عبدالحق الزروالي.. ممثل مغربي صاحب شخصية متعددة، فحينما يصعد لخشبه المسرح تتعدد علاقته بالزمان والمكان وتتنوع أعماله وشخصياته ونصوصه بصورة مذهلة فهو يمثل ويغني ويرقص في حركات مسرحية بدائية، ولا يعترف بوجود كاتب ومخرج وممثل ومصمم أزياء وغيره من مكونات العرض المسرحي، وما يهمه هو أن يصل بالمبدع المسرحي إلى الأمام حتى يعطينا مسرحًا تتكامل فيه العناصر وتتناغم فيه المكونات بشكل دقيق شكلت رصيدًا هائلًا ضمن بقية التجارب التي أغنت حركة المسرح في المغرب الذي يعتبر اليوم من أكثر المسارح العربية انفتاحًا على المسرح العالمي وتجاربه، كما إنه يملك مخزونًا جماليًا هائلًا يتمثل في فنون الفرجة الشعبية، بالإضافة لامتلاكه قدرة تجريبية متميزة.. عبدالحق الزروالي زار العاصمة التونسية مؤخرًا للمشاركة في الدورة الخامسة عشرة لأيام قرطاج المسرحية وقدم نصّه المسرحي "كرسي الاعتراف".. وكان لنا معه الحوار التالي بعد العرض.. * ماذا أردت أن تقول في نص كتبته وأخرجته لجمهور أرهقته أعباء الحياة، عند تحولك لتونس ب "كرسي الاعتراف"؟. - أولًا هذا الجمع بين مكونات العرض تأليف وإخراج وتشخيص وسينوغرافيا وغناء يدخل في سياق البحث المستمر عندي منذ عشرات السنين لدي أكثر من 30 مسرحية ميلودراما و15 مسرحية جماعية، لذلك أنا دائمًا أبحث في مسار التجربة التي أخوضها عن إمكانية التوفيق بين مكونات العرض فأكتب كأنني أمثل وأمثل وكأنني أُخرج وأُخرج وكأنني أكتب من أجل الوصول إلى صيغة تناغمية تكاملية بين هذه المكونات لإعطاء فرجة تجمع بين المأساة والملهاة بين الجد والهزل بين الواقع والمتخيل بين الحلم والحقيقة بين الشيء وضده بين ما نعيشه وما نحلم به، عبر هذه المفارقات والتقاطعات كلها تأتي مسرحية "كرسي الاعتراف" كحلقة من سلسلة أعمالي السابقة، ولذلك أعتقد أننا الأن نعيش عصر البحث عن معنائية "الكراسي".. هذا الكرسي الذي يرتبط في ذاكرتنا وحياتنا بعدة أبعاد، فكرسي المدرسة وكرسي الحكومة وكرسي الاعتراف وكرسي السلطة، الكرسي موجود في حياتنا بشكل دائم، فإذن لابد أن أعطي لهذا الشيء معنائية خاصة إلى أي حد نحن نستطيع أن نتواصل مع هذا الكرسي ونفتح معه حوار، حوار الذات حوار الأنا مع الأبعاد الأخرى، وجاءت مسرحية "كرسي الاعتراف" للانقلاب عن قبضة الصمت وقبضة التستر، بالكشف عن معنى الحياة وعن انتمائنا للآخر وعن علاقتنا بالماضي والحاضر. * علاقتك بالجمهور المسرحي المغربي كيف تبدو؟. - في أتم التوافق والتناغم، نحن نتعامل مع جماهير متعددة الاعمار، متعددة الأذواق، متعددة مستويات التفكير، تجد في القاعة الطفل ذو عشر سنوات، والرجل على عتبة السبعين، تجد المرأة الأمية، تجد المرأة المثقفة، وتجد كل التيارات وكل العقليات في القاعة، ومهمتك فوق الخشبة بأعمالك التي تقدمها أن تعرف كيف تصهر كل هذه التعددية