في النصف الثاني من تسعينيات القرن الهجري الماضي.. وقبل أربعة عقود.. أنهيت بنجاح دراستي الثانوية.. قسم علمي.. من ثانوية اليمامة في الرياض.. من الدور الأول.. وبنسبة معتبرة أيام زمان (75%) وهي نسبة.. تفشل هذه الأيام.. أما قبل أربعة عقود أو تزيد فأبواب جميع الكليات كانت مُشرَعَة للدخول من أيها أشاء أو أُريد.. إلا أنني لم أكن أعرف أي طريق سأسلك بالضبط وأنا مزهو بشهادة الثانوية العامة.. ذلك انه كانت تتجاذبني أراء ومقترحات كل من يعنيه.. وما لا يعنيه أمري آنذاك.. وأنا في سن صغيرة (السابعة أو الثامنة عشرة) فأصغي وأوافق على كل مقترح من الأهل أو المعارف.. لأقوم بتغييره في اليوم التالي.. إن لم يكن في نفس اليوم.. فكان الله في عون حملة الثانوية العامة هذه الأيام.. فلن يلومهم أحد إن عانوا تردداً بين إقدام وإحجام في اللحظة الأخيرة.. بعد أن ظنوا أنهم اتخذوا القرار النهائي.. فيما يتعلق بمستقبلهم ومصير حياتهم الدراسية والعملية.. وفي ليلة كنت مع زميل دراسة وابن عائلة ميسورة الحال.. نتمشى في سيارته الجديدة ذات اللون الأزرق والباب الواحد (وخر عني أبركب) دتسون180ب سبور.. وموديلها 1975.. نتمشى في شارع العصارات القريب من منزلنا في الوشم.. قال زميلي: هل سمعت يا سلمان ان هناك ابتعاث لحملة الثانوية علمي لدراسة الطب في لاهور.. وش رايك تسحب ملفك من الكلية اللي سجلت فيها ونتقدم.. أنا وأنت إلى البعثة إلى لاهور.. وقد سحبت ملفي بالأمس من كلية الصيدلة... فقلت له بلا تردد (وصولها) أي موافق.. وفي صباح اليوم التالي قمت بسحب ملفي من كلية الهندسة بعد شهر من الدراسة المنتظمة.. وبعد الظهر بدأت برفقة صاحبي وزميلي إجراءات البعثة إلى لاهور.. وقد كان الابتعاث للدراسة في الخارج على أشده آنذاك.. بما يشبه الابتعاث هذه الأيام.. وكانت وجهات الابتعاث لدراسة الطب ثلاث دول.. ألمانيا ومصر ولاهور (باكستان) وهنا أتذكر الوالد عندما قال لي رحمه الله: ألمانيا سنوات الدراسة فيها طويلة وباللغة الألمانية.. ومصر ديرة شمة هَوا.. رح وانا ابوك للاهور.. مع انني.. وبصراحة لم أتخيل ولم أُفكر بأنني سوف أكون طبيباَ يوماَ من الأيام.. ولكنه القدر والمكتوب .. ومرت سنون.. تبعتها سنون بعد تخرجي وعودتي من لاهور.. قاربت الثلاثة عقود أو تزيد.. وكأنها البارحة.. ليأتي التقاعد.. بعد ركض وعمل أظنني كنت فيه مقصراً.. تقصيرٌ أجزم به.. في السنوات الأخيرة بسبب إصابتي بالإم إس.. فليدعُ لي الله من كنت سبباً في شفائه أو علاجه يوماً ما.. وأرجو أن يكونوا كُثُرا.. وليسامحني من قَصُرَ علمي واجتهادي في بُرء سقمه أو تخفيف آلامه.. يوما ما.. وأرجو ألا يكونوا كُثرا.. وللحديث صلة.. فإلى سوانح قادمة بإذن الله. *مستشار سابق للطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية.