منذ الوعي الأول للإنسان، اتخذ الجدران منصة ليمسرح عليها ما يدور في أعماقه بخطوط بدائية ثم برسوم وتشكيلات وحروف، حالة من الاكتشاف والمعرفة رافقته ابتداء من إحساسه بوجوده على الأرض، ثم رافقته مع رحلاته الاكتشافية في العباب، وما تلاها من رحلات إلى الفضاء.. ليس الحلم ولا المخيلة براء من هذه المسرحة، لأنهما يساهمان مع الإحساس بالوجود الفعلي في إنجاز الحدث وكتابة السيناريو وإخراجه وتمثيله، ولولا ذلك، لما سبح رواد الفضاء في أسفارهم البعيدة ليصافحوا القمر، ولما ابتكر الروس مسرحاً تحت الماء، مستفيدين من التقنيات الحديثة، والطاقات البشرية المميزة، منتجين حالة جديدة تأسيسية، تعيد للإنسان احتمالات نفي المستحيل، وتحويل الإمكانات إلى طاقة فاعلة وجمالية فيما إذا وظفتْ بطريقة إيجابية. ترى، كم من الأمكنة تئن من آثار السلوك الإنساني السلبي، وكم من الأوطان انذبحت؟ وكم من الأمكنة مازالت سعيدة بآثار الأرواح الطيبة، المزهرة دائماً على الأرض فيما إذا اعتبرناها منصة مسرحية كبيرة؟ وهنا، أضيف: كم من السيناريوهات، والمسرحيات، التي تعدها دواخل الذات الإنسانية في الحياة اليومية؟ وهل مع كل مسرحية لهذه (الأنا الجوانية) يكون الضمير بطلاً محورياً، وشخصية رئيسة؟ وإذا ما أحلنا هذا المسرح الداخلي على الطقوس التي كانت تؤدَّى في المعابد القديمة، وما ترويه الخرافات والملاحم والأساطير، ألا نجد أن الغايات المخبوءة في ذلك المسرح الحمعي، في شبكته النسقية البدائية، التي كانت مرافقة لتلك الطبيعة من الحياة، ما هي إلا محاولة لفهم الطبيعة؟ ثم، ألا نستقرئ كيف أدرك الإنسان وجوده ككائن منفصل عن المسرح الطبيعي الجمعي، ليبدأ في التحول إلى مسرح الأنا الذاتي، والارتقاء بالأنا إلى حيزها الكوني، ليكون شعاعاً نقياً، يشذب الظلمات الجوانية، مستنيراً بوعيه الباطن (اللاوعي) الذي لا يخلو من الوعي، ويتواصل مع الذوات الأخرى، في فضاء آخر من الأحلام الجميلة والمخيلة المحلقة والقيم المضيئة، ولن يتم للذات الإنسانية ذلك، إلاّ إذا واجهت صدأها الداخلي، ووقفت على مسرح مرايا الأنا لمراجعة الذات، وتشذيبها، وتوظيف النقي منها في حالة جمالية، لا تذهب جفاء، بل تمكث في الزمكانية اللا متناهية لتنفع الأرض، وتجلي مدارها الكهرومغناطيسي من تلك الظلمات الجوانية للأنا الذاتية والجمعية. وأتوقع أنه لا أحد يريد المزيد من الانتظار ليقف على منصة ذاته السابحة بينه والعناصر والموجودات. لعلك جربت الوقوف على تلك المنصة منتقداً مرايا روحك، واعدَها بمحو الغبش والظلمات، وبزراعة المطر والأحلام والضوء.. هل جربت أن تبدأ من جديد، نابذاً ما لا يتناغم مع فطرتك الصافية، الصافية، الصافية؟