ترمب يضيف سبب آخر لإرتفاعات الذهب    أمير حائل يرعى توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التنمية ويطلع على مستجدات ملتقى "دراية 2"    الحربي: ثقة القيادة دافع لمسيرة جديدة ومشرقة في التايكوندو السعودي    التخصصي" يرسّخ ريادته في العلاجات الجينية بإنتاج الخلايا التائية محليًا    رينارد: لقاء العراق الأهم في مسيرتي    أمير الشرقية يستقبل مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية والرئيس التنفيذي لشركة المياه    رئيس جامعة جازان يدشّن معرض "جامعة جازان لتعزيز الصحة النفسية"    رئيس جمعية حقوق الإنسان يستقبل وفد هيئة حقوق الإنسان    "التحالف الإسلامي" يعقد ندوة فكرية حول التطرف الفكري في البيئة التعليمية في المالديف    أمير الرياض يستقبل سفير الإمارات المعين حديثًا لدى المملكة    نيابةً عن ولي العهد.. وزير الخارجية يصل مصر لترؤس وفد المملكة المشارك في قمة شرم الشيخ للسلام    (ISSA).. تعتمد المملكة مركزًا عربيًا لتأهيل وتدريب خبراء التأمينات الاجتماعية    أنامل العطاء.. حكاية تبدأ بالإيمان وتنتهي بالأثر الجميل    افتتاح المركز الثقافي الصيني رسميا في الكويت    تسليم 7 رهائن إسرائيليين في غزة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر    إسقاط 103 طائرات مسيرة أوكرانية خلال الليل    لبنان يقدم شكوى لمجلس الأمن ضد إسرائيل    القيادة تعزّي أمير قطر في ضحايا الحادث المروري بشرم الشيخ لمنتسبي الديوان الأميري    العراق وقطر.. لا بديل عن الفوز.. التعادل يكفي الأخضر والأبيض لبلوغ المونديال    الأخضر يكثف تحضيراته لمواجهة العراق.. ورينارد يتحدث للإعلام    الإصابة تغيب حارس الاتحاد عن منتخب صربيا    «الحياة الفطرية»: إجراءات شاملة لصون الطيور المهاجرة    تمكين «غير الربحية» في الصناعة    المرور: عكس الاتجاه يهدد سلامة مستخدمي الطرق    هيئة «الشورى» تحيل عدداً من التقارير لجلسات المجلس    متهم يدهس خصومه بسيارته عقب «المحاكمة»    أكد أنها تهدد مصالح مصر والسودان.. السيسي يحذر من تصرفات إثيوبيا على النيل    موسكو تحذر من تصعيد دراماتيكي.. أوكرانيا تشن ضربات بعيدة المدى على روسيا    باستخدام أحدث التقنيات الجيو مكانية.. هيئة التراث: تسجيل 1516 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني    لقاء الخميسي تعود للدراما ب «روج أسود»    أم تتهم روبوت دردشة بدفع ابنها للانتحار    اجتماع سوري- تركي رفيع لتعزيز التعاون الأمني    30 تخصصاً بالتحكيم التجاري    تأمين إسلامي للاستثمار والصادرات    القهوة السوداء «دواء طبيعي» يذيب دهون الكبد    تجمع المدينة الصحي يشارك في "اليوم العالمي للإبصار"    "تعليم عسير" يبرم اتفاقيات لخدمة البيئة المدرسية    بيع ثلاثة صقور منغولية ب420 ألف ريال    منجزات «الدرعية الصحية» أمام فهد بن سعد    استعراض أحدث تقنيات تعليم العربية للناطقين بغيرها    "سيف" يضيء منزل المهندس عبدالرحيم بصيلي    المنتخب وآخر خطوة    «تطوير محمية الملك سلمان» يوعّي بالطيور المهاجرة    وكيل إمارة الرياض يستعرض المستهدفات الزراعية    «طبية مكة» تنجح في زراعة سماعة عظمية    أمير الشمالية يشدد على أهمية تكامل جهود منظومة الصحة    تداول يبدأ الأسبوع بانخفاض 88 نقطة    جايتان لابورد.. من الملاعب الفرنسية إلى سماء الدرعية    9525 تصديقا بغرفة جازان    مساعدات غذائية سعودية لأطفال غزة    مستشفى الملك خالد للعيون ينجح في إعادة النظر لمريضة في عملية نوعية    وساطة سعودية تنهي العمليات العسكرية بين أفغانستان وباكستان    أمانة العاصمة المقدسة تكرم بالبيد    خطيب المسجد الحرام: اتركوا فضول الكلام في غير فنه وتخصصه    التحايل في الغرب خيانة وهوى    13 مليون قاصد للحرمين خلال أسبوع    محافظ الطائف يقدم التعازي لأسرة الزهراني    أمير منطقة جازان يستقبل وزير الصحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملحمية «البرشتية» تحاصر المسرح التجريبي العربي
نشر في الحياة يوم 03 - 06 - 2011

يتناول الناقد المغربيّ سعيد الناجي في كتابه «التجريب في المسرح» الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، ملامح التجريب وتوجّهاته من خلال بعض المفاهيم والإجراءات المنهجيّة التي تنتمي إلى مجال الأنثربولوجيا الثقافية، محاولاً الكشف في هذا المسار عن أصول ظاهرة التجريب المسرحي في الثقافة الغربية، وكذلك العربية. ثم يناقش مجمل الأحداث المؤثرة في رسْم سمات الحداثة المسرحية الغربية لاحقاً، وكيفية متابعة المسرح العربي لبدايات التجريب الغربيّ. وهو وإن كان يعالج كلّ نوع تجريبي (غربي، عربي) في مكانه، إلا أنه لا يفصل في العلاقة بينهما.
