في شهر شعبان من العام الماضي، وقبل رمضان بأيام معدودة، وفي الفترة ما بين العصر والمغرب كنت في متجر شهير بجدة، للأثاث ومستلزمات المنزل، وبينما كنت أمام الكافيهات انتظر من معي، حيث ذهبن إلى قسم إعادة بعض الأشياء واستبدالها، كان يقف أمام هذا القسم، رجل أمن شاب بين العشرين والخامسة والعشرين، يتميز بسمنته الواضحة، وملامحه البريئة، والطفولية، فجأة، والمكان هادئ، مر من جانبه عامل من جنسية آسيوية، فأمسك بقميصه وسحبه نحوه بقوة، وطبعاً سُحب معه، مع فارق الجسم وخاطبه بقوة واستهتار (....) كلمة يعف القارئ عن سماعها.. التفت من بالمكان، وتحولت المشاهدة للمتسوقين وعمال المحل، ومن هم على إستاند الاستبدال نحوه، خاطبه شخص قائلاً له: اتركه فُكنا من المشاكل.. لم يستمع، ولم يجب، بل على العكس كلما زاد عدد المتفرجين ازداد ليس هياجاً فقد كان بارداً، ولكن تهوراً لفظياً، وجسدياً على العامل الضعيف. اقترب منه احدهم منادياً له باسمه (اتركه.. ونتفاهم في الداخل) قال لن اتركه: لازم امسح به البلاط، كل ذلك والعامل كالمرجيحة في يده لصغر حجمه وكلما حاول الإفلات منه، سحبه عليه ناعتاً اياه بألفاظ حيوانية.. تقدمت منه امرأة كبيرة في السن.. قائلة له بحنان: ياولدي اتركه ولو لك حق عنده خذه من مديركم الكبير.. هل تعرفون بماذا رد؟ كانت إجابته مفاجأة.. مالي عنده ولا حق.. ولا عند أحد في المحل.. طيب لماذا تمسك به وتشتمه با ابن.. و.. قال أبداً مزاجي.. وبعدين هذا آخر واحد ممكن يدوس لي على طرف (مزاجي امرمطه.. أنا طفشان، وخليني اتسلى به).. اجابته الصاعقة دفعت المسؤول بأن يقول له بحزم، ويحاول سحبه منه اتركه.. واذهب إلى عملك وبعدين نتحاسب.. وهو يحاول شده منه.. أمسك بالعامل بقوة وحاول أن يصفعه على وجهه ببرود.. وهو يتجول بعينيه بين المشاهدين.. تجمع الناس وهم يشدون العامل.. فما كان منه إلا أن بدأ بضربه بقوة وبشتمه عندها قال له الرجل المسؤول: (انا أعرف ظروفك ستفصل من العمل لتشويه صورة المحل)، نظر إليه: وقال: عادي أنا أبغى انفصل.. يلا افصلوني.. أنا جاي اليوم حتى تفصلوني.. غادرت مع من معي وأنا أحاول تفنيد عناد ذلك الشاب غير المبرر.. وإصراره على فعل شيء لا معنى له، أحاول تفنيد ذلك التحدي القوي والذي كان الظاهر منه لعامل ضعيف، ولكن في داخل ذلك الشاب تحدٍ لأنظمة وقوانين وظيفية هو بحاجتها لكنه يرفضها.. تحدٍ يكرسه الجهل والتمرد والاعتقاد أنه انجز شيئا مهما وله قيمة ونفذ ما فكر فيه.. شكله الغلبان وبساطته وبراءة ملامحه ومفرداته المحدودة التي ظل يرددها ابغى انفصل.. أنا جاي من اجل أن انفصل.. تكرس انعدام الوعي لديه وثقافته المحدودة وعدم إلمامه بقوانين الحياة.. هو يريد الفصل وكان يستطيع الحصول عليه بهدوء إن تغيّب، لكنه أراد أن يأخذه بزفّة ولفت لانتباه الآخرين.. قلة الوعي، والاستبداد على من هو أضعف منه دفعه لأن يفعل ما فعله، وأنا اتذكر تلك الحادثة قرأت منذ أيام وكحادثة تتكرر.. عن راكب على طائرة دبي رقم 466 أخر اقلاعها لأكثر من ساعة لأنه رفض إغلاق جواله، وربط الحزام. بعد أن طُلب منه من قبل المضيفة ذلك قبل الإقلاع إلا أن الراكب أصر على موقفه. ولم ينصع لتدخلات مسؤولي طاقم الرحلة، فتم طلب الأمن الذي تدخل بالقوة الجبرية لإنزاله من الطائرة، والتحقيق معه وتحرير ذلك في سجلات أمن المطار.. القضية هنا وبالذات للجوال والحزام تتكرر دون مبرر، أو مسببات هل هي مرتبطة بالوعي، أم بالعناد.. أم الإيمان بفكرة فعل معاكس لا يستطيع أحد القيام به ويتنافى مع السائد، او ما ينبغي أن يكون. أم أن هذا الشخص يريد أن يسجل تحدياً خاصاً به للرمق الأخير حتى وإن دفع ثمنه غالياً.. طالما هو مؤمن بما يقوم به حتى وإن كان مرتبطاً بانعدام الوعي والعناد الذي يصل به إلى طريق مسدود.