لم أصدّق المشهد لشدة وحشيته، معلّم في وادي الدواسر يعذّب جملة من التلاميذ ب"الفلكة"، والطلاب يتحلّقون حوله، بل ويطلبهم أن يشاركوا في الجرم بالإمساك بعصا تربط قدمي التلميذ ليتسنى للجلاد ضربه! مقطع بشع فعلاً وحسناً فعل الذي وضعه على "اليوتيوب" حين أشار إلى أن المقطع "غير إنساني". انتشر المقطع قبل أيام على نطاق واسع، وأصاب الناس بالصدمة من حالة التشفي التي ظهر عليها الأستاذ. الذاكرة السعودية بشكل عام محمّلة بذكريات الضرب في المدارس، لكننا ظننا أن هذا بات من الماضي، ولم نتصور أن هناك من لا يزال يجلد التلاميذ! إن هذا المستوى من الوحشية يؤكد أن الأمر يحتاج إلى محاسبة عاجلة. وأجزم أن وزير التربية والتعليم فور رؤيته للمقطع الخطير سينتصر لأبنائه الطلاب من هذا المعلم الشرس. وأتمنى من عائلة الطالب أيضاً ألا تستسلم لتكون سابقة استسلام يبني عليها بقية المعلمين المرضى والساديين مشروعية لضرب الأبناء الصغار وهم بعمر الزهور بطريقة يأباها العقل والمنطق. التعليم من أخطر المهن على الإطلاق. والمشكلة التي نعاني منها في مهنة "المعلم" عدم وجود تأهيل تربوي حقيقي قبل تسنّم هذه المهمة. هذا يعود إلى كثافة الطلاب وقلة المعلمين في فترة من الفترات. النظريات التربوية والاختبارات النفسية والتطوير الذاتي والذهني أمور مهمة للمعلم. كما أن المراقب الذي يتجوّل في المدارس عليه أن يكون بمستوى الوعي الذي يجعله يستمع إلى شكاوي الطلاب، وأن ينظر بعين مبصرة للمعلمين وسلوكياتهم. هناك نصف مليون معلم في السعودية بحسب تقرير وزارة التربية والتعليم، ومن الخطأ أن نعمم جرم معلم عليهم كلهم، لكننا يجب أن ننتقد المقصر وإن كان معلماً، تقوم ثقافتنا على احترامه وتبجيله، فلا مُبَجّل أكثر من الحق. بآخر السطر؛ الكارثة التي نقلها لنا "اليوتيوب" ليست فردية، وإنما هي نموذج لأعمال عنف وتعذيب يقوم بها "بعض" المعلمين، وأشدد على بعض، حتى لا يلومني أحد على التعميم. آن أوان تنقية المدارس من هذه النماذج غير المؤهلة وأن تتم محاسبتهم قانونياً على الجرائم التي يرتكبونها. ليس من حق أحد ضرب حيوان أو قط أو كلب أو تعذيبه، فضلاً عن أبنائنا الذين هم في سنّ الزهور، يجب ألا نتيح للمرضى أن ينالوا من أبنائنا بسياطهم، فهناك ألف وسيلة لتقويم الطلاب بعيداً عن الضرب، الذي يهشم النفسيات ويصنع الأزمات!