ارتفعت في السنوات الأخيرة معدلات جرائم الاحتيال والسرقة المصرفية عبر شبكة الإنترنت حول العالم، بالنظر لتحول أغلب البنوك إلى المجال الالكتروني من جانب، وتطور البرمجيات التي يستخدمها قراصنة الشبكة من جانب آخر، بالإضافة إلى لجوء العديد من العملاء والأشخاص العاديين لاستخدام حواسيبهم الشخصية للدخول إلى حساباتهم من منازلهم دون توفر برامج حماية كافية. وتختلف أساليب النصب والاحتيال، وتعمد "العصابات" المتخصصة في هذا النوع من الجرائم إلى طرق مختلفة، مستغلةً قلة وعي البعض وعدم إدراكهم لأكاذيب وادعاءات "النصابين"، ولهث البعض الآخر خلف سراب الثراء الزائف؛ مما جعلهم صيداً سهلاً. كما تتعدد أسباب جرائم النصب والاحتيال؛ لذا فإنّ عمليات النصب لا تنتهي ما دام الاحتياج موجوداً، فقضايا النصب والاحتيال هي قضايا جنائية من اختصاص المحاكم، ويتم التحقيق فيها من قبل هيئة التحقيق والإدعاء العام ثم إحالتها إلى القضاء، أمّا عقوبة النصب فهي عقوبات تعزيرية يترك تقديرها لولي الأمر والقاضي ناظر القضية، فيؤخذ في الاعتبار تعدد الجرائم بالنسبة للجاني، وحجم القضية والطرق التي استخدمها الجاني لإيقاع ضحيته.. ولكن ما زلنا نرى أنّ العقوبات غير كافية للحد من انتشار هذه الجرائم. د.قاروب: نظام قوي ورقيب «صاحي» وينتهي أمرهم ضعف الرقابة وذكر "د.ماجد قاروب" -محام، عضو لجنة التحقيق في جرائم الغش والتقليد بالغرفة التجارية الدولية وممثلها بالمملكة- أنّ من أسباب انتشار جرائم النصب والاحتيال اتساع دائرة الفقر وانحسار الطبقة الوسطى، ووجود أكثر من (2) مليون عامل عاطل من المتخلفين والمتأخرين والهاربين من كفلائهم، إضافةً إلى عدد مماثل من العمال المتسترين العاملين في مختلف الأعمال من بقالات، ومحال الحلاقة، والسمكرة، وجميع الحرف بما فيها النقل بأنواعه كلها ساعدت في انتشار جرائم النصب، والاحتيال، وساعد على ذلك المواطنين المتاجرين بالتأشيرات، والمتسترين على العمالة المخالفة، الذين أصبحوا يملكون محلات وأعمالا، كذلك انعدام الثقافة الحقوقية وسوء التعامل مع الجهات الأمنية عند الإبلاغ عن الجرائم والسرقات، حيث يتحول المعتدى عليه إلى شبه مجرم، ويضطر للمراجعة والمتابعة مع هذه الأجهزة الأمنية؛ مما يأخذ الكثير من الجهد والوقت عليه. استشارة القانونيين ولفت "د.قاروب" إلى أنّ العقوبات -للأسف- غير كافية، مشدداً على ضرورة النظر للموضوع بنظرة شمولية أمنية اقتصادية وطنية، وذلك حتى يأخذ كل فرد مقبل على الدخول في أحد المشروعات التي يعلن عنها في وسائل الإعلان الحيطة والحذر والتروي، والسؤال عن الشركة لدى الجهات الرسمية، ثم يعقب ذلك بالتقدم بالعقود والسندات التي سيبرمها مع الشركة إلى أحد المستشارين القانونيين، الذي يبصره بموقفه ويوضح له نقاط الضعف والخلل والثغرات في العقد، بما يفوت على الآخر الفرصة في الفرار دون عقاب، ويحمي مصالحه المالية. سياج أمني ونوّه "د.