ذكرت لي يوماً بأنها لم تدرك يوماً ولم تتوقع ان تصبح يوماً على يوم مختلف، فبالنسبة لها كانت صباحاتها متشابهة مثل باقي يومها وهو إحساس ألفته وتعايشت معه، حتى جاء ذلك اليوم باحساسه الجديد الذي كان ينعش قلبها بمشاعره المختلطة اللذيذة التي يمتزج فيها الحماس بالخوف والسعادة بالرضا عن ما اتخذته من قرار! حملت جسمها بقلبه المضطرب ولأول مرة فتحت نافذتها لتشم رائحة نسيم الصباح في بكرته وبركته وبحبور كبير ملأت رئتيها بهذا الهواء النقي الذي يشبه حلمها وتوقعاتها في جدته. وحاولت الرجوع بذاكرتها للوراء ثلاث عشرة سنة مضت، وهي تنتظر مثل هذا الصباح في امل لم يشوهه اليأس يوماً بالرغم مما اعتراه من خوف وألم. كم مضى من عمرها وهي تنتظر؟ لا يهم فما مضى قد مضى. وأخذ معه كل أسألته الغاضبة ومشاعره المحتقنة والمربوطة بقدوم شيئين انتظرتهما طويلا وهاهو احدهما يقترب. هل انتهت ساعات الملل ام انها مع صباح هذا اليوم ستتحول الى ملل من نوع اخر؟ هل سيستمر هذا الحبور اللذيذ ام انه سينطفىء؟ لا يهم فبعد ان اقتربت من نصف عامها الثلاثين لم يعد هناك ما تخشى ان تخسرة. لكنها بالرغم من إصرارها على ألا تزعج نفسها بما يمكن ان تتذكره استرجعت كلاماً كانت ذاكرتها تحب ان تكرره وتذكرت كلمات زميلة لها وهي تحدثها مهنئة ومتهكمة! أخيراً حصلت عليها يالك من صابرة، أنا اقترب كثيراً من التقاعد وانت مشوارك لم يبدأ بعد! أغمضت عينيها وتنهدت فصباحها اليوم لا يشبه أي صباح مضى، ولن يشبه الصباحات الاخرى القادمة. لأنه أنهى مرحلة من حياتها كانت مليئة بالأسئلة متى، لماذا وكيف؟ اليوم فقط انتهت كلمات من قاموس حياتها كانت عناوين رئيسة فيه التقديم والملف العلاقي والبطالة والمؤهلات. لانها وبعد انتظار طويل اصبحت مؤهلة مثل أخريات لم يفرقن عنها بشيء الا واحد لم تستطع هي ان توفره. لكنها في هذا الصباح لم تعد محتاجة له وما كان صعب المنال قد تحقق الآن فقط آن لوالديها ان يستريحا ويهدأ قلقهما المستمر فهي الآن موظفه. وكل الاحتمالات الاخرى ممكنة. وفي ذلك الصباح دعت ربها كثيرا بأن يجزي خيراً كل من ساهم في تحقق الحلم المؤجل وتوفره اما المقصر فهي لن تسامحه لأن ما انقضى من عمرها لا يمكن لأحد أن يعوضه..