سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د. إبراهيم الدغيري : أغلب المبدعين السعوديين ليست لديهم مشاريع.. وكتاباتهم لا تعدو أن تكون صدى لرؤى تقليدية مكررة أسباب الانطفاء المبكر لدى المبدع السعودي
كثير من المبدعين السعوديين كتبوا أجمل إبداعهم في مرحلة شبابهم وتراجعوا عندما تقدم بهم العمر فصار إنتاجهم الإبداعي أضعف وكأن تجربة الحياة لم تمنحهم إضافة حقيقية في الكتابة. وفي هذا السياق كانت هذه الرؤى لعدد من الأسماء الأدبية التي نرصد إجاباتها على السؤال التالي: بماذا نفسر تراجع المبدع السعودي في إبداعه وعدم استفادته من التجارب الحياتية ولا من تقدم العمر؟ إبراهيم الدغيري : هناك سبب عام يشترك فيه عموم المبدعين حيث ينشط إبداعهم في مرحلة الشباب وينطفئ في مراحل متقدمة من العمر بسبب عامل الزمن حيث مرحلة الشباب تزخر بالآمال والتطلعات وحب المعرفة والبحث عن الجديد ومحاولة طرح رؤى التغيير للمجتمع وللعالم، غير أن هذا التوقد والحماس يخمل أو ينطفئ حين يمر الإنسان بالعديد من التجارب التي تجعله يتخفف من الأحلام والآمال والتطلعات ويكون أكثر واقعية في التعامل مع العالم من حوله . إضافة إلى أن الإنسان في هذه المرحلة تدور به عجلة الحياة من حيث تشعبات البحث عن الرزق و الانزلاق في دوامة تربية الأولاد ومشاكل الحياة العامة . وهذا شيء مشترك بين المبدعين بشكل عام غير أنه يتأكد لدينا في المشهد الإبداعي السعودي كون أغلب المبدعين السعوديين ليست لديهم مشاريع وإنما هم هواة، وهناك فرق بين المبدع المحترف الذي يمتلك مشروعا ورؤية وبين المبدع الهاوي. إن المبدع الذي يمتلك مشروعاً تعتمل في نفسه آفاق من العطاء والتجديد والقوة الزمنية الدافعة التي تختلف بشكل كبير عن المبدع الهاوي، الذي ينقطع نَفَسه في بداية الشوط . كما أن أغلب المبدعين المنقطعين في مراحل مبكرة من العمر لا تكون لديهم رؤية فلسفية تسمح لهم بأن يعيدوا تقليب الأفكار والتنويع في الأساليب والقدرة على تمرير الرؤى الفلسفية بطرق متعددة . وبتأمل الحالة الراهنة نجد أن أغلب كتابات المبدعين السعوديين لا تعدو أن تكون صدى لرؤى تقليدية مستعارة ومكررة، الإبداع طويل المدى ضعيف في المشهد السعودي - للأسف – بسبب أن الظروف الثقافية تعاني أساساً من أزمة جمود وركود وتكرار، لا ينشط الإبداع ويستمر إلا في أجواء ملائمة تعطيه القدرة على التعالي على الواقع والبحث عن آفاق استثنائية غير تقليدية .. غير أن هذا لا ينفي وجود بعض الأسماء الإبداعية التي استمرت في العطاء منذ مرحلة شبابها إلى وقت متأخر من عمرها وهذا لا يمكن تفسيره إلا لأنها تملك رؤية ومشروعاً بغض النظر عن مدى قوة ذلك المشروع أو تماسك تلك الرؤية .. لكننا في كل الأحوال نحتاج إلى رؤى إبداعية تنمو مع المبدع ولا تكون رهينة مرحلة محدودة من العمر لأن ذلك يؤثر على تلك الرؤية سلباً بسبب عامل الخبرة الناقصة والتجربة الغضة والاستلهام الضعيف . خلود الحارثي : أتذكر قولاً لغازي القصيبي رحمه الله مفاده أن الشخص لو كتب الشعر في العشرين فهو شاب ولو كتبه في الأربعين فهو شاعر، بمعنى أن طبيعة الشباب بعنفوانه واندفاعه تحمسه للكتابة فيكتب كل ما يعتمل في خياله، وعندما يكبر في السن تزداد تجاربه وتشغله أمور الحياة ويقل حماسه، فلا يكتب في سن متقدمة غير المبدع الأصيل . هذا سبب وهنالك سبب آخر وهو قدرة التجربة وقوتها في نفس الكاتب فواحدة من أهم الأسماء الموجودة في عالم الرواية لها رواية واحدة فقط كتبتها في شبابها ولم تستطع كتابة غيرها بعد ذلك وهي مارغريت ميتشل صاحبة "ذهب مع الريح"، التي لم تأتِ بغيرها، ذلك لأنها كتبت تجربتها الشخصية التي كانت تدفعها للخروج عن طريق الكلمات ففعلت ولم تتكرر تجربة مماثلة لها في العنفوان فتحرك حس الكتابة. يحيى العبداللطيف : الحالة الطبيعية أن تكون مرحلة الشباب هي الأكثر ثراء إبداعياً فالشباب هو فصل ربيع الإبداع بيد أن القضية لا يمكن تعميمها فمثلا غازي القصيبي ظل إلى الرمق الخير يتعