التستر خلف اسم مسؤول من السلوكيات الإجرامية التي يمكن تصنيفها تحت حالات النصب والتحايل, وتأتي في إطار اتساع دائرة الإجرام التي تتطلب تحجيمها؛ لما فيها من أكل لأموال الناس بصورة غير شرعية. استقصت «شمس» القضية من واقع عدم تخويل الضحية بطرق منزل المسؤول المستهدف بالتحايل، ولايزال المواطنون يتداولون جريمة التحايل التي ارتكبها مواطن بادعائه لضحاياه من النساء وكبار السن أنه محام كبير ويتمتع بعلاقات تدخل نطاق vip، وهي القضية التي لا تزال تشغل أروقة المحاكم، وقد وصل به الأمر إلى ابتزاز إحدى النساء لإشباع نزواته الشيطانية مقابل أن يقلب الطاولة في وجه خصوم قضيتها وكسبها. وتنطوي قضايا التحايل هذه على استهتار صريح بالأنظمة، وذلك ما يتضح في جريمة أحد العمال اليمنيين الذي يعمل في المقاولات المعمارية بالطائف حيث أوهم ضحاياه أن كفيله أمير، واستطاع من خلال ذلك النصب جمع مبالغ طائلة من الضحايا وتوارى عن الأنظار، وتنظر الجهات الأمنية بالحوية حاليا قضيته. الباحث الاجتماعي «جمعة خياط» وضع حلولا لمواجهة الجريمة قبل وقوعها «يكون لكل مسؤول في الدولة ختم واحد يصرف من قبل وزارة الداخلية، فقد بدأنا نشهد فئات لها أكثر من عشرين ختما بنفس الطبعة والأسماء ولكل مندوب أو «خوي» بالأصح ختم يحمله إما في جيبه أو شنطته وكأنه يريد ترهيب الناس به، وكذلك يكون في جميع الوكالات التي يمتلكها البعض في مراجعات الأمور المالية من قبل الأمراء والمسؤولين، إذ يفترض أن يدوّن أسفلها رقم فاكس منزل المسؤول فقط يتهيأ من خلاله لأي موظف أو إنسان يعتقد أنه سيذهب ضحية يمكن له إرسال مشكلته عبر الفاكس». ويضيف خياط «حسب علم الاجتماع فإن معظم النصابين ولاسيما الذين يبحثون عن الثراء يدعون ارتباطهم بعلاقات قوية بمسؤولين في الدولة لكسب الوجاهة التي تندرج تحت مفهوم النصب»، مشيرا إلى أن المتحايلين بأسماء المسؤولين والأمراء يبحثون عن أشياء ضعيفة، ولذلك يجب توعية المجتمع لمثل هذه الجرائم الدخيلة. ثغرات نظامية ويوضح الخبير في علم الجريمة ومدير إدارة الإصلاح بسجون عسير الدكتور مضواح محمد آل مضواح أن «الاحتيال وثيق الصلة بالفساد والنصب والابتزاز وانتحال شخصية الآخرين، بل يرتبط بالنصب ارتباطا تاما، كما أنه يختلف عن السرقة؛ لأن ضحية الاحتيال يسلم ماله برضاه للمحتال، ويحدث الاحتيال في الغالب باستخدام الجاني اسما كاذبا، أو صفة غير صحيحة في أفعال الاحتيال». ويضيف «جرائم الاحتيال هي جرائم الذهن والفكر والتخصص والبراعة في المكر والخداع والحيلة وتشويه أو تبديل الحقائق، وخسة الأخلاق والنذالة، وتعتمد على المعرفة المسبقة ببعض الأمور والثغرات النظامية، وظروف ورغبات الضحايا، كرغبة البعض في الثراء السريع واستغلال المحتالين لانعدام الشفافية في مجال المال والأعمال، وهذه الجريمة ليست مرتبطة بزمان أو مكان، فقد عرفتها الأمم القديمة منذ عهد البابليين والإغريق، لكنها تتطور بتطور الحياة الاجتماعية وتنوع الأنشطة، وتختلف بين الريف والحضر، ومن دولة إلى أخرى حسب تطورها وإنتاجها ودخلها وشفافية المعاملات المالية فيها ونوعية الفرص المتاحة؛ فبعض الحكومات الفاسدة تلجأ إلى الاحتيال للاستيلاء على عشرات المليارات سنويا من المال العام عبر اعتماد مشاريع بتكاليف خيالية، في حين أن المشروع الواحد لا يكلف عُشر المبلغ الذي اعتمد له، وعندها يصبح أبناء المجتمع كلهم ضحايا، ويترافق هذا مع وجود أشخاص نافذين ومحتالين في الوقت نفسه ولهم القدرة على اختراق النظام دون مساءلة، فيقوم المحتال الذي لا نفوذ لديه ولا يمتلك القدرة على اختراق النظام دون مساءلة بانتحال شخصية أحدهم أو ادعاء الارتباط به بأي صورة من الصور أو أنه تحت حمايته مثلا، وفي كل الأحوال فإن المحتالين يقدمون على هذه الجريمة بهدف الحصول على مال أو منفعة ما». ابن شرعي للفساد ويستطرد آل مضواح «إذا ما اتجه الشأن إلى محاولة التعرف على الأسباب التي تجعل بعض الضحايا يصدقون ادعاءات المحتالين، فسنجد أن ذلك مرتبط بصفات هي في الغالب نقيض الصفات التي ذكرنا وجودها عند المحتال، فالمحتال ذكي والضحية غبي، والمحتال ماكر والضحية واضح وشفاف، والمحتال كذاب