يستقيم لو جاء هكذا: - "أشرعتِ جديلتَك السمرا" ونقطعه هكذا: وأستمر في قراءة القصيدة، وتحتشد الأبيات التي لحقها الكسر أمام ناظري، ومن هذه الأبيات المسكورة: 1) المزن الواله صبءح مساء يطرق يا أبها بابكء 2) يذرفه دمعاً حرّاً يبكي يبكي في محرابكء ويستقيم هذان البيتان لو كتبناهما هكذا: المزن الواله صبءح مسا يا أبها يطرق أبوابك كم دمعاً يذرفه حرا يبكي يبكي في محرابك ولكن البيت الثاني الذي قمت بتعديله، لم يسلم من الإقواء، والإقواء من عيوب القوافي، التي يلتزم الشعراء وحدتها في أبيات القصيدة، رعاية لوحدة النغم، وقد عاب علماء العروض قصيدة النابغة الذبياني، الدالية ذات القوافي المجرورة، التي ابتدأها بقوله: أمن آل ميةَ رائحٌ او مغتدي عجلانَ ذا زاد وغير مزودِ عابوها اذ جاء فيها بيت واحد مرفوع القافية، وهو: زعم البوارحُ ان رحلتنا غداً وبذاك خبرنا الغراب الأسودُ وجاء في القصيدة بيت آخر، فيه إقواء ظاهر.. فلما عيب على النابغة، لم يفهم هذا العيب، فأُتي بمغنية، فغنته البيت، ومدت الوصل ومطت واوالوصل، فلما أحسه عرفه، واعتذر منه، وقال: "دخلت يثرب، وفي شعري صنعة، ثم خرجت منها وأنا اشعر العرب".. وانظر: (الخصائص) لابن جني، الجزء الأول، صفحة (240) طبعة دار الكتب المصرية.. ويقرر ابن هشام، في كتابه (الإرشاد الشافي): "أن من مواضع تقدير الإعراب، مااشتغل آخره بحركة القافية، فتعرب كلمة الأسود في بيت النابغة، مرفوعة بضمة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بكسر القافية". الا ان أبا العلاء المعري، يقول في مقدمة اللزوميات: "ويقال انهم اجترءوا على ذلك، لأنهم يقفون على الروي".. وقد وقع الإقواء كثيراً في قصائد الشعراء القدامى، يقول حسان بن ثابت (رضي الله عنه): لا بأس بالقوم من طول ومن قصرٍ جسم البغال وأحلام العصافيرِ كأنهم قصب جُوفٌ أسافله مثقّب نفخت فيه الأعاصيرُ ويقول شاعر آخر: لا تنكحنَّ عجوزاً او مطلقة ولا يسوقنها في حبءلك القدر فإن أتوك وقالوا إنها نَصفٌ فإن أطيب نصفيها الذي غبرا ويقول آخر: ألم ترني رددت على ابن ليلى منيحته فعجّلت الأداءا وقلتُ لشاته لما اتتنا رماك الله من شاة بداءِ والشواهد كثيرة، نضرب عنها صفحاً، لئلا يطول بنا الحديث.. والإقواء اختلاف حركة الروي بين الضم والفتح والكسر، وتسمى القافية مقءواة لخلوها من الحركة التي بنيت عليها.. وأستمر في قراءة قصائد الشاعر البواردي، وتتوالى الأخطاء العروضية، فلا استطيع حصرها، يقول الأستاذ البواردي: 1) إن خُطى عشاقك كُثرء. والصواب: - فخطى عشاقك قد كثرت 2) تضجّ بأنفاس الحب. والصواب: - ضجت بالحب وأنفاسه 3) آه كم غنى شاعرء. والصواب: - كم غنى يا أبها شاعرء 4) إن هواك وإن أضنى فالشوق له يا أبها ابعدء والصواب: - فهواك وإن اضنى يوماً فالشوق له (أبها) ابعد وهناك ابيات في القصيدة، ارى ان تراجع، وتصاغ كلها في نسق الشعر العمودي، الذي لا يخرج عن البحر المتدارك، وتتحد في القصيدة قوافيها.. وأستمر في قراءة الديوان بعامة، وفي قراءة ما جاء من البحر المتدارك بخاصة، حتى اصل الى قصيدة (ترنيمة الوداع الأخير) التي تفشت في بعض أبياتها الأخطاء العروضية، وتوقفت عن متابعتها. وقد جاء في هذه القصيدة كلمة (علمتيني) بكسر التاء وإثبات الياء بعد التاء، وتكررت الكلمة (سبع مرات)، يقول الشاعر البواردي: - "علمتيني ان الحب معين لا ينضب" وهو شطر بيت غير مستقيم، والمعروف المتداول ان نقول: - (علمتني) بكسر التاء، وحذف الياء بعد التاء. يقول الإمام سيبويه (رحمه الله): - "وحدثني الخليل بن احمد، ان ناساً يقولون: - (ضربتيه) فيلحقون الياء، وهذه قليلة، وانظر: - (الكتاب)، الجزء