خابت كل التوقعات التي تحدثت عن عودة قريبة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى الجزائر بعد مرور أكثر من شهر على تواجده بفرنسا منذ نقله إلى مستشفى فال دوغراس الفرنسي العسكري في 27 أبريل الماضي بعد وعكة صحية على مستوى الدماغ وصفت ب "الخفيفة والعابرة". وقادت حالة الضبابية التي يسيّر بها ملف مرض الرئيس الجزائري وعجز أقرب رجالاته على رأسهم الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال في طمأنة الشارع الجزائري حول صحة رئيسه وارتماء الشارع نفسه في أحضان وسائل الإعلام الأجنبية في مقدمتها الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية الفرنسية التي صارت هي من تتحدث عن مرض الرئيس وعن آخر تطورات ملفه الصحي مصطدمة في غالب الأحيان مع ما تتناقله وسائل الإعلام المحلية عن مسؤولين جزائريين، قاد إلى انتقال النقاش من المطالبة بكشف الحقيقة حول وضع الرئيس إن كان قادرا بالفعل على العودة إلى مهامه أعلى هرم السلطة أم لا من خلال الدعوة إلى تفعيل المادة 88 من الدستور التي تلزم المجلس الدستوري على إعلان حالة الشغور بسبب "العجز أو مرض مزمن" مثلما يدعو إليه مناوئون للرئيس ومترشحون سابقون للرئاسات.. إلى الحديث عن مرحلة انتقالية وانتخابات مسبقة وتأسيس جمهورية ثانية صارت تشكل في الوقت الراهن أهم مطالب الطبقة السياسية على رأسها ما بات يعرف ب "مجموعة 14" التي تضم غالبية أحزاب المعارضة على رأسها الأحزاب الإسلامية المحسوبة على التيار الإخواني أساسا. ويبدو أن تزامن مرض الرئيس مع أوضاع اجتماعية وسياسية صعبة تميزها سلسلة الاحتجاجات وفضائح الفساد حوّل ملف مرض بوتفليقة إلى ملف تلغّمه الحساسيات والحسابات والمزايدات السياسية، ووصل النقاش إلى حد اعتبار وجود الرئيس في مستشفى عسكري بفرنسا وانتقاله فيما بعد إلى مركز للنقاهة تابع لوزارة الدفاع الفرنسية ووجوده تحت حراسة أمنية فرنسية، مساسا خطيرا بالسيادة الوطنية. ولم تهضم أحزاب جزائرية استحواذ مصالح طبية فرنسية على معلومات تخص صحة بوتفليقة في حين أن الذين صوّتوا عليه وانتخبوه رئيسا، أي الشعب الجزائري، لا يملكون الخبر اليقين حول صحته وظلوا إلى اليوم رهينة للإشاعات والأخبار المتناقضة الصادرة عن وزراء بوتفليقة ومسؤولين في الدولة. ورفض مترشحون سابقون للرئاسة مثل فوزي رباعين رئيس " حزب عهد 54 " توقيع الرئيس بوتفليقة من فرنسا على قرارات ومراسيم تتصل بسير مؤسسات الدولة وهذا على خلفية نشر إحدى الصحف الخاصة قبل ايام فقط وثائق رسمية موقعة من طرف الرئيس بوتفليقة بفرنسا في وقت تتحدث المعلومات الرسمية عن وجوده في فترة نقاهة تحول دون عودته إلى البلد لاستئناف مهامه على أعلى هرم السلطة. ويحذّر المناوئون لبوتفليقة من مترشحين سابقين للانتخابات الرئاسية وشخصيات حزبية معارضة ومراقبين، من مخاطر استمرار غياب الرئيس بوتفليقة عن البلاد في ظل التحديات التي تعيشها الجزائر داخليا وإقليميا. فإلى جانب المطالب التي التقت حولها مجموعة " الدفاع عن الذاكرة والسيادة " أو ما يعرف ب "مجموعة 14" ذات الصلة بمرحلة ما بعد بوتفليقة بما فيها احتمال تقديم مرشح واحد للرئاسيات المقبلة، ظهرت أصوات تتحدث عن إعادة تأسيس الجمهورية الثانية واقتراح مرحلة انتقالية تمتد إلى ثلاث سنوات تقود إلى انتخابات شفافة، وهذا في إطار مبادرة وطنية كشف عنها قيادي في حزب "جبهة القوى الاشتراكية" عبدالسلام علي راشدي حيث قال الأخير في ندوة صحفية إن المبادرة شعبية وثم الإلقاء بها إلى الشارع بعيدا عن أي تأثير سياسي أو وعاء حزبي. ويقترح التكنوقراطي الوحيد الذي أعلن ترشحه للرئاسيات المقبلة أحمد بن بيتور تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة في نوفمبر المقبل، واعتبر رئيس الحكومة الأسبق ان السلطة "في حالة شغور منذ شهر ولم يعد ممكناً أن يستمر هذا الوضع" ويفهم من كلام أحمد بن بيتور أن الوضع كما هو عليه الآن في الجزائر لا يحتمل مرحلة انتقالية وإنما العاجل هو تنظيم رئاسيات مسبقة تجنب البلاد الانزلاق نحو العنف مجددا.