والضحية صادق في سذاجة، والمحتال صاحب نفوذ باتجاه الفساد والضحية لا يملك القدرة نفسها على النفوذ والفساد، والمحتال لديه معرفة بالثغرات النظامية والضحية جاهل ربما بكل معطيات النظام، والفاسد المحتال يتصف بالخسة والنذالة، بينما تتصف الضحية بالترفع والرغبة في الوفاء وقضاء المعروف، ولكن في حماقة وصلف، فالاحتيال هو الابن الشرعي للفساد، وله تأثير سلبي كبير على القيم والثقافة والتماسك الأسري والتكافل الاجتماعي، ويتسبب في هدر وضياع المال العام والخاص، وأحسبه مع الفساد من أخطر عوامل التخلف والكساد الاقتصادي والفقر والبطالة، وأخطر العوامل المعيقة للتنمية والتطور في كافة المجالات، كما أنه من الأسباب المباشرة للهزال التشريعي؛ لكون أرباب الفساد والنصب والاحتيال يعملون دائما على أن تكون النظم والتشريعات فاسدة ومتخلفة حتى تتوفر لهم من خلالها ثغرات تيسر لهم اقتراف جرائمهم». محاولة التقليد ويقدم نائب رئيس اللجنة الوطنية للمحامين وعضو لجنة حقوق الإنسان العربية الدكتور هادي بن علي اليامي رؤية شاملة لماهية المتحايل وشخصيته «انتحال الشخصية هو الظهور أمام الآخرين بمظهر المُنتحَل شخصيته بحيث يعتقد الذي يتعامل معه أنه تعامل مع من تم انتحال شخصيته، مثل أن يقوم شخص عادي بانتحال صفة رجل أمن أو عضو هيئة تحقيقية مثلا، ويدخل إلي مكان ما فيعتقد الجميع أنه على هذه الصفة، ويكون التعامل معه من هذا المنطلق، واختلف المختصون في تفسير هذه الظاهرة هل هي سلوك إجرامي أم مرض نفسي؟ حيث رأى البعض أنها سلوك إجرامي يحاول من خلاله المجرم تحقيق مصلحة أو منفعة، ويرى البعض الآخر أنها من قبيل المرض النفسي، ويرى فريق ثالث أن الأمر- في بعض الأحيان- لا يعدو كونه فضولا وحب استطلاع وإعجاب بالشخصية المنتحلة. ومن وجهة نظري أرى أنه قد يكون لجوء المنتحل إلي ذلك لارتكاب جريمة، وقد يكون وراء ذلك مرض نفسي أو خلل عقلي أو محاولة للتقليد أو تنفيذ لرغبة صعب تنفيذها من قبل أو لمعاناة من فراغ وبطالة أو محاولة للظهور والتباهي بالملابس العسكرية مثلا ولا سيما في مرحلة المراهقة». أسباب وسلوكيات ويتابع اليامي توضيح السلوك التحايلي «لا شك أن أغلب حالات انتحال شخصية الآخرين تكون بانتحال الصفة العسكرية؛ لما يتمتع به العسكريون من وجاهة اجتماعية ومكانة وهيبة ونفوذ وظيفي واحترام وتقدير من أفراد المجتمع يجعل الشك فيهم مستبعدا، ويمكنهم ويسهل عليهم تنفيذ أهدافهم بسهولة، وربما يرضي بعضا مما في نفس مرتكب الجريمة لرغبته في امتهان هذه المهنة وعدم مقدرته على تحقيق أمنيته، ومن الصعب على الناس أن يتأكدوا من هوية الضابط الحقيقية، وبالتالي يسهل النصب عليهم، وإن لم يكن ذلك ما لجأ المحتالون لانتحال صفة رجل الأمن بالذات، هذا بالإضافة إلي ما يتمتع به رجل الأمن في مجتمعنا من احترام بالغ من المواطنين يصعب معه توقعهم انتحال صفته»، ويشير إلى أن للفراغ والبطالة وانتشار المخدرات وتأثير النت والقنوات الفضائية وغياب القدوة ودور الإعلام والمساجد والأسرة والمدرسة الأثر الأكبر في انتشار هذه الظاهرة «أرى أنه يجب التفرقة بين من ينتحل الصفة العسكرية ليرتكب جريمة، ومن يفعلها لمرض أو تباهٍ أو لأي غرض غير الجريمة، فيكون عقاب الأول ومعالجة الآخر، والتعامل مع رجال الأمن المزيفين كفيلا بكشف ألاعيبهم؛ لأن رجل الأمن الحقيقي يتسم تعامله بالوضوح والصرامة والانضباط والثقة بالنفس والإخلاص والأمانة ويكون أداؤه دليلا بالفعل على أنه رجل أمن، أما من ينتحل شخصيته فيكون مرتبكا وغير مهذب يفتقد للاحترام في تعامله مع الآخرين ولا يهدف إلا تنفيذ ما خطط له». ويضيف «ولعل عدم الرقابة على محال الخياطين ومحال بيع البدل العسكرية وراء وصولها إلي أيدي هؤلاء المخالفين، لذلك فإنني أرى ضرورة وضع ضوابط لهذا الأمر ووضع عقوبة مشددة لمن يخالف هذه الضوابط، ويجب أن يرشد كل منتحل شخصية رجل أمن عن مصدر ملابسه العسكرية التي استخدمها في المخالفة؛ ليكون العقاب على الخياط أو البائع، ولما كانت جريمة انتحال صفة رجل السلطة العامة من الجرائم الخطيرة بالفعل واعتبرت من الجرائم الكبيرة فإنني أرى تغليظ العقوبة على مقترفها بجعل السجن وجوبيا» .