لم يكتسب تحرك رئيس الجمهورية اميل لحود في اتجاه البطريرك الماروني نصرالله صفير الموجود في الديمان في شمال لبنان اي اهمية تذكر على الصعيد اللبناني العام ، ولو انه التحرك السياسي الوحيد امس ، باعتبار ان رئيس الجمهورية سعى منذ ما قبل التمديد له قبل سنة تقريبا إلى توثيق علاقته بالبطريرك سبيلا إلى تأمين تغطية داخلية لهذا التمديد لم يحصل عليها حينئذ ، بل على العكس من ذلك تماما . وزيارته في المرحلة الراهنة وغداة هجوم عنيف متجدد شنه عليه رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط رافضا اي تسوية معه ومنتقدا الاتفاق معه في شأن تأمين حصة له في الحكومة لا تتعدى ، في رأي الكثيرين ، اطار السعي إلى توثيق العلاقات مع البطريرك الماروني درءا للمزيد من الانتقادات والهجمات المتزايدة مع الانتظار المقلق لتقرير المحقق الدولي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ديتليف ميليس والذي كان اشار إلى مسؤولية معنوية لمحيطين بلحود يراهن كثيرون على انها ستنال منه بنتيجة الامر . فضلا عن سعيه إلى تحسين اوراقه الداخلية في الاطار الممكن المتاح امامه تمهيدا للسعي إلى تحسينها على الصعيد الخارجي مع الرغبة في المشاركة في اعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة الشهر المقبل في نيويورك . ذلك علما ان هذه المشاركة لم تتأكد على نحو نهائي وسبق ان استبعدت في الاعوام الماضية على رغم استعداد لحود الدائم لها . لا يفهم تحرك لحود اذا الا في هذا الاطار وحده باعتبار ان رئيس الجمهورية فقد القدرة على المبادرة السياسية من اي نوع كانت ، ولو انه يسعى إلى الحصول على دعم الطائفة المارونية من اجل التمسك بتعيينات تحفظ له بعض موقعه في السلطة على ما حصل ابان تأليف الحكومة اذ ادى التمسك بممثلين حقيقيين للمسيحيين في الحكومة إلى اقتناص لحود الحصة كلها في ضوء تمنع تحالف الاكثرية النيابية المرتكز إلى اتفاق تيار المستقبل مع جنبلاط عن التعاون مع المعارضة التي يمثلها التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون في الحكومة العتيدة . وازاء الاعداد لتعيينات امنية وقضائية جديدة فضلا عن تعيينات في مراكز الفئة الاولى في الدولة ، تبرز زيارة لحود إلى الديمان محاولة استباقية لاقتناص الحصة المسيحية ايضا في هذه التعيينات بالاستناد إلى الايحاء إلى حصوله على دعم البطريرك الماروني في هذا الاطار او على الاقل توافقه معه على ان تعزز مواقع الطائفة على غير ما كانت عليه ابان الوصاية السورية على الوضع اللبناني خلال الاعوام الكثيرة الماضية . ويذكر في هذا الاطار ان لحود حاول قبل حين استعادة موقع المدير العام للامن العام الذي شغلته شخصيات من الطائفة المارونية بعدما كان عهد به في بداية عهده إلى مسؤول امني شيعي هو جميل السيد مما اعتبرته الطائفة الشيعية حقا مكتسبا لها باتت ترفض التخلي عنه . ومع العدائية الكبيرة ازاء لحود من جانب تحالف الاكثرية النيابية والرافض اعطاء مركز امني بأهمية مديرية الامن العام للحود شخصيا ، تبدو محاولات الالتفاف الداخلي كالزيارة إلى الديمان لتشكيل موقف مسيحي داعم للحود ابرز اهداف زيارته. وتجدر الاشارة إلى ان جنبلاط الذي دأب على انتقاد لحود مطالبا باقالته ونقض التمديد له شمل في الفترة الاخيرة من ضمن انتقاداته البطريرك الماروني ايضا فضلا عن انتقاده العماد عون ، مما يدفع عفويا في اتجاه عدم مماشاته من جانب الاخرين داخل هذه الطائفة ما دام يأخذ كل الامور بجريرة بعضها من دون التمييز في ما بينها علما ان كثيرين من الافرقاء يوافقونه الرأي في شأن لحود وعدم التمسك به في موقع الرئاسة الاولى ولو اختلفوا معه على سبل استبداله برئيس آخر . وهذه هي حال فرقاء داخليين وآخرين في الخارج بمن فيهم الاميركيون الذين لا يزالون على تحبيذهم الاستغناء عن لحود على رغم زيارة وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس له في الآونة الاخيرة والذين ادرجوها في اطار مكافأته على تعاونه في تأليف الحكومة وتشجيعه على التعاون معها في المرحلة المقبلة، وبمن فيهم الفرنسيون ايضا الذين يحافظون على علاقات بروتوكولية مع لحود من دون اعطائه براءة ذمة الاعتراف به رئيسا يتمتع بالشرعية اللازمة . ولاحظ المراقبون امس ان رئيس الجمهورية لم يبدل شيئا في محيطه اذ رافقه إلى الديمان رئيس الحرس الجمهوري مصطفى حمدان على رغم اصابع الاتهام الموجهة اليه بمسؤولية ما في اغتيال الحريري اقله وفق ما قال ميليس تغيير معالم الساحة التي ارتكبت فيها الجريمة قرب فندق السان جورج في قلب العاصمة . وهذا الامر وحده يشكل دليلا على تجاذب سياسي يستمر قويا من دون مهادنة ولو اتيح المجال لقيام حكومة ائتلافية بين لحود والغالبية النيابية الجديدة ، علما ان هناك مؤشرات اخرى متعددة تندرج في هذا الاطار، فلحود يبدو في موقع المتفرج لعلاقة متوترة مع سورية تترجم يوميا في اقفال متعمد للحدود بين البلدين من جانب دمشق، علما انه كان حتى التمديد له المستأثر الأساسي بكل ايجابيات هذه العلاقة ورافضا لاي تقرب لشخصية لبنانية من النظام السوري أكثر من تقربه منه اليها. وهو برر اقفال دمشق للحدود امام وزيرة الخارجية الاميركية بأنها لأسباب امنية على رغم اقرار الجميع بمن فيهم قريبون من سورية بأن الاقفال هو لأسباب سياسية .