كان سليك من صعاليك العرب المشهورين وفرسانهم المعدودين، وكان ضخم الجثة، وبينما كان نائما في إحدى البراري جثم عليه رجل، وقال له استأسر (سلّم نفسك كأسير) فرفع السليك رأسه وقال: إنّ الليل طويل وإنّك مقمر فذهبت مثلا، ولمّا آذاه الرجل ضمّه السليك ضمّة ضرط منها وهو فوقه، فقال له السليك: أضرطاً وأنت الأعلى، فذهبت مثلا، وكان السليك قد وطأ امراة لرجل اسمه أنس الخثعمي، فقام هذا الرجل بقتل السليك وقال إنّي وقتلي سليكاً ثمّ أعقله كالثور يضرب لمّا عافت البقر أعقله يعني أعطي ديّته، وهذا البيت يستدل به النحاة على نصب الفعل المضارع بأن المضمرة جوازا بعد ثمّ، وهذا الفعل ينصب أيضا بأن المضمرة بعد الواو والفاء، وحين سمعت أمّه بمقتله وكانت شاعرة مفلقة رثته قائلة: طاف يبغي نجوة .. من هلاك فهلك ليت شعري ضلّة .. أيّ شيء قتلك أمريض لم تعد .. أم عدو ختلك والمنايا رصّد .. للفتى حيث سلك والضلة هي المرّة من فعل ضلّ، وهو هنا محذوف يدلّ عليه السياق، وتقديره ضللت ضلّة، ولهذا فهي مفعول مطلق، وللضلّة معان كثيرة وهي هنا تعني الحيرة، فهي في حيرة لأنها تتساءل: أيّ شيء قتلك؟ والشاعرة التزمت بما لا يلزم، ولزوم ما لا يلزم هو أن يكون الحرفان الأخيران متلازمين في كلّ القوافي، وفيما أعرف هي أول من ابتدع هذا الفنّ الصعب المنال، وتبعها شعراء كثيرون منهم كثيّر عزة حيث يقول: خليليّ هذا ربع عزة فاعقلا قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت وتنتهي كل أبيات القصيدة باللام والتاء، ثم توسع المعرّي في هذا الفن، وله ديوان كامل اسمه: اللزوميات، ومثال ذلك: هل صحّ قولٌ من الحاكي فنقبله أم كلّ ذاك أساطير وأسمار أمّا العقول فآلت إنّه كذب والقول غرس له بالصدق إثمار