان يحسن عزاء أسرته وان يجعلنا جميعاً ممن يلقون ربهم وهو راض عنهم إنه سميع مجيب.