الملاحظ ان هذه الحملة استكتبت بعض الكتاب الذين لهم مواقف تجاه السعودية لتمكنهم في التحليل والربط، بما يعكس صورة الاعلام الغربي المترع دائماً بالتنوع والديناميكية، وتوظيف كل ذلك في سبيل اقناع المتلقي بتلك الرؤية مهما خالفت الواقع أو لم تطابق حقائق الامور الإجابة قطعا لا. وهو ما يتطلب منا هنا قراءة موضوعية لتعليل هكذا إجابة. طبعا المتابع للإعلام الغربي في الآونة الأخيرة يلحظ ان هذه الهجمة ضد السعودية، قد لا تصل ضراوتها وشراستها لتلك الحملة الاولى التي أعقبت احداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول). ومع ذلك فهذه قد بزت الأولى في تناولها لكافة القضايا بمزيد من المغالطات. طبعا لسنا بحاجة لبلّورة سحرية لمعرفة من يقف وراء تلك الهجمة لا سيما انها تزامنت مع مواقف سياسية للسعودية وصفت بالمفاجأة من قبل كثيرين. الا انه كما يبدو ان الهدف منها في تقديري هو إضعاف الدور السعودي الذي بات مؤثرا ومزعجا للبعض في الساحة الدولية. ولذا تجد مثلا التيار الليكودي في الولاياتالمتحدة موقناً بأن ثمة مصالح مشتركة بين واشنطن والرياض، وبالتالي هو لا يحبذ هذا التقارب ويسعى جاهدا لإعاقته، ولذا وجد في تباين مواقف الدولتين على بعض ملفات المنطقة فرصة سانحة لتأزيم الوضع وتكريسه كون الاوساط الليكودية داخل الولاياتالمتحدة تعلم علم اليقين ان السعودية هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تستطيع ان تؤثر في صاحب القرار في البيت الابيض، وبالتالي يجب تحجيم دورها او تحييده إن أمكن. كما ان هناك بالطبع أطرافا أخرى تستفيد من هذا المناخ ايما استفادة، كالإعلام السوري والإيراني والمحسوبين عليهما من مؤسسات واعلاميين عرب، حيث عرف عنهم مقتهم وحقدهم لوجود هذا الدور السعودي الفاعل بدليل مساهمتهم بصب مزيد من الزيت على النار، كتضخيم الخلافات السعودية - الأميركية والزعم بقرب انهيار العلاقة وبداية القطيعة..الخ. أضف الى ذلك ان الحملة سعت الى إثارة الملف الحقوقي في السعودية والذي تزامن مع تقريرها الدوري الشامل في جنيف وبالتالي ضغطت باتجاه اتهام السعودية بالإرهاب من منطلق كما تزعم دعمها للحركات الجهادية في سورية ولم تترك الدولة ونظام الحكم فيها بل اثارت شكوكها حول مستقبل السعودية والقصص المتخيلة حول الاسرة المالكة، وما لبثت ان استهدفت أسماء بعينها لإعطاء الحبكة القصصية مزيدا من الاثارة. ولعل من المثير للسخرية هو انها ادخلت كل الملفات بطريقة عبثية بدليل نزوع خطابها الى التمسك بخيوط رفيعة من الاحداث والقصص التي يروجها البعض ثم تأتي تلك الوسائل الإعلامية لتتلقف تلك المعلومات المغلوطة وتروجها مرارا وتكرارا، وقد تضيف عليها ما تراه مناسبا لأجل التهويل والترسيخ. ناهيك عن الماكينة للوبي الصهيوني في اميركا بقيادة إيباك التي تلعب دورا أيضا لا يقل أهمية عن الاخرين وهي المهيمنة خاصة على المؤسسات الإعلامية التي تمولها والتي تسعى لتشويه الدور السعودي. والملاحظ ان هذه الحملة استكتبت بعض الكتاب الذين لهم مواقف تجاه السعودية لتمكنهم في التحليل والربط، بما يعكس صورة الاعلام الغربي المترع دائماً بالتنوع والديناميكية، وتوظيف كل ذلك في سبيل اقناع المتلقي بتلك الرؤية مهما خالفت الواقع أو لم تطابق حقائق الامور، لان شغله الشاغل هو ترويج سلعته وليس المصداقية كأولوية، وبالتالي يركز على القضايا التي تدعم هذا التوجه، وان رافقها شيء من الفبركة والاثارة، ما يحقق لهذه الوسيلة الإعلامية او تلك انتشارا واسعا. ولعل من يقرأ الاعلام الغربي في الفترة الراهنة، يشعر بأن المشهد السعودي قاتم، فالصورة تبدو وكأنها تجسد الوضع في السعودية وكأنه يهرول في نفق مظلم، لا أحد يعرف نهايته، ولا التنبؤ بما سيحدث داخله. وهذه هي لعبة الاعلام وما أدراك ما الاعلام..! على أن المحطات التاريخية التي عاشتها السعودية وبالرغم من حجم التحديات ومخاض المتغيرات وتسارعها، برهنت على الترابط واستباق الأحداث ووضع السيناريوهات للقادم من الأيام، ما جعل الأمور تأتي مخالفة لكل التكهنات فلم تحدث أية صراعات أو انشقاقات. على ان هذا لا يعني عدم وجود اختلافات في وجهات النظر داخل البيت الواحد، وهذا أمر طبيعي، لكن ليس بالصورة الدراماتيكية التي يرسمها الاعلام الغربي، ولذا فتوفر مثل هذا المناخ الصحي ان جاز التعبير سواء في محيط صانعي القرار او حتى داخل النسيج المجتمعي، لا شك انه يثري التجربة ويوطد دعائم الدولة. فالسعودية كدولة لم تزل مستهدفة، وهناك من يحاول تقويض هذا الكيان بطرق واساليب مختلفة. ولذلك من يمعن فيما يدور في الفلك السعودي، يلمس تحولا في نمطية التعاطي السياسي وتوجهه نحو تكريس الشفافية، والتعامل مع الاحداث ومعطياتها بطريقة أقرب الى الواقع منه الى الارتجال والانفعال.. ولعل الأمثلة هنا عديدة اهمها توليها قيادة زمام الأمور في رفض المتاجرة بالقضايا العربية وفي الدفاع عن حقوق الشعوب واحترام اختيارات وإرادة الشعوب كما ترجمته بتعاطيها السياسي في سورية ومصر والبحرين وموقفها من مجلس الامن احتجاجا على دوره المتهالك. واللافت أيضا تغييرها لنمط تعاونها مع امريكا بالسرية كما جرت عليه العادة من قبل، وهذه لغة لم نعتدها من السعودية، فتصريحاتها الحازمة وحضورها النشط وأفعالها المعلنة، لا ريب في انها تكسر تقليدية الصورة النمطية الشائعة عن الخطاب السياسي السعودي. لا شك ان الهجمة ضد السعودية مسيّسة من قبل جهات تقاطعت ما بينها المصلحة والقلق إزاء دبلوماسية تقود زمام المبادرة لبلورة مشروع عربي لمواجهة التحديات. واحسب ان السعودية قد بدأت مشوارها في الدخول لتلك الساحة الملتهبة، بهدف إدراك حقائق الاشياء وليس اشكالها، وهنا تكمن الغاية..!