الكل يذكر الخطاب الشهير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله حين هدد بضرب المدن الاسرائيلية من حيفا وحتى ما بعد مابعد حيفا في إشارة إلى عاصمة الكيان الصهيوني. في تلك الفترة ساهم هذا الخطاب في رفع معنويات اللبنانيين الذين دمرت اسرائيل اجزاء كبيرة من عاصمتهم في محاولتها للقضاء على قوة حزب الله أو مايسمى بالمقاومة اللبنانية عام 2006. قد نتفهم خطاباً من هذا النوع آنذاك فالحزب أصبح مطالباً أمام اللبنانيين ومن تعاطف معهم بتقديم شيء ما لحفظ ماء الوجه بعد مغامرة الوعد الصادق التي قام خلالها بقتل واسر عدد من الجنود الإسرائيليين مما أشعل المواجهة وقاد إلى مقتل أكثر من 1200 لبناني خلال 34 يوما فقط. والآن عاد السيد نصرالله ليهدد مجددا بضرب إسرائيل بآلاف الصواريخ، من كريات شمونه في الشمال وحتى إيلات في الجنوب ومن سواحل المتوسط غربا حتى حدود الكيان في الشرق. قد يظن البعض بأن ذلك تحذير لإسرائيل من تكرار تجربة ألفين وستة فالمعادلة اختلفت ومن كان قادراً على ضرب ( مابعد مابعد ) قادر الآن على استهداف كل شيء دون استثناء، ولكنه أيضا أعطى الضوء الأخضر للطيران الإسرائيلي بضرب لبنان مجددا بحجة تأمين الجبهة الشمالية وتحييد الخطر الذي قد تشكله صواريخ حزب الله في أي مواجهة مقبلة. مرة أخرى يؤكد الحزب بأنه غير قادر على العيش بسلام وانه بدون شعار المقاومة سيسقط داخليا فما الذي قدمه للبنان غير الحرب والدمار والرعب الذي شكله سلاح الأخ غير الشقيق عندما حوله إلى قلب العاصمة في انقلاب 2008 ولازال. جميل لو كانت تلك الصواريخ أيا كان مصدرها في يد الجيش اللبناني الذي هو ملك لكل اللبنانين والأجمل حين يتوقف السيد نصرالله عن توجيه دعوات وتبريرات مجانية للعدو من أجل تدمير لبنان مرة بعد أخرى. امتدح نصر الله كثيرا سوريا وإيران واعلنها صراحة بأن دعمهما للمقاومة هو مايضمن بقاءها ولكن ألم يسأل ( السيد ) نفسه لماذا لم تطلق سوريا رصاصة من الجولان المحتل ؟ ولماذا لم تقم إيران بتوجيه صاروخ واحد إلى تل أبيب بدل أن تقوم بتهريبه في الخفاء ليطلق من غزة أو من جنوب لبنان؟ بالطبع لن تتحمل القيادات العسكرية والسياسية في إيران أو سوريا تكلفة الدمار الذي قد ينجم عن المواجهة المباشرة مع اسرائيل ، فقواعدهم العسكرية ومطاراتهم الحربية ستدمر خلال أيام أو حتى ساعات بينما لاتوجد قواعد لحزب الله في لبنان ولامطارات يمكن استهدافها، ونصرالله يدرك ذلك جيدا لكنه لن يتجرأ على قول الحقيقة في خطبه الحماسية الرنانة. أيضا.. حزب الله يستخدم المناطق السكنية للاحتماء والاختباء وبالتالي فان تدمير صاروخ واحد لحزب الله قد يتطلب تدمير منطقة بأكملها في لبنان واغتيال قيادي واحد سينتج عنه وفاة عشرات المدنيين الأبرياء وإسرائيل الغاشمة لن تتردد عن فعل ذلك. ولكن هل الدم السوري أو الإيراني أغلى من الدم اللبناني؟ أليس له الحق هو الآخر أن يعيش بسلام ويبني بلده بدل أن يكون مشردا يبحث عن الأمان وعن لقمة العيش بعيدا عن وطنه وأرضه؟ لبنان لكل اللبنانيين ولهم فقط، وإذا أرادوا المقاومة فلهم الحق في ذلك، وبما أن الدمار سيطالهم جميعا فمن حقهم وحدهم دون طائفة أو فصيل بعينه تقرير الحرب أو السلم. وفي ظل هذا العبث بأمن لبنان بين طهران ودمشق لا اتوقع أن يصمت نتنياهو طويلا قبل أن يستفيد من بلاغة السيد نصرالله في حملته الانتخابية المقبلة ليهدد العواصم الثلاث جملة واحدة فأي معركة مقبلة لن تتوقف في بيروت بل ستمتد إلى مابعد مابعد بيروت.