حظيت الأحداث المعتملة على الساحة اليمنية باهتمام عربي ودولي واسع النطاق جعلها في صدارة قضايا المنطقة المتناولة عبر وسائل الإعلام المختلفة والمعاصرة، ومثل هذا الاهتمام بقضايا وطنية داخلية تدور أحداثها في منطقة قصية من اليمن على "قمم جبال صعدة" حتمته الكثير من المبررات الموضوعية النابعة أصلاً من أهمية اليمن ومكانتها ودورها على الخريطة (الجيوبوليتيكية والاقتصادية والعسكرية والأمنية) الإقليمية والدولية، الأمر الذي جعل من أي خطر أو تهديد يتعرض له اليمن يمثل تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار الإقليمي وإخلالاً غير مقبول في توازن المصالح والقوى في هذه المنطقة الحيوية المتحكمة بمصادر وممرات الطاقة التي تعتبر في صلب القضايا والاهتمامات المتعلقة بالأمن القومي لكل دولة ترتبط بمصالح مباشرة وحيوية مع دول المنطقة، ولهذا أصبح اهتمام العالم وبالذات دول الجوار بأمن واستقرار ووحدة اليمن جزءاً محورياً من واجباتها في حماية أمنها واستقرارها الوطني. ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى ما يعتمل اليوم في وسائل الإعلام العربية من صراع فكري بشأن الأحداث اليمنية، بأنه أحد مظاهر الحرب الباردة بين أقطابها الإقليمية والدولية والتي زادت حدتها واتسع نطاقها مع تكشف الكثير من الأجندات والمصالح والأهداف الخارجية في ثنايا الصراع الدائر بين الدولة اليمنية والعناصر الإرهابية المتمردة من جماعة الحوثيين. لقد أكدت الوقائع أن ما يجري على الساحة اليمنية يمثل بكل المعايير في أبعاده وأهدافه أحد أشكال الحرب الشاملة ضد الإرهاب الإقليمي المنظم الذي حتم على الدولة اليمنية تسخير الكثير من الإمكانات والموارد والطاقات للحيلولة دون تمدده وانتشاره وتحول اليمن إلى قاعدة لتصدير الإرهاب في المنطقة. هذا الاهتمام الإعلامي يمثل في جوهره شكلاً من أشكال الصراع والحرب الدائرة، ولكن بوسائلها (السلمية وأشكالها المختلفة الثقافية، والسياسية، والدينية والأيديولوجية) في جبهة مفتوحة فضاءاتها ومتعددة أطرافها وقواها الداخلية والخارجية استقطبت إلى دائرتها طابوراً طويلاً من الصحفيين والكتاب والسياسيين والمثقفين المستأجرين، والبعض الآخر خاض غمارها انطلاقاً من قناعته وحرصه في الدفاع عن الحق وانتصاراً لقضايا الأمة المصيرية والتصدي لمسلسل تفكيك الدول العربية ومنع تكرار استنساخ الصوملة والعرقنة والأفغنة في الواقع اليمني. هذه الحرب السياسية الإعلامية والنفسية مثلت أحد أخطر أشكال المواجهة والصدام الفكري على الساحة العربية بين قوى التخلف والظلام والإرهاب والتمزق من جهة وقوى التوحد القومي والتحديث والتنوير والنهوض الحضاري من جهة أخرى، على الرغم من مساعي البعض محاولة تحجيمها، أو إضفاء البعد المذهبي الطائفي عليها، ومحاولة عزل ما يجري في اليمن عن إطاره الإقليمي والدولي. منذ وقت مبكر وجدنا أنفسنا في اليمن أمام حربٍ سياسية، عقائدية، إعلامية مفتوحة مع هذه الجماعات والتصدي لمحاولاتها تزييف الوعي الديني وتدمير قيم المجتمع ووحدته العقائدية والوطنية ومكافحة الغلو والتطرف