قاروب" بأهمية أن يسارع الشخص الذي وقع النصب بالتقدم بشكواه إلى الجهات المعنية كالشرطة أو هيئة التحقيق والإدعاء العام التي تتخذ إجراءات سريعة تحول دون فرار الجاني والحفاظ على حقوق المجني عليه، مشدداً على أهمية أن لا يستحقر بعض الأفراد المبلغ الذي تحصّل عليه الجاني منه، فيمنعه ذلك من التقدم بالإبلاغ عن الجريمة، فقد يكون هذا المبلغ قليلاً بالنسبة له وكبيرا بالنسبة لغيره، فلا يكن مساعداً للجاني على تكرار جريمته مع غيره، وأن يتم نشر الحكم الذي يصدر ضد الجاني بوسائل الإعلام حتى يتحقق الزجر والردع لأمثاله بما يحدثه الإعلان من فضيحة للجاني ويجعله محقراً بين الناس، مبيّناً أنّ الحلول المؤقتة أو غير الشاملة لن تجدي نفعاً في معالجة هذا الخلل الكبير للمنظومة، والسياج الأمني، والاقتصادي، مطالباً بتعديل جذري وكبير في منظومة اللوائح والقوانين، مع دعم أجهزة الرقابة العامة والخاصة على المال العام والعمل الخاص بما في ذلك الأمن العنصر الأول والأهم في معالجة الفساد والنصب والإحتيال بكل أشكاله وألونه. المحرج: إجراءات البحث و«الملاحقة» القانونية ضعيفة ضعف الإجراءات وأوضح "بندر بن إبراهيم المحرج" -محامي ومستشار قانوني- أنّ تعامل البعض يشوبه الشك والحذر لكثرة ما يقع من نصب واحتيال واستغلال من طرف بعض ضعاف النفوس من المحتالين، يقابله تفريط وإهمال وطمع -أحياناً- من قبل الضحية، وهذا سبب ظاهر، والأهم هو ضعف الوازع الديني من قبل المحتالين، كما أنّ ضعف إجراءات ووسائل جمع المعلومة والتحقق مما يعرضه المحتالون من مشروعات يشكل وجهاً وسبباً آخر، إلى جانب ضعف إجراءات البحث وملاحقة المحتالين، بالإضافة إلى بطء إجراءات التقاضي التي تأخذ أحياناً سنوات، مع الاستغلال السيئ لقاعدة الإعسار والتي من خلالها ولعدم صدور ما يلزم بالتحقق من الملاءة المالية لأقرباء المحتال والنصاب يخرج من السجن بعد مدة طالت أو قصرت لينعم بأموال الضحايا، من ناحية أخرى عدم وجود استثمارات جادة وآمنة حقيقية، فعدد الشركات المساهمة المدرجة في سوق الأسهم القوية الحقيقية قليل، مضيفاً أنّ تأثير هذه الجرائم على الفرد والمجتمع كبيرة جداً، فالفرد يفقد مدخراته أو معظمها، إلى جانب تحمل البعض للديون للدخول في مشروعات المحتالين، ثم تبدأ دوامة المطالبات للديانة ومحاكمات وسجن، فيما يعدّ الخطر على اقتصاد المجتمع ظاهراً، وانحسار الثراء في طبقة واحدة وتقلص الطبقة الوسطى، واتساع حجم طبقة الفقراء، ومن ثم الضغط على الدولة للبحث عن مشروعات وأنظمة لتحسين أوضاع الناس المادية، كذلك تفشي جرائم النصب والاحتيال في صورة أصغر من قبل بعض من نُصب عليه لتعويض ما أُخذ منه، معتبراً أنّ العقوبات ليست هي الحل؛ لأنّ مثل هذه الجرائم تكون عقوبتها في الحق العام تعزيرية، وهنا لابد من صدور تشريع يلزم جهات التحقيق والتقاضي بضرورة تتبع أموال المتهمين وكشف حساباتهم واستثماراتهم وذويهم من الدرجة الأولى، وكل من يشتبه به ممن لهم علاقة بهم، ثم يأتي بعد ذلك دور العقوبات. فقدان الثقة وقال "خالد الفاخري" -مستشار ومشرف عام وعضو جمعية حقوق الانسان-: "وجد النصب والاحتيال بوجود الانسان، ومع تغيير طبيعة الحياة وتعدد التعاملات وإلمام الناس بالتعامل مع التقنية تختلف سبل ووسائل الاحتيال والنصب، فالتجارة في السابق