يُرجِع الناجي تجمّع عوامل التجريب إلى صعود البرجوازية في فرنسا عام 1848، وتأثير التقنيات التكنولوجية في انبلاج التجريب، لا سيما الإضاءة الكهربائية، التي أغنت عن قِطَع القماش المرسومة في الديكور. ويرى في انطلاقة المسرح الحرّ في باريس عام 1887 مع أنطوان تمييزاً بين المسرح التجاري (البولفار) والمسرح في اهتماماته الفنّية (الإخراج)، بعد تركّز معالجة نصوص المدرسة» الطبيعوية» على المشكلات الاجتماعية.
أرست عام 1895 قيماً جديدة عند المتفرج، من خلال عرض أول فيلم سينمائي، وظهرت ملامح السينوغرافيا الحديثة مع السويسري أدولف آبيا، والإنكليزي إدوارد كوردن كريغ، كما يشير الكِتاب، كمحاولة لتثوير مبادئ تنظيم الفضاء المسرحي، وفراغه مع كريغ، وتعويضه الممثل بالدمية. هكذا انطلق التجريب في المسرح الغربيّ بالاشتغال على الفضاء المسرحي، وتبعه تجاوُر المسرح مع التشكيل وخصوصاً المدرسة التكعيبية مع اكتشافها البعدَ الرابع، الذي استفاد منه مسرح أريان منوشكين في توزيع الممثلين على أربع خشبات، ثم تمرّد التجريب مع الدادائية، فالسوريالية، ووحده برتولت برشت المؤثر في المسرح العربي بمسرحه الملحمي، بحث عن تجديد المسرح وتغيير ثوابته في اللحظة نفسها.
يتابع الكاتب كشْف أصول التجريب الممتدة في القرن التاسع عشر، ثم العشرين، والتحولات الكبرى التي ساهمت في بروزه، منطلقاً من الحالة المسرحية الغربية على أنها الأصل، ما يعني أن التجريب في المسرح العربي هو تجريب تيّارات المسرح الغربي، بما فيها مسرح بيسكاتور السياسي، ذو الخشبة نصف الدائرية التي تستطيع تحمّل ضخامة الديكور وثِقَل الآلات التي حرّكت الخشبة الثابتة في المسرح الإيطالي، معتمداً على البروليتاريا الصاعدة في تمويل الكلفة الباهظة. ومهّد بيسكاتور لتجربة برشت الذي حاول موازنة الحد «اللذوي» والآخر المعرفي عند الممثل والمتفرج على السواء. وهنا حاول المسرحيون تغيير قوانين الخشبة. أما الاتجاه الثاني فبحث عن تفجير فضاء العلبة الإيطالية، كما في التجربة الألمانية عند ماكس رينهاردت (1873-1943)، خصوصاً في عرضه «أوديب» في سيرك برلين. القطيعة الحادّة عن المسرح الكلاسيكي ذي الديكور المتكلّف، والمكرر في كل عرض ما عدا تفاصيل بسيطة، كانت مع أرطو الذي أسّس عام 1925 «مسرح ألفريد جاري»، ليؤسس مسرح القسوة المتضمن «الرغبة في الحياة، والعنف الكوني». وفي بيانه الأول للمسرح كتب أرطو: «سنحذف الخشبة والقاعة، ونعوضهما بمكان واحد، من دون فاصل».