والتعصب المذهبي.. لقد اتسمت هذه المواجهة بالصعوبة والتعقيد والخطورة النابعة أولاً: من كونها استهدفت عقول الفتية والشباب، ووظفت الخطاب الديني والمناسبات الدينية، والنزعة المذهبية كوسيلة لتمزيق وحدة المجتمع، وثانياً: من خطورة وفاعلية تأثير الخطاب والعامل الديني على الرأي العام وإمكاناته غير المحدودة في رسم طبيعة الأحداث والتحكم في مسارات تطورها وحشد القناعات حولها. هذه المواجهة الداخلية كانت على الدوام متزامنة مع مواجهات أخرى ذات طابع خارجي، وضد خطاب إعلامي سياسي دعائي يصب في خدمة هذه الجماعات ويروج لنشاطها وادعاءاتها، والتأثير على أكبر قطاع ممكن من الرأي العام بهدف تغيير قناعاتهم واتجاهاتهم الفكرية، وقد ساهمت بعض وسائل الإعلام الناطقة بالعربية وبالذات القنوات التلفزيونية الإخبارية في الترويج للفكر والنشاط الهدام الذي تحمله هذه الجماعات وتبريره أمام الرأي العام، وكان لها دور في إثارة الفوضى والفتن والصراعات العصبوية الداخلية في العديد من الأقطار العربية بهدف تشكيل المزيد من الضغوط على النظام الوطني، استجابة لمصالح بعض القوى والجهات الممولة لهذه المحطات. التطور المتسارع في تقنية المعلومات والبث الإعلامي الفضائي وعبر الشبكة العنكبوتية وسهولة وانخفاض تكاليف استخدامها، ولد حالة غير مسبوقة من التنافس المحموم للاستحواذ على رغبات الجمهور وجذبه والتأثير على قناعاته، وفي إطار هذا الحشد الهائل من الوسائط الإعلامية ظهرت الكثير من القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية، أو القنوات العربية الممولة بشكل غير مباشر من قبل بعض الدول أو الجهات المختصة، والهادفة الى إعادة صياغة الرأي العام على المستوى القطري والدولي، وبما يتفق وأجندة وأهداف هذه الدول.. وما يميز هذه المحطات والوسائط الإعلامية هو إمكاناتها المادية والتقنية وقدراتها الاحترافية، وتبنيها لخطاب سياسي إعلامي دعائي على أساس من الدراسة العلمية والثقافية والاجتماعية والنفسية والسياسية والعقائدية لواقع الرأي العام الذي تستهدفه، إلى جانب معرفة دقيقة لخصوصياته ومكوناته وعلاقاته الاجتماعية واحتياجاته الإعلامية والقضايا التي يمكن تقبلها والتفاعل معها. اليمن في سياق تصديها لنشاطات دعاة التمزق والانفصال، والعناصر الإرهابية المتمردة من جماعة الحوثيين والإرهاب القاعدي وغيرها من الإشكالات والتعقيدات الداخلية وجدت نفسها طرفاً مباشراً في حرب كونية خطيرة لا تعرف الهوادة أو التوقف، ومتصاعدة باستمرار، ومفتوحة على مختلف الاتجاهات داخلياً وخارجياً مسرحها وأدواتها وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية.. بلغت هذه الحرب أوجها من حيث الشمولية والانتشار والأطراف المشاركة فيها مع بداية الجولة السادسة من التصدي للعناصر الإرهابية المتمردة من جماعة الحوثيين وتنامي نشاطات الجماعات الانفصالية وجماعات القاعدة الإرهابية وظهور حالة نوعية جديدة من التحالف غير مسبوقة بين هذه الجماعات وحلفائها تجلت مخاطرها في تكامل وتنسيق مهامها وأعمالها وخططها، وتنامي نشاطها داخلياً وخارجياً. ما من شك