يمثل مهرجان الخليج السينمائي الرئة التي يتنفس بها السينمائيون السعوديون مرة في كل عام، إذ يأتون من زوايا العالم ليلتقوا في المهرجان خلال أيام قليلة يستمدون منها العزم والقوة لمواصلة العمل في هذا المجال الناشئ في بلادهم. وبخلاف ال17 مخرجاً سعودياً المشاركين بأفلامهم، سجّلت الدورة الحالية من المهرجان تواجد عدد كبير من السعودين ما بين نقاد وفنانين ومهتمين وجمهور ومسؤولين رسميين في جمعية الثقافة والفنون جاؤوا من أجل الإطلاع على التجربة السينمائية السعودية المشاركة في المحفل الخليجي الكبير. وقد بدأت أولى عروض الأفلام السعودية يوم أول أمس الجمعة، بفيلم طويل ضمن المسابقة الرسمية هو فيلم "الزواج الكبير" للمخرج فيصل شديد العتيبي، وفيلمين ضمن مسابقة الأفلام القصيرة هما "نص دجاجة" للمخرج عبدالله أحمد وفيلم "مصنع الكذب" للمخرج حمزة جمجوم، إلى جانب ثلاثة أفلام ضمن مسابقة الطلبة هي "العهد" للمخرج عبدالرحمن جراش، و"مقعد خلفي" للمخرجة هند الفهاد، و"مجرد صورة" للمخرج نواف الحوشان. في فيلم "الزواج الكبير" يقدم المخرج فيصل العتيبي كشفاً وثائقياً جميلاً لمنطقة مجهولة في "جزر القمر"، حاملاً كاميرته ليرصد من هناك عادة اجتماعية تبدو غريبة وتدعى ب"الزواج الكبير" حيث لابد لكل رجل ينتمي لهذه الجزر أن يقيم حفل زواج ضخم يستمر لمدة أسبوعين حتى ينال الاعتراف من المجتمع ويصبح -من ثم- مؤهلاً لتولي مناصب رسمية عالية. وهذا الزواج يختلف عن الزواج الصغير العادي الذي يمكن أن يقوم به الجميع، فللرجل في جزر القمر أن يتزوج في أي وقت لكنه لن ينال اعتراف المجتمع بذلك إلا بعد أن يقيم احتفال "الزواج الكبير" حتى لو بعد عشرين عاما من زواجه الحقيقي كما في حالة بطل الفيلم. يتابع الفيلم مراسم زواج الشخصية الرئيسية منذ لحظاتها الأولى وحتى نهايتها، مقدماً إضاءة جميلة لتفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية في جزر القمر، دون أن يقحم المخرج حكمه أو تعليقه على ما تلتقطه كاميرته، تاركاً الحديث لأهل الجزر ليشرحوا فكرة الزواج الكبير وقيمتها بالنسبة لهم. وعن اختياره لهذا الموضوع تحديداً، قال العتيبي في اللقاء الذي أعقب عرض فيلمه، إنه كمخرج وثائقي يشعر بالفضول تجاه المناطق الجديدة المجهولة "لذلك توقفت كثيراً عند كلام أحد الأصدقاء عن جزر القمر بعد أن زارها في وفد رسمي قبل نحو عامين، شعرت بالرغبة في ولوج هذه المنطقة المجهولة، ووجدت في فكرة الزواج الكبير مدخلاً مناسباً لذلك". ويضيف العتيبي بأنه بمجرد تحديد فكرته بدأ بالتنسيق والبحث عن شخص ينتمي لهذه الجزر يريد الزواج بهذه الطريقة "وذلك من أجل تصوير الزواج الحقيقي كاملاً وعلى طبيعته"، كاشفاً أنه أراد تصوير الفيلم بكاميرتين بحثاً عن نتيجة أفضل "لكن إحدى الكاميرات تعطلت في أول يوم بسبب الرطوبة العالية" ليضطر لإكمال التصوير بكاميرا واحدة. رغم ذلك فقد احتوى الفيلم صوراً جميلة، وروحاً سينمائية حقيقية يندر وجوها في الأفلام الوثائقية السعودية، إلى جانب زخم المعلومات عن الجانب الاجتماعي في جزر القمر، لذلك نال الفيلم تقدير جمهور المهرجان وثنائهم. على الجانب الآخر قدم المخرج حمزة جمجوم حبكة بوليسية متقنة في فيلمه "مصنع الكذب" الذي تجري أحداثه في ولاية شيكاغو الأمريكية، في متجر للمجوهرات يمتلكه رجل عربي مسلم، ويتعرض لعملية سطو من عصابة محترفة. ما يلفت في الفيلم هو الإتقان المدهش الذي نفذ به جمجوم فيلمه، من حيث المونتاج والقطع وزوايا التصوير والصوت والألوان وأداء الممثلين، مستوى احترافي حقيقي يؤهله لصنع فيلم طويل ينافس حتى في داخل أمريكا. أما فيلم "نص دجاجة" للمخرج عبدالله أحمد فيقدم تلويحة حب سعودية للراحل الأسطوري شارلي شابلن، عبر حكاية سعودية خالصة بطلها سعودي بمواصفات "شابلن" يعيش مشرداً في الشارع ويخطط لسرقة "نصف دجاجة" من مطعم بخاري. فيلم كوميدي لطيف ومنعش، أمسك من خلاله المخرج بملامح شابلن وقام بسعودتها بشكل مقبول ومقنع، معتمداً على ذات الموسيقى التي ألفها شابلن لأفلامه الكلاسيكية الخالدة. فيصل شديد العتيبي حمزة جمجوم من فيلم «نص دجاجة»