شهدت السنوات القليلة الأخيرة صدور العديد من المؤلفات المتميزة حول مختلف أشكال التراث الشعبي، والشيء المبهج للمهتمين بشأن التراث هو اختلاف طبيعة تلك المؤلفات عن المألوف وتنوعها بين الشعر والنثر والدراسات النقدية والتاريخية، وبالاطلاع على بعض تلك الإصدارات يمكن أن نُدرك حجم الفارق بين مؤلفات سالفة يتسم الطرح فيها بالسطحية أو العفوية وتمتلئ بالكثير من الأخطاء التي يمكن ملاحظتها دون كثير تمعن وتدقيق وبين مؤلفات حديثة وعميقة تتناول جوانب جديدة وخصبة لم تحظ بالكثير من الاهتمام إما لصعوبتها ولتطلبها لمجهود كبير، أو لحساسيتها واحتياجها لمؤلف خبير يمتلك من المهارة والشجاعة والصبر ما يجعله قادراً على إنجازها بنجاح. وخلال العقدين الماضيين انصب اهتمام الباحثين والمؤلفين على الشعر النبطي وصدرت دواوين كثيرة: منها ما يختص بشعر شاعر معين ومنها التجميعية التي تضم أشعار مجموعة من الشعراء الذين جمع بينهم عصر واحد أو مكان واحد أو خصائص فنية مشتركة، لكن معظمها لم تكن تُعنى بشيء كعنايتها بتدوين القصيدة دون اهتمام بشرح غامض ألفاظها أو التنبيه لجوانب الخلل في أبياتها وتصحيح ما يعتور بنائها من أخطاء، أما اليوم فقد طرأ تحول كبير وأصبحت الإصدارات الشعبية أكثر اكتمالاً ونضجاً وتنوعاً، ويعود الفضل في ذلك –بعد فضل الله- لنخبة من الباحثين الجادين والواعين بقيمة التراث الشعبي وبضرورة تحقيق نصوصه ودراستها والاستفادة منها، وسبق أن أشرت وأشدت بدور عدد من أولئك الباحثين كالدكتور سعد الصويان وفائز بن موسى البدراني وإبراهيم الخالدي وسليمان الحديثي وغيرهم ممن تميزت مؤلفاتهم وتحقيقاتهم بالجدة والدقة. وقد سعدت خلال الأسابيع الماضية بالإطلاع على جهود رائعة لباحثين آخرين في ميدان التحقيق أبرزها الجهد العظيم الذي قام به أستاذنا قاسم الرويس في تحقيق كتاب (يوميات الدبدبة) ل يوسف ياسين وأكد لنا من خلال هذا الإصدار براعته وتفوقه كمُحقق في ميدانه الأثير والشائك (التاريخ) إضافة إلى ما عرفنا عنه سابقاً من تميز كناقد أدبي وباحث في شؤون التراث الشعبي، وكذلك سررت جداً باقتناء تحقيق الأستاذ عبدالعزيز بن حمد القاضي لديوان (شاعر نجد الكبير محمد العبدالله القاضي) لاسيما وأن تحقيق القاضي ومجهوده الكبير يُمثل مؤشراً إيجابياً على الوعي بأهمية مراجعة دواوين الشعراء الشعبيين الكبار وتحقيقها وإخراجها للمتلقي في صورة أجمل. هذان العملان وغيرهما من المؤلفات والتحقيقات الجادة التي تسعى لاستخراج النصوص القديمة ونفض الغبار عنها ومنحها القيمة اللائقة التي تستحقها تعد إضافة نوعية للمكتبة التراثية وتستحق منا ويستحق أصحابها - الذين بذلوا فيها جهداً يفوق جهد المؤلف الأصلي - كل التقدير والإشادة.