أن صراع الوطن والشعب مع هذه الجماعات على الجبهة الإعلامية الدعائية والثقافية السياسية، والفكرية العقائدية، في ظل المشهد الإعلامي الفضائي ووسائله التكنولوجية المتاحة وبالذات القنوات الفضائية للتلفزة وشبكة الانترنت، بات أشد خطراً مما هو عليه على الساحة العملية والجبهة العسكرية، فالتطورات الهائلة والمتسارعة في تقنية الاتصالات والمعلومات جعلها في ظل الحريات الديمقراطية اخطر وسائل الحرب المعاصرة التي تستخدمها هذه الجماعات بفاعلية وبأقل قدر من المخاطر والتكاليف في تحقيق الكثير من أهدافها، وهي أيضاً من أكثر الوسائل فاعلية في تمكين أنصار وحلفاء هذه الجماعات من تقديم مختلف أشكال الدعم والمساندة السياسية والإعلامية والفكرية بشكل مباشر، دون أي اعتبارات سياسية أو دبلوماسية. ولأن الوقت لازال مبكراً جداً لتقديم رؤية تحليلية شاملة لطبيعة المواجهة الإعلامية السياسية مع هذه الجماعات وحلفائها وأنصارها المباشرين وغير المباشرين وأثرها على الرأي العام الوطني والعربي والدولي، لكن هذا لا يمنع من التوقف السريع أمام بعض الملامح والسمات العامة والآليات التنفيذية لمثل هذه المواجهة وبالتحديد ما اعتراها من أوجه القصور التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في توجهاتنا العملية اللاحقة طالما ظلت هذه المواجهة مفتوحة ومتواصلة ومرشحة لمزيد من التطور والحدة والفاعلية.. ويمكن اختزال ابرز سمات هذه المواجهة وسلبياتها في الإعلام العربي الرسمي وشبه الرسمي في التالي: - اتسمت المواجهة المعاصرة مع هذه الجماعات باتساع نطاقها وتعدد وسائلها وأطرافها المشاركين فيها من مختلف دول العالم، وتصاعدها المستمر، كما اتسمت بحدة ووضوح الفرز بين طرفيها وحلفائهما وأنصارهما المتناقضين في مصالحهم وأهدافهم وقناعاتهم ومواقفهم الفكرية، وهذا الفرز عبر بوضوح عن حقيقة التكتلات الإقليمية الراهنة، وصراعها وحروبها الباردة، كما عبر عن حالة التمايز والانتماءات المذهبية الدينية ودرجة التباينات والاختلافات التي تسودهما الآن على أسس من المصالح والاعتبارات والتناقضات السياسية أكثر مما هي دينية. - المشهد الإعلامي العربي الرسمي وشبه الرسمي، الذي تميز بالكثير من التعقيدات رغم العدد الهائل من وسائله الإعلامية بأشكالها المختلفة والتي تعبر في مضمون أدائها ونوعية خطابها ومضامين مواقفها وقناعاتها، بدقة وجلاء عن واقع هذه الأمة ومستوى تطورها، وتناقضاتها وأزماتها وإشكالاتها البينية والداخلية، وغياب رؤية قومية موحدة لطبيعة الرسالة الإعلامية وأهدافها وأبعادها، وهو ما تجلى في طبيعة السياسة الإعلامية للدول العربية في تعاطيها المبكر مع الأحداث التي شهدتها الساحة اليمنية، وبالذات الحرب السادسة في صعدة، فالبعض لم يخفِ انحيازه العام للعناصر الإرهابية المتمردة من جماعة الحوثيين، أو ما يسمى ب"الحراك الجنوبي" والبعض اتسم موقفه بالضبابية وغياب الرؤية والموقف الواضح، والبعض الآخر حاول أن يقدم ذاته بشكل محايد ومستقل كما لو كان يتعامل مع قضايا خارج إطار الأمة العربية ولا تمت إليها بصلة أو تأثير يذكر. - وحده