السائل (عبد الرؤوف عماد): قوله تعالى : «فإن تولوا فإنّ الله لا يحب الكافرين « هل الفعل «تولوا» مضارع أم ماضٍ ؟ أفتوني في ذلك ،جزاكم الله خيرا. الفتوى[104] : غير خاف عليك وعلى الملّمين بقواعد العربية أنّ المضارع لا يكون أوّله إلا أحد حروف (نأتي) وأما الماضي فكل حرف من حروف الهجاء قابل لأن يكون أوّله، فإذا جاء في الكلام ما أوّله ألف أو تاء أو نون أو ياء وقَبِلَ أن يكون معناه ماضيا مع صحة أن يكون مضارعا فلا مانع من حمله على الوجهين، ومن ذلك هذه الآية ، فإنها تحتمل أن يكون الفعل فيها مضارعاً، وحذفت تاؤه للتخفيف، ومعلوم أنَّ الفعل إذا كان مبدوءا بالتاء ودخلت عليه تاء المضارعة صار في اجتماع التاءين ثقل في النطق ، ولما كانت العربية تسارع إلى التخفيف تصرفت العرب في مثل هذا على نوعين من التخفيف ، أحدهما :إدغام التاء في التاء، وبذلك قرأ الإمام ابن كثير المكي من رواية البزّيّ في مواضع في القرآن، ليس هذا الموضع منها، وتعرف عند القراء بتاءات البزي، ومن ذلك «لتعارفوا» و «ولا تنازعوا» و «لا تكلم نفس إلا بإذنه» و»ناراً تلظى»، وأما لفظ «تولوا»، فقد ورد في القرآن في عشرين موضعا، أكثرها من قبيل الماضي، وفيها خمسة مواضع تحتمل أن تكون من قبيله أو من قبيل المضارع، وقرأ البزي في أربعة منها بالإدغام على أنه أفعال مضارعة، منها موضعان في سورة هود، الآية (3و57) وموضع بسورة الأنفال الآية(20) ورابع بسورة النور، الآية (54)والموضع الذي سألت عنه لم يقرأ فيه بالإدغام بل جعله كسائر الأفعال الماضوية، مع احتماله أن يكون مضارعا ،كما جزم بذلك غير واحد من المفسرين والمعربين ، بل إن السياق يرجحه ولكن القراءة مبنيةٌ على التوقيف، وعدم قراءته بالإدغام لا يمنع أن يكون مضارعا. وأما النوع الثاني من أنواع التخفيف في الأفعال التي اجتمع فيها تاءان، فهو الحذف، وهو الذي عناه ابن مالك بقوله في آخر ألفيته المباركة: وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ فِيهِ عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ العِبَرْ ولله درّ الشيخ محمد فؤاد عبدالباقي، ودرُّ صنيعه في «المعجم المفهرس لألفاظ القرآن» إذ جمع المواضع العشرين كلَّها، ثم أعاد ما يحتمل الوجهين، على غير عادته، رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه عن الباحثين خير الجزاء. [email protected]