عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى و صوت إنسان فكدت أطير يرى الله أني للأنيس لكارهٌ و تبغضهم لي مقلةٌ و ضمير . جميلةٌ جداً تلك العلاقة الإنسانية الراقية تربط بين جماعة أو اثنين. و الأجمل منها أخلاقياتها الراقية لن يكون أولها الصدق و هو مشتقٌ منها و لن يكون أخرها الوفاء . و لكنّا حين ندقق النظر نجدها تحمل في طياتها كذلك أقبح الخصال فلن يكون الغدر أولها و لا الجحود والنكران أخرها . ما الداعي لئن يقول أحدهم : و زهدني في الناس معرفتي بهم و طول اختباري صاحبا بعد صاحب فلم تُرني الأيام خلاً تسرني بواديه إلا خانني في العواقب. الكثيرون يقولون و قد لا أخالفهم " الصديق هو عدوٌ تحت التمرين " . و لذلك يقول النبي صلى الله عليه و سلم : " أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون عدوك يوما ما ". و هذا منصور الفقيه يصيح فينا بصوت النذير : احذر عدوك مرة ... و احذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصديق ... فصار أعلم بالمضرة و كما أن الحياة من طبعها الغدر و الغرر فالصداقة هي الأخرى في غالب نهاياتها كذلك بيع غرر بلا خيار. و لذلك شاع في الناس تلك المقولة الشهيرة: " حتى أنت يا بروتوس". و شاع قول إمامنا الشافعي : و لا خير في خلٍ يخون خليله و يلقاه من بعد المودة بالجفا. و الحياة مراحل و كذلك الصداقة مراحل فأصدقاء الطفولة و أصدقاء المشيب و ما بينهما سرابٌ بقيعة !!! فلو أنك أحضرت ورقة و قلماً و كتبت أسماء الأحبة القاطنين حنايا الذاكرة أو لو أنك فتحت قائمة الأسماء في جوالك و سألت نفسك لماذا كل هؤلاء هنا ؟؟ ستجيب نفسك بنفسك : لعلني أحتاج إلى أحدهم يوماً ؟؟ ليس عيباً أن تأخذنا مشاغل الدنيا بعيداً عن أصحابنا فلقد روي أن إمامنا أحمد يقول : " إن لي إخوانا أراهم في السنة مرةً هم عندي أوثقُ من أناسٍ أراهم كل يوم " . و لكن المعيب الشائن أن تكون المنفعة المتبادلة هي ذُبالة فنار العلاقة فإن جف زيتها خفت ضياؤها. و حين فتشت كتب التراث لأعرف كيف أكتشف وفاء صديقي أجابتني قائلة ً : " لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث : في نكبته , و غيبته , و وفاته " و قال أحدهم : أَخِلاَّءُ الرِّجَالِ هُمْ كَثِير وَلَكِنْ فِي البَلاءِ هُمْ قَلِيلُ فَلاَ تَغْرُرْكَ خُلَّةُ مَنْ تُؤَاخِي فَمَا لَكَ عِنْدَ نَائِبَةٍ خَلِيلُ و الآن و بعد كل هذا أجد العذر كل العذر للشاعر الأحيمر السعدي الذي أَنِسَ لعواء الذئب و فزع من صوت الإنسان فقال بيته الشهير ( عوى الذئب ) الذي استفتحت به المقالة و يقال بأنه أكثر الشعر تشاؤماً . و لكني و بالرغم من كل ما سبق لا أزال أردد بحبٍ وصفاء برغم الهجران و الجفاء لخلان المودة و الوفاء لا شَيْءَ فِي الدُّنْيا أَحَبُّ لِنَاظِرِي مِنْ مَنْظَرِ الخِلاَّنِ و الأَصْحَابِ وأَلَذُّ مُوسيقَى تَسُرُّ مَسَامعي صوتُ البَشِيرِ بِعَوْدةِ الأَحْبَابِ 1