الرابع، والصفحة (200) طبعة - عبدالسلام هارون (رحمه الله). ولم يشر (سيبويه) (رحمه الله) الى ما جاء في صحيح الإمام البخاري (رحمه الله)، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، في زوج (بريرة)، حين قال لها الرسول عليه الصلاة والسلام: - (لوراجعتيه)، قالت يا رسول: - أتأمرني، قال: - انما انا شافع، قالت: - لا حاجة لي فيه. ويقول الإمام العيني، في كتابه (عمدة القارئ) في الجزء العشرين، وفي الصفحتين ( 268- 269) من طبعة دار الفكر،: - "قوله لو (راجعتيه) كذا في الأصول، بكسر التاء المثناة من فوق، وبإثبات الياء آخر الحروف، ووقع في رواية ابن ماجة أيضاً، لو راجعتيه، بإثبات الياء آخر الحروف، وهي لغة ضعيفة، قاله بعضهم.. ولكن الإمام العيني (رحمه الله) يقول: - "إن صح هذا في الرواية، فهي لغة فصيحة، لأنها من افصح الخلق". وبريرة: - بفتح الباء الموحدة، وكسر الراء، مولاة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها). وللفائدة، فقد روى التنوخي، في كتابه (القوافي) هذين البيتين: رميتيه فأقصدتِ وما أخطأتيَ الرميه بسهمين مليحينِ أعارتءكيهُما الظبيه وقصيدة الشاعر الأستاذ سعد البواردي، التي وردت في ديوانه، بعنوان: - (ترنيمة الوداع الأخير)، وتكونت من ثلاثين بيتاً، تحتاج الى اعادة النظر عروضياً، من الشاعر الأستاذ سعد البواردي. وقصائد الديوان المذكور، جاءت من: - المديد والكامل والوافر والرمل والخفيف والهزج. وقد قرأت للشاعر الأستاذ سعد البواردي، كثيراً من القصائد التي تشنف الأذن، ويكرر قراءتها القارئ الذي سئم من قراءة شعر تمجه النفس ويعافه الذوق. ولقد كتبت ما كتبته عن ديوان الأستاذ الشاعر سعد البواردي، وفي نفسي شك مما يصيب بعض إنتاج شعرائنا وأدبائنا من تطبيع. وقد قرأتُ لأحد الأدباء الكبار، في جريدة المساء المصرية، الصادرة في يوم 1964/1/20م، يقول (رحمه الله): - "وكنتُ احب ان اقتبس لك أبياتاً عديدة من قصيدة البحتري: - "صنت نفسي عما يدنس نفسي" لأنها قصيدة جميلة، ولا يعسر فهمها، ولكني خشيت اذا هي امتلأت بالغلطات المطبعية، ان يزداد لسانك في قراءة الشعر القديم - بلا تشكيل - تلعثماً على تلعثم". ثم يقول هذا الأديب الكبير (رحمه الله): - إني اتلذذ بقراءة بعض القصائد، وأفهم منها معنى المعاصرة، بين العمل الفني وجيله، ولكن السؤال هو: - هل تظنون بعد عمر طويل، ولا أقول بعد ثلاثة عشر قرناً ان يبقى من الشعر الحديث موديل سنة 1964م، ولو بيتٌ واحدٌ، أو بيتان، يُستشهد بهما رواية عن ذاكرة حافظة، لا قراءة من ورقة، كما حدث الاستشهاد ببيت قيس، وبيت البحتري".. وهذا الكاتب الكبير يشير في قوله الى بيت البحتري: اذا احتربتء يوماً ففاضت دماؤها تذكرتِ القربى ففاضت دموعها ويشير ايضاً الى بيت شعر لقيس العامري: - وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ان لا تلاقيا".. وماذا يقول كاتب هذه المقالة، وهو يعيش في عام 1429للهجرة، 2008للميلاد وطوفان الشعر العامي، والفصيح المقرزم، يحيط بنا من جميع الجهات الأربع، حتى كاد يخنقنا، ويخنق لغتنا الشاعرة. ويخجل محبو الشعر العربي الأصيل، فيخصصون قناة فضائية لاختيار أمير الشعراء من المتسابقين، ويعينون لجنة علمية لاختيار أمير الشعراء، ولكنهم اساءوا الى هذه اللجنة، اذ سمحوا لرعاع المستمعين بأن يشاركوا اللجنة العلمية بمنح الدرجات، فأحجم الشاعر المطبوع عن الاشتراك في هذا البرنامج. وأعود الى شعر الأستاذ سعد البواردي، وأقرأ له قصيدة (أبيات للحب مبتورة) كتبها الشاعر في أوزان مختلفة، من المديد والكامل والوافر. وأقف عند بعض أبياتها، وهي قصيدة (حذاء) بتشديد الذال المعجمة، يقول