يصف الشاعر الأردني أمجد ناصر مشهد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982 بأنه كان أشبه بنهاية مصغرة للعالم إذ كانت نيران القصف كثيفة "تتجاوز الانتقام" وتهدف إلى ما يصفه بالإفناء والتركيع. ويقول إن أحدا لا يدرك معنى أن "تصبح الحياة مجرد مصادفة سعيدة إلا الذين كانوا هناك" وشهدوا تجربة الحصار أو الحياة تحت القصف. وهنا يبدو كأن الشاعر ابن السابعة والعشرين آنذاك أدرك أن "بيروت صغيرة بحجم راحة اليد". ويسجل في كتابه "بيروت صغيرة بحجم راحة اليد.. يوميات من حصار عام 1982" كيف جلس رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ارييل شارون الذي كان قائدا لتلك العملية في قصر بعبدا "ببزته الخضراء وجزمته المغبرة وراء مكتب الرئيس اللبناني والتقط صورة لتاريخ عربي مهان" وهنا أدرك المؤلف أن حقيقة جديدة أضيفت إلى سلسلة المهانات.. إنه "الحصار الإسرائيلي لعاصمة عربية" قائلا إنها لحظة فريدة تصلح لإنتاج الكوابيس وانضاجها. ويقول ناصر إن بيروت في ذلك الوقت "لم تكن كل بيروت. كانت في الواقع مدينة منقسمة إلى شطرين يتبادلان الريبة والشكوك العميقة.. والرصاص أيضا" في إشارة إلى الحرب الأهلية التي بدأت في السبعينات. ويبدأ الكتاب بكلمة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يقول فيها: "حين ألقيت النظرة الأخيرة على المدينة قبل أن أغادرها بكيت. كانت تلك من اللحظات النادرة في حياتي التي جرت فيها دموعي بهذه الغزارة.. إن حصار بيروت ومغادرتي لها قد فتحا جرحا عميقا في قلبي.. نظرت إلى المدينة وأنا على ظهر السفينة وشعرت كأنني طائر مذبوح يتخبط في دمه." والكتاب الذي يقع في 224 صفحة متوسطة القطع أصدرته (الأهلية للنشر والتوزيع) في عمان. وسجل الغلاف الأخير للكتاب كلمة للكاتب الفلسطيني رشاد أبو شاور وصف فيها اليوميات بأنها "كتاب الوفاء للمدينة التي احتضنت الثورة (الفلسطينية) ويضع (المؤلف) نيابة عنا جميعا وردة على صدرها" وهو يرسم جدارية لبيروت وناسها المحاصرين. أما الشاعر الفلسطيني غسان زقطان فقال إن "قيمة هذه اليوميات تكمن في عدم ادعائها وفي احتفاظها بطاقة الوهلة الأولى... الأشخاص الذين يتجولون في اليوميات أبسط بكثير من حيلة البطولة وبلاغتها" وأكثر وفاء لأنفسهم.