كانت على عهد آبائنا وأجدادنا تتسم بالتعامل البسيط وربط الكلمة والثقة المتبادلة مع الطرفين، وضمن عادات وتقاليد تعتمد على الالتزام بالتعامل، أمّا اليوم فقد توسع الناس وتبدلت أماكن تواجدهم وتغيرت مناطقهم ومدنهم، وأصبحت التقنية تتحكم بكافة التعاملات والمعارف، ولكن هناك أفراداً ما زالوا يتعاملون كما الماضي بمبدأ حسن النية، دون توثيق بالبيع والشراء فيكون الاحتيال عليهم والنصب سهلا للغاية، وأيضا التعامل مع التجار حيث يتعامل البعض بمبدأ الثقة، ولكنه يكتشف فيما بعد أنّ بضاعته غير مطابقة للمواصفات، ويكتشف أنّه استغل طيبته ودلس عليه، وكل ذلك بسبب الثقة وعدم تأكيد المشتري وحرصه على التعامل بشكل نظامي، فالبيع والشراء يجب أن يكون بعيداً عن المجاملات والحرج، وأن يعتمد على التوثيق والمستندات". استغلال طيبة الناس وأضاف "الفاخري" أنّ سبب انتشار جرائم النصب والاحتيال يعود للبعد عن الوازع الديني، وعدم التقيد بالآيات والأحاديث الشريفة التي تنهى عن مثل هذه الأموال، ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "آية المنافق ثلاث؛ إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف"، وهذه الصفات تنطبق على المحتال المراوغ والمتلاعب بحقوق الآخرين، كما أنّه شخص خالٍ من الأخلاق والالتزامات الأدبية، وعنصر فاشل يجب محاسبته وتطبيق أشد العقوبة عليه؛ لاستغلاله طيبة وثقة الناس، مبيّناً أنّ التعاملات الآن توسعت عن طريق عدة مجالات، فقد يجد أحد رسالة على بريده أو هاتفه أو عن طريق مكالمات مشبوهة من البنك الذي يتعامل معه، ويطلب منه تحويل مبلغ أو رقم "الفيزا"، وكل هذه طرق حديثة للاحتيال على الناس. الفاخري: انتهى زمن «الثقة» وحسن النية في التعامل تجاوز الأدبيات وأشار "الفاخري" إلى أنّ سائر المجتمعات يوجد به استغلال وعروض كاذبة أو مبيعات مضللة، تجعل التعامل بين الناس أكثر حذراً، ويفقد حتى الصادقين الثقة، ولكن تنظيمياً على الجميع أن لا يبرموا أي عملية أو صفقة إلاّ من خلال الإجراءات القانونية التي تضمن للجميع حقوقهم المادية والمعنوية، حتى وإن حصل أي نصب يستطيع الشخص التقدم بمستنداته للمحكمة، لافتاً إلى أنّ من الحلول للحد من انتشار جرائم النصب والاحتيال وضع متابعة دائمة لمثل هؤلاء الأفراد المحتالين، الذين يروجون للسلع عن طريق وسائل الإعلام والصحف، مع التأكد من وجود تصريح للسلع و"الكود" المخصص للتاجر من قبل وزارة التجارة، إلى جانب أهمية عدم وثوق الأفراد بأي إعلان مضلل ومن غير القنوات الرسمية لعرض السلع، مالم يتأكد الشخص من الطرق الرسمية التي تأمن له بضاعته وماله، مشدداً على أهمية وعي الأفراد بالثقافة الحقوقية، معتبراً أنّها تختلف باختلاف نوع الجريمة ومرتكبها، وأدلتها، لذلك فالمجتمع يحتاج إلى رقابة شديدة وتشهير بهؤلاء المحتالين، وفرض عقوبات أكبر لانتهاك حقوق الأفراد وتجاوز الأدبيات الإنسانية بالاعتداء على ممتلكات الغير بدون وجه حق. مواطنون احتيل عليهم في قضية مساهمات محتالون يرسلون آلاف الرسائل البريدية في الساعة بحثاً عن "صيد ثمين" بندر المحرج خالد الفاخري د.ماجد قاروب