يمثل الشعر الشعبي أو بالأصح شعر العامة بمختلف فنونه وأغراضه وخصائصه التاريخية والثقافية والاجتماعية الرئة التي يتنفس منها وجدان غالبية الناس من سكان الجزيرة العربية منذ القدم، وهذا الشعر الأصيل في غزله ومديحه ورثائه وفخره وحماسته يختلف في صوره الإبداعية تبعا لقوة الشاعر، والمواقف التي تمر عليه، ومدى تأثيرها في وجدانه، لذا شكل الشاعر لسان وجدان العامة، وكأنه يتحدث ويصور معاناتهم في لحظات العشق، ويرسم ملامح جروح الفراق، ويتحدث عن حماسهم في ساحات الوغى، وهو لسان مدحهم وفخرهم. ومازال الشعر ينتشر بهذا المد حتى وقتنا الحاضر وهذا ليس بغريب لكون الشعر ثقافة تراثية متوارثة بين الأجيال. ومع هذا التوارث ومرور الزمن تغيرت بعض ملامح هذا الجميل وكأنه بلسان الشاعر يساير العصر ويتماشى مع فكر وثقافة الأجيال لكونهم المخاطبين والمتلقين له، وعليه فقد أصبح الرعيل الأول من الشعراء مدارس في الشعر، وقصائدهم كنوزا موثقة يحتفظ بها في ذاكرة الزمن، ولكن هناك العديد من المفارقات التي حدثت مع تغير أنماط الحياة منها: اندثار عدد كبير من المفردات الشعبية الدارجة في تلك الحقبة، وغياب بعض المفاهيم والثقافات الاجتماعية عن مضامين القصائد، ما جعل الساحة تزخر بقصائد سطحية ليس لها عمق أو جذور خصوصا في المعنى والسبك وديباجة الأبيات الشعرية. وقد تكون هذه الظاهرة أفادت الشعراء المتمكنين بأصالة شعرهم، ومنحهم ذلك فرصة الظهور عنوة وبقوة شعرهم، وينطبق على ذلك المثل (الذهب ذهب ولو غطاه الغبار) وهذا تأكيد أن الشعر الأصيل هو صاحب الريادة لكونه يعزف على موسيقى الوجدان الصادق والاحساس المرهف لذا سطر الشعراء المتميزون ملاحم شعرية فرضت على ذاكرة المتلقي الحفظ والإعجاب، وجعلت من تلك السطحيات قشورا وأوراقا مصفرة تذهب مع أول هبوب رياح الى ذاكرة النسيان.