البواردي: - لقيتك والأصيل له انكسارُ ولم يرضيك ان بزغ النهارُ ستار الليل للعشاق ستر وصمتُ الليل للحاني دثارُ تناغينا الكواكب في سماها ويأخذنا لنجواها المسارُ وحين تغيب يأسرنا اشتياقٌ الى لقيا الكواكب وانتظار عشية عدت عاد لي الربيعُ وذاب بدرب مهجتي الصقيعُ فلاهمّ يؤرقني ودمعٌ تداعى الهمّ وانكفأت دموعُ رأيتك جيئةً عمراً جديداً فعاودني على شوق رجوعُ وهي أبيات، يرددها القارئ، ويستمر في ترديدها، لرقة ألفاظها، ونغمها المرقص، ومعانيها التي يحلق بها الشاعر الموهوب الى اقصى شيء يصل اليه، يعينه على ذلك، البحر الوافر الذي كتب قصيدته على ايقاعه. وقصيدة الشاعر البواردي، من البحر الوافر، عروضه الأولى (فعولن) مقطوفة، وضربها مثلها مقطوف: - رأيتُك جيئة عمراً جديداً فعاودني على شوق رجوع وأقطع البيت هكذا: - وللبحر الوافر، عروض ثانية (مفاعلءتن) بتسكين اللام، مجزوءة صحيحة، ولها ضربان، الضرب الأول: - مجزوء صحيح مثلها (مفاعلءتن) بتسكين اللام والضرب الثاني، مجزوء معصوب بتسكين اللام. وللبحر الوافر شواذ، لاداعي لذكرها، ويأتي نادراً في عروض الضرب الأول، القبض (فعولُ) ومنه قول الحطيئة: - علوت على الرجال بخلّتين ورثتهما كما وُرث الولاءُ فتأتي عروض البيت (لتيءن) (فعولُ) بضم اللام، وهي مقطوفة مقبوضة، ولم أقرأ الا هذا البيت النادر للحطيئة. وأقرأ قصيدة للشاعر المعاصر الأستاذ العميد عبدالله بن يحيى الزهراني، وهو شاعر مقل، يتوارى تحت بزته العسكرية. يقول الشاعر عبدالله بن يحيى الزهراني، من قصيدته، التي بدأها بقوله: - أبيت على الفضيلة ان تعمّا وضيّعت الحديث وجزء عما الى ان يأتي بالبيت الشاهد النادر: - فرد الله كيد الفاتنينَ وألبسهم بها خزياً وهمّا والقصيدة طويلة، قالها في الإرهابيين الذين ينادون بالجهاد، والجهاد بريء منهم. ولكن الصبان (رحمه الله)، يقول في شرح منظومته: - "وزعم ابو الحكم، انه شذ في عروضه (القبض)، واستشهد ببيت الحطيئة الذي ذكرته آنفاً، ويقول الصبان: - "لأنه يمنع إشباع حركة مثل هذه النون، حتى ينتفي القبض، لأن اشباع حركة مثلها مختص بالضرب، ولا يجوز في الأعاريض الا بشرط التصريع". وقد يسأل سائل عن بيت الشاعر سعد البواردي: - لقيتك والأصيل له انكسارُ ولم يرضيك أن بزغَ النهارُ كيف لا يكون الفعل المضارع (يرضيك) مجزوماً بحرف الجزم (لم)، وهو لحن، لا يجوز لك تسويغه. فأقول له: - "قال ابن عصفور الحضرمي (رحمه الله) في كتابه (الضرائر): - ان رفع الفعل المضارع بعد (لم) ضرورة، وأنشد قول الشاعر: - لولا فوارسُ من ذهل وأسرتهم يوم الُصليفاء لم يوفون بالجار برفع (يوفون).. وقال الآخر: - وأمسوا بهاليل لو أقسموا على الشمس حولين لم تطلعُ برفع (تطلع)، فرفع المضارع بعدها، كما يرفع (بما). وقال التبريزي (رحمه الله) في شرح الكافية، تبعاً لابن جني، في (سر الصناعة): - "وقد لا تجزم (لم) حملاً على (ما)". وقال ابن مالك: - "إن رفع المضارع بعد (لم) لغة لا ضرورة". وكذا قال ابن هشام (رحمه الله)، في (مغني اللبيب). ويقول نشوان بن سعيد الحميري (رحمه الله)، المتوفى سنة (573) للهجرة، في كتابه (شمس العلوم)، في الجزء السادس، في الصفحة (3596) من طبعة دار الفكر المعاصر، سنة (1420) للهجرة: "الشيخة: - العجوز، قال عبديغوث بن صلاءة الحارثي: - وتضحكُ مني شيخة عبشمية كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانيا وكان الوجه ان يقول: - كأن لم تر، بحذف الألف للجزم، لكن أثبتها على لغة من يجري المعتل مجرى الصحيح، كقول زهير: - ألم يأتيك والأنباء تُنمى بما لاقت لبونُ بني زيادِ ومن العرب من يقول: - (يأتيك) بضم الياء، فحذف الضمة للجزم.