داخل القاعة، فأحمد الله أنني طيلة هذه السنوات جربت عدة مواضيع وعدة قضايا وعرضت أعمالي في المدن والقرى وفي الجامعات وفي المستشفيات، وكنت اتعامل مع هذا الجمهور باعتبار قدرتي على قراءتي لحاجياته ذلك هو الشرط الأساسي، فإما أن تشدّه مائة بالمائة أو أن تخسره مائة بالمائة، ومن هذا المنطلق أضع نفسي دائمًا وكأنني أنا الجمهور حتى أعرف إلى أي حد أضمن نجاح العرض وقدرته على إقناع المتلقي. * متى يتغير وجه المسرح المغربي الشبيه بالمسرح الإيطالي إنتاجًا، والمليء بفنون الفرجة الشعبية والفلكلورية؟. * المسرح في المغرب مثله مثل التجارب المسرحية في الأقطار العربية مر بعدة مراحل، في الأول ظهر كأسلوب للتعبير عن الرغبة في التنفس لأنه لم يكن هناك سينما ولا تليفزيون فكان المسرح هو الفضاء والمجال الوحيد في القرن الماضي فكانت الجماهير تبحث عن فضاء للفرجة فكانت الحلقة عندنا في المغرب في ساحة مراكش وفي مكناس وفي فاس وفي كثير من المدن المغربية، وكان الراوي يقدم أشكالًا تعبيرية شبيهة بالمسرح، ثم بعدها جاءت فرق للمغرب وبالتحديد من مصر في بداية القرن الماضي وهي فرقة يوسف وهبي وقدمت عدة أعمال في بعض القاعات السينمائية، ثم بدأت محاولات محلية تحاول تقليد هذا المسرح والوافد من الغرب والشرق واُستعمل المسرح وقتها كوسيلة تعبيرية لمناهضة الاستعمار وحث الشعب المغربي على تبني القضايا ذات التأكيد للهوية المغربية العربية الإسلامية كوسيلة للدفاع عن محاولة الاستعمار لإتلاف هويته ولغته وتشكيكه في معتقداته الدينية وقيمه الأخلاقية، لذلك لعب المسرح هذا الدور في بدايته، وبعد الاستقلال بدأت محاولات لتوظيف المسرح من خلال الاقتباس كشكل من أشكال الفرجة الترفيهية، ثم بدأت بعد ذلك محاولات البحث عن تأصيل المسرح في المغرب فظهرت محاولات للطيّب الصديقي والطيّب العلج بالأخص من أجل خلق شكل فرجوي تعبيري مسرحي يحمل بصمة المغاربة ويعكس هوية المغرب في اللباس والديكور وفي اللغة والمضامين، وبعدها بدأ البحث عن استلهام التراث العربي الإسلامي قدم خلالها الطيّب الصديقي مقامات "بديع الزمان" وأبا العلاء المعري إلى غير ذلك، هذا إلى جانب ما يقدمه مسرح الهواة التي تستخدمهم الأحزاب المعارضة من أجل توجيه الرأي العام إلى معانقة القضايا السياسية ومناهضة هيمنة السلطة، المهم المسرح المغربي متعدد ليس فيه شكل ثابت وليس هناك رؤية موحدة فالبحث مستمر عن فرجة ترضي الآخر. * لم الراوي أشهر فنان في الفضاء المسرحي المغربي؟ حسب ما اعترف به الفنان الطيّب الصديقي؟. - المسرح الإغريقي هو الذي اعتمد الراوي ثم بدأت التجربة في الساحات العمومية المغربية مع شخص يحكي عن الأزلية وعن حالات اجتماعية وعن المعاش اليومي استطاع من خلالها الراوي أن يجمع حوله الناس على اختلاف مشاربهم في الساحات العمومية المفتوحة برضاهم وبقناعتهم لكي يجودوا عليه ببعض الدراهم في نهاية الحفلة، تصوّر راوي في ساحة مدينة مراكش يبدأ من الساعة الثالثة بعد الزوال ويستمر إلى الثالثة صباحًا، 12 ساعة متتالية محاط بالعشرات من الجمهور الذي يتجدد كل ساعة أو ساعتين بدون أن يحس الراوي بتغيّر الجمهور، فذات مرة جاءت فرقة فرنسية إلى مراكش فذهبوا إلى الساحة كي يشاهدوا الراوي وبعد المشاهدة ذهبوا للتسوّق وعادو إلى الساحة فوجدوا الراوي في مكانه ثم ذهبوا للفندق للعشاء ثم ذهبوا للمسرح ليقدموا عرضًا خاصًا بهم ثم رجعوا للمكان نفسه فوجدوا الراوي على الساعة 12 ليلا ما يزال واقفًا فقال أحدهم للراوي ماذا تفعل هذه طاقة كبيرة تستحق الاحترام، إذن الراوي هو مكسب كبير وليس سهلًا أن تجد راوي يستطيع بخياله وبطريقته التعبيرية البسيطة أن يثير اهتمام وتقدير الجمهور، إذن هذا الراوي بدأ المسرح به وسيستمر به وسينتهي به. * رغم ما يحققه المسرح المغربي من رواج جماهيري، لكن هذا الرواج عكسه غياب تصور احترافي للمسرح المغربي؟. - كل التجارب المسرحية في المغرب اعتمدت على تجارب أشخاص باستثناء بعض الفرق المرتبطة إداريًا إما بإذاعة أو شبيبة رياضية أو من وزارة الثقافة التي تقدم مسرحًا يساير الاستراتيجية الثقافية أو الإعلامية، إذن التجربة المسرحية كلها مشدودة بأسماء وبمبادرات فردية لأشخاص معينة ولم تبن التجربة المسرحية على مؤسسات، وبما أن المسألة مرتبطة بأفراد وبتجارب شخصية لم نتمكن بعد من الوصول لشكل احترافي ولا لبعد استراتيجي محدد للوصول لأهداف واضحة للأسف. * ما مدى فاعلية النقد في مسيرة المسرح المغربي؟. - هناك اثنان أو ثلاثة اتجاهات، نقد يحاول أن يسبق ويوجّه مسار التجربة، ونقد يواكب ما يقدم على الخشبة، ونقد يقفز على النقد الذي يحاول أن يواجه بنقد سابق والنقد الذي يتابع ما يحدث من أجل التنظير لمسرح سيأتي، وعبر هذه المستويات الثلاث أستطيع أن اقول أن النقد لا أقول بأنه لم يؤد مهمته بالعكس- في السبعينيات كان قوي جدًا ومواكب بشكل دقيق لكل الحركة، من رصد الجوانب الإيجابية والتأكيد عليها والاعتراف لها بالأهمية ومحاربة الأشكال التهريجية التي تحاول أن تُفسد حركة المسرح المغربي، فكان النقد دائمًا حاضرًا. * كيف تنظر للمسرح العربي الأن هل تراه قريبًا من قضايا المجتمع؟. - أنا لا أؤمن بمسرح العرض والطلب، أنا سئُلت عن مسرحيتي التي قدمتها هل كتبت عن ما يحدث الآن في الوطن من غليان سياسي وغيره فقلت لهم الإبداع الحقيقي دائمًا يسبق الأحداث ويلاحقها، بمعنى أنه لا يمكن للتجارب المسرحية الحاضرة الأن أن تقدم شيئا بمعزل عن المناخ العام الذي هي فيه، وطبيعة هذا المناخ تحتم وتلزم المبدع بضرورة البحث عن مضامين تتوافق مع الإيقاع النفسي والفكري والاجتماعي للمتلقي، فالمسرح بالضرورة يجب أن يعكس نبض الشارع ونبض الإنسان.