يتابع الناجي أيضاً أهمَّ التحولات المسرحية الغربية، كما في «المسرح الفقير» عند جيرزي غروتوفسكي، وتحوّل الممثل معه إلى صانع الفرجة الوحيد ومُولِّد ديناميّتها، ثم «مسرح الموت» عند تادوز كانتور، وفيه تُوظَّف التماثيل لمنْح الممثل قدرةً على اللعب بطريقة جديدة تشير إلى الموت. كل تلك التجاوزات كانت -كما رأى الكاتب- من هدم مبدأ المحاكاة الأساس في المسرح الغربي منذ جمالية أرسطو، ولذا فالمسرح الغربي في تجريبه حاول الابتعاد عن السلطة الأحادية النص. ومن هنا كانت الحداثة في التراكم المسرحي السابق لها، وبروز المخرج من هذا التعدد التجريبي. ويخلص الكاتب إلى القول (بعيداً عن المصادر التي اعتمدها في كتابه) بأن تجارب برشت وكريغ وبيسكاتو، حقّقت صدىً أكبر من تجارب أرطو وغروتوفسكي، وغيرهما.
في التجريب المسرحي العربي، ينفي الكاتب صلة المسرح بتاريخ ما قبل عام 1848، مع «البخيل» لمارون النقاش (1817- 1855)، غاضاً النظر عن كون العرض اقتباساً من «بخيل» موليير أو إبداعاً محضاً، كما نوّه في هامش الكتاب. ويرى الناجي أن محاولات متفرقة على نطاق ضيّق ليست بدايةً لمسرح عربي شامل، ويشير إلى التجارب المسرحية العربية الأولى على عجل، ومنها تجربة أبي خليل القباني. إلا أنه يُؤكّد أن المشرق العربي نقل إلى مغربه العروض على حين غرة كما في زيارة فرقة سليمان القرداحي إلى تونس عام 1907، ليعرف المغرب لاحقاً تأسيس أول فرقة في فاس عام 1927.
في هذا الخط الواهي للمسرح يُطلِعنا الكِتاب على ما أطلقه يوسف إدريس في مقالته «نحو مسرح مصريّ»، كدعوة تجريبية أولى، إلى إيجاد أصول مسرحية فرجوية عربية. ثم كيف جرت المحاولات للبحث عن مسرح يكتسب الصفة العربية، كما عند سعد الله ونوس في مسرح التسييس. يرى الناجي في نظرته إلى المسرح العربي رغبة في امتلاك فنّ جديد، ما يضيع فرصة نشوء وعي مسرحي حقيقي. فلم تكن القضية قضية تجريب مسرحيّ بل قضية تأسيس، من خلال قلّة قليلة من المسرحيين أوردهم في مجمل تطرّقه إلى بدايات المسرح الجدي، ومنهم توفيق الحكيم.
لعل وهم وجود مسرح قديم هو مأزق في ذاته، تتبعه محاولة إثبات أن العرب عرفوه، جعل صراع المسرح العربي، بين عدم وجود ماضٍ له ومحاولة النقل من الغرب، فناً محدثاً. وبحسب معيارَي أرسطو فقد غرق العرب في الملحمة أي القول، بعيداً عن الفعل أو التراجيديا، مستفيدين من ماضيهم الأدبي السردي. وهنا كان تأثير برشت فيهم. لكنّ العرب كما قال بول شاول «ينظرون إلى الواقع من خلال برشت، ولا ينظرون إلى برشت من خلال الواقع»، فيقعون في الاقتلاع المسرحي. ولذا ظلّوا يُكرّرون التقنيات الملحمية من دون تطويرها، مع خضوع المسرح لسلطة النصّ والأيديولوجيا، وصولاً إلى المغالاة في السياسة مع بقاء الهاجس الأمنيّ الذي ساهم في بناء غالبية المسارح.
إن أهمّ ما يطرحه الكتاب عن المسرح العربي هو التساؤل الذي يشير إلى دوّامة مأزق المسرح والرغبة في الخروج منها، ومعرفة حقيقة واقعها. وهذا التساؤل يُلخَّص ب: هل يستطيع العرب تجاوُز المسرح الملحميّ والإبداع فيه فيما ممارستهم المسرحية تقترب من التكرار؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.