الصداقة هي زهرة الاجتماع البشري.. الصداقة الحقيقية التي أجمع عليها القلب والعقل والموقف. وهي مشتقة من الصدق.. والصدق بكل معانيه وفي القول والفعل.. وإذا كان الزواج لقاء أرواح وأجساد، فإن الصداقة الحقيقية لقاء أرواح وعقول وبما ان (الصدق الحقيقي) نادر في دنيا البشر. وصعب الاستمرار في السراء والضراء فقد صارت العقول والقلوب في مناقشة (الصداقة والصديق) وابداء الرأي بين إقدام وإحجام ومعترف بالصداقة معتز بها ومنكر لها جاحد وجودها.. حصلت عليه وحدثت به بسبب الأصدقاء الأدعياء كما يقول حتى ظهر مصطلح شعبي حديث يسمي الأصدقاء اسماً آخر، هو الأعدقاء وهو مشتق من العداوة والصداقة معاً! والذي لا نشك فيه ان الصداقة الجيدة موجودة ولكنها قليلة.. وأنه لكي يكون لك صديق جيد يجب ان تكون أنت صديقاً جيداً. كما ان كثرة الأصدقاء غير مجدية بل ربما كانت أقرب للضرر تماماً مثل كثرة الأكل التي تصيب الإنسان بالأمراض. وهذا ما عبر عنه الشاعر المبدع ابن الرومي حين قال عدوك من صديقك مستفاد فلا تستكثرن من الصحاب فإن الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب بل ان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول فيما نسب له: الاخوان بمنزلة النار: قليلها متاع وكثيرها بوار وفي كتب التراث يتم التعبير بالاخوان عن الأصدقاء فتجد في كتب الأدب الجامعة عنوان باب ما جاء في الاخوان أي ما قيل في الأصدقاء من حكم وقصص وأمثال وأشعار وأسوأ الأصدقاء هو الصديق الأحمق فإنه يريد ان ينفعك فيضرك والمثل العربي يقول عدو عاقل خير من صديق أحمق كما ان صحبة الأحمق تشوه السمعة ويشتبه على الناس الأمر فيرون ان صديق الاحمق مثله ولو كان عاقلاً فرضاً ومع الناس حق فإن القرين يقتدي بالقرين والصديق يعدي الصديق والطيور على اشكالها تقع وشاعرنا الساخر والحكيم جداً حميدان الشويعر يقول في بيت له مشهور كل خدن بخدنه يطرب حتى الشبث والعقرب وهو على حق والخدن هو الصديق والرفيق وينهى الشعراء عن مصادقة الحمقى قال الشاعر القديم: اتق الأحمق ان تصحبه انما الأحمق كالثوب الخلق كلما رقعت منه جانبا حركته الريح وهنا فانحرق وإذا جالسته في مجلس افسد المجلس منه بالخرق كحمار السوء ان اشبعته رمح الناس وان جاع نهق أو كعبد السوء ان جوعته سرق الجمار وان يشبع فسق وبما ان الصداقة زواج الروح فإن كل زواج قابل للطلاق لذلك حذر الحكماء والشعراء من الثقة المطلقة المفرطة بالصديق ومن افشاء الأسرار الخطيرة له قال الشاعر القديم احذر عدوك مرة واحذر صديقك الف مرة فلربما انقلب الصديق فكان اعلم بالمضرة لكنه بالغ حين قال واحذر صديقك ألف مرة فنحن نقول: مرة واحدة تكفي. ويقول شاعرنا الشعبي الكبير (راشد الخلاوي) احذر عدوك في الملا فرد مره واحذر صديق السو ألف تحاط به واظنه اقتبس من الصحيح الذي سبقه لأنه يشابهه تماماً وليس مجرد مقاربة كما ان الشعراء يرون ان العدو القديم لا يصلح صديقا وان تظاهر بذلك قال الشاعر: وقد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هيا وقال حميدان الشويعر: وانا انذرك عن المقفي لا تتلف نفسك تتعبها ثم يعرج على من يظهر الود والألفة وهو عدو مبغض وانا اخبرك ترى المبغض ماهوب يوالف صاحبها واحذر مشير غشاش وده بير يرميك بها واحذر بالاصحاب بطيني انظر عينيه وحاجبها والبيت الأخير تحذير من اصدقاء المصلحة فقط وهم من يطلق عليهم الآن اصدقاء الوظيفة.. كما ينبه حميدان للصديق المنافق الذي يحسبه الظمآن ماء فإذا هو سراب وبالناس من هو للرفيق مخادع يوهم صديقه صادق بوداده كنه سراب في نهار لامع والغش ما غيره لجا بفواده ويؤكد الخلاوي ان العدو القديم لن ينقلب إلى صديق حريب جدك لوصفا ما يودك وعينه لو تبكي لك الدم كاذبه