الإعلام السعودي وبالذات الرسمي وشبه الرسمي كان موقفه واضحاً وثابتاً، وعبر بواقعية عن رؤية وقناعة وموقف القيادة السعودية من هذه الأحداث، وهذا الموقف نابع من الوعي والإدراك السليم لطبيعة هذه الأحداث وأسبابها وجذورها وارتباطاتها الخارجية، ولطبيعة مخاطرها الجدية على أمن واستقرار ووحدة اليمن، ومن ثم على الأمن والاستقرار الإقليمي.. فعبر مراحل الصراع المختلفة ظل الإعلام السعودي معبراً عن مصالح المملكة واحتياجاتها الأمنية ومسؤولياتها الأخوية والدينية والقومية إزاء إخوانهم اليمنيين، ويسجل للإعلام السعودي موقفه المبكر في التصدي لوسائل الإعلام المعادية لوطننا، وقد ساهم بكل ثقله وما يمتلكه من إمكانات كبيرة وقدرة على الانتشار والنفوذ في كشف الكثير من الحقائق الدينية والسياسية والإرهابية لهذه الجماعات وأجندتها الخارجية والمذهبية، وهذا الموقف والأداء المتميز ساهم إلى حد كبير في بلورة رأي عام إقليمي وعربي داعم لجهود الدولة اليمنية في إدارة مسؤوليتها لحماية أمنها ووحدتها واستقرارها. - التعاطي الإعلامي العربي الرسمي وشبه الرسمي مع إشكالات الواقع اليمني، لم يخلِ من السلبيات والعيوب التي اعترت الرسالة الإعلامية العربية، التي تجلت فيها أشكال وعيوب الواقع العربي، وفي حالات عديدة كانت هذه الرسالة محكومة بقناعات ومواقف وثارات سياسية مسبقة، مما افقدها إمكانية التفكير الصائب والسليم، وجعلها غير مدركة لحقيقة وأبعاد وآثار الإشكالات والقضايا التي تتعاطى معها، وهو ما افقد هذه الرسالة الإعلامية أهم سماتها المتمثلة في الواقعية والموضوعية والمصداقية وعدم الحيادية، وانسياقها نحو صياغة قناعات ومواقف الرأي العام اعتماداً على التشويش والتزييف المتعمد للحقائق والوعي الشعبي، وبالتالي تحولها إلى جزء من الإشكالية أو طرف مباشر فيها، الأمر الذي يولد المزيد من سوء الفهم وتغييب الوعي وتعميق القطيعة وخلق المزيد من عناصر التباعد والاختلاف بين الشعوب والأنظمة العربية في الوقت الذي تكون فيه في أشد الحاجة إلى التعاون والتكامل لحل أزمات الأمة ومشاكلها الكبرى، وبالذات القضايا المصيرية التي لاتقبل المساومة أو المماطلة والابتزاز المتبادل مثل قضية أمن الأمة واستقرارها ووحدتها العقائدية. - الاهتمام الكبير والمتابعة المتواصلة من قبل الرأي العام العربي، وقلقه وخوفه المتنامي من مخاطر الأحداث على الساحة اليمنية، جعل منها مادة للتنافس الشديد بين مختلف وسائل الإعلام العربية والناطقة باللغة العربية، واعتمادها أساليب الإثارة والتشويق والمبالغة والتكرار، بهدف إثبات الذات في مواكبة الأحداث وتقديم ما تعتقده مادة أفضل وأكثر جاذبية للمتابع، ولكن ذلك غالباً مايكون على حساب مصداقية وواقعية الرسالة الإعلامية، وعلى حساب مشاعر ووعي الجماهير وحاجاتهم إلى الحقائق الموضوعية، والكثير من هذه الوسائل الإعلامية ظلت تفتقر إلى المعلومات الضرورية واللازمة والكافية لأي مادة ناجحة ومفيدة، وبعضها تجاهل - بوعي أو بدونه - الكثير من الحقائق والمعلومات عن طبيعة وجذور الصراع، وعن الجماعات الإرهابية والانفصالية والخارجة عن الشرعية الدستورية، وجرائمها ضد الوطن والشعب، والعديد من الوسائل الإعلامية العربية حاولت أن تقدم هذه الجماعات للرأي العام كطرف ند وموازٍ للدولة ومختلف معها في قضايا وطنية مشروعة، وغالباً ما لجأت بعض هذه الوسائل الإعلامية إلى إبراز ضحايا الصراع من المواطنين في معسكرات نزوحهم باعتبارهم ضحايا الدولة؛ فالإعلام الذي يعاني من غياب الرؤية الواضحة لرسالته وأهدافه ومسؤولياته القومية والدينية يبقى أسير قناعات وتفكير سلبي وعاجزاً عن التعاطي مع الأحداث والوقائع بشكل عقلاني صادق، وفاقداً لأهميته ورسالته في تكوين رأي عام وموقف سليم قادر على التعامل مع المستجدات من منظور مصالح الأمة ومستقبلها. - بعض وسائل الإعلام العربية ركزت جهودها للتعاطي مع الأحداث من منظور مذهبي ديني، وحاولت قلب الحقائق وتقديمها إلى الرأي العام باعتبارها صراعا بين "ما تسميه الأقلية الشيعية التي تعاني من الاضطهاد المذهبي، وبين الأغلبية السنية المدعومة من الدولة والسعودية ودول الخليج للقضاء على أتباع هذا المذهب، ومثل هذه الرسالة الإعلامية تختلف عن سابقتها بأنها تمتلك رؤية وأهدافاً سياسية واضحة موجهة إلى حشد الدعم والتأييد المذهبي للعناصر الإرهابية المتمردة من جماعة الحوثيين مادياً ومعنوياً وسياسياً، ومحاولة احتواء المذهب الزيدي ضمن إطار المذهب الاثني عشري وتوسيع دائرة الصراع المحلي وإضفاء المزيد من الأبعاد الإقليمية عليه، ومحاولة تكوين رأي عام ضاغط باتجاه تدويل الصراع والترويج للتدخلات الخارجية تحت شعار (الإغاثة الإنسانية وحماية الأقليات الدينية). خطورة مثل هذه الرسالة الإعلامية أنها تستخدم الدين الإسلامي كسلاح بيدها في محاربة هذه الأمة وتمزيق وحدتها وفق رؤية سياسية مبنية على أسس عقائدية مذهبية وتتعاطى مع الأحداث باعتبارها احد أشكال الاستقطابات والصراعات الإقليمية والمذهبية بين الشيعة والسنة وبين المحور الإقليمي الإيراني والمحور الإقليمي السعودي- المصري، في حين أن ما يجري في اليمن ليس صراعاً مذهبياً على الإطلاق، وإنما عصيان مسلح وارتكاب جرائم قتل واختطاف وتدمير من قبل جماعة إرهابية متطرفة ليس لها هدف واضح أو مطالب محددة سوى إقلاق الأمن والاستقرار في اليمن، وتنفيذ أجندة خارجية مرسومة لها. الإعلام المضاد للدولة: خلال هذه المرحلة من الصراع وبالاستفادة من فشلها الإعلامي والسياسي في المواجهات السابقة نجحت هذه الجماعات وبإشراف ودعم غير محدود من قبل بعض الدول في صناعة آلة حرب إعلامية جديدة خاصة بها خارج الوطن اليمني، وتم افتتاح العديد من المراكز الإعلامية وفي أكثر من بلد خارج اليمن زودت بأحدث التقنيات والوسائل الإعلامية المعاصرة، وتم رفدها بالعشرات من الكُتّاب والمتخصصين في هذا المجال، مهمتها خوض غمار الحرب الإعلامية والأيديولوجية، بالوكالة عن العناصر الإرهابية المتمردة من جماعة الحوثيين والجماعات الانفصالية، ضد الدولة والنظام ومحاولة محاصرته وتشويه صورته أمام الرأي العام الدولي. من خلال الاستقراء للأداء الإعلامي لهذه الجماعات خلال الفترة المنصرمة حتى الآن يمكننا تصنيفه ضمن مرحلتين مختلفتين في مضامينهما السياسية ووسائلهما وأهدافهما. فخلال المرحلة الأولى كان الخطاب موجهاً لتبرير جرائم وحروب هذه العصابات وأعمالها الخارجة عن النظام والقانون مع بروز واضح لقناعاتها المذهبية وأهدافها السياسية في استعادة ما تعتقده حقها الإلهي في السلطة بوسائل القوة، وقد ركز الخطاب الإعلامي خلال هذه المرحلة على الجوانب العسكرية والقوة التي تمتلكها هذه الجماعة وانتصاراتها العسكرية وتهديداتها بتوسيع نطاق الحرب إلى أكثر من محافظة، وقد استفادت إلى حد كبير من الخدمات الإعلامية التي كانت تقدمها لها بعض وسائل الإعلام العربي التي أظهرتها إلى الواجهة كقوة سياسية وعسكرية لا يمكن هزيمتها، في الوقت الذي كانت فيه هذه الوسائل الإعلامية تجهل حقيقة هذه الجماعة وخطرها وارتباطاتها الخارجية. أما المرحلة الثانية من نشاطها الإعلامي فقد مثلت استجابة للمتغيرات العسكرية الميدانية، وما أصاب بنيتها العسكرية المادية والبشرية من دمار وضعف واستنزاف متواصل، بالتزامن مع افتضاح حقيقتها وتشوه صورتها أمام الرأي العام الدولي، اتسمت هذه المرحلة بخطاب سياسي إعلامي مكرس لحماية هذه الجماعة من الهزيمة والفناء، وفك العزلة السياسية الدولية المحيطة بها، هذه المرحلة شهدت تدخلاً سياسياً رسمياً صارخاً ومفضوحاً من قبل بعض القوى الخارجية للدفاع عنها ومحاولة إنقاذها من الهزيمة العسكرية والنهاية المزرية. وهناك بعد آخر لهذا الخطاب كان مسخراً لاستدرار تعاطف الرأي العام العربي معها، وتقديم مطالب محددة من الدولة خالية من أية اشتراطات وأبعاد سياسية، واستثمار معاناة المواطنين في صعدة للضغط باتجاه وقف العمليات العسكرية والمطالبة بالوساطات والحوارات السياسية مع تهرب واضح من شروط الدولة لذلك، الخطاب الإعلامي سخر في هذه المرحلة أيضاً لإبراز الإمكانات العسكرية والترويج لقدراتها في مواصلة الحرب ضد الدولة لسنوات قادمة، وفي مقابل ذلك السعي إلى التقليل من أهمية انتصارات القوات المسلحة والأمن، ومحاولة احتواء آثارها النفسية والمعنوية والسياسية والإعلامية على عناصر الإرهاب والتخريب الحوثية في أضيق إطار، والقيام بعمليات عسكرية انتحارية ذات طابع نوعي بهدف استثمارها إعلامياً وقد كلفها ذلك الكثير من الخسائر دون جدوى. المحاولات الكبيرة التي بذلتها المراكز الإعلامية الخارجية المسخرة لخدمة هذه الجماعات، بهدف تجميل صورتها والقبض بزمام المبادرة الإعلامية قادها إلى المزيد من الفشل وإلى التورط في سجال سياسي إعلامي مع شريحة واسعة من المثقفين العرب لا يمكنها أن تحسمه لصالحها، فالذي لا يمتلك مشروعية ولا يمتلك قضية وطنية، ولا يمتلك قوة الحجة والمصداقية يجد نفسه أمام معضلة تبرير وجوده واستمراره وتأكيد مصداقيته، وهو مطالب في كل لحظة ليقول شيئاً يدحض من خلاله الحقائق الراسخة على الأرض، وهذا ما عجزت عنه هذه العناصر الإرهابية ووكلاء حربها الإعلامية السياسية الذين فشلوا لأنهم أضحوا لا يمتلكون في هذه المواجهة سوى منطق واحد هو منطق الكذب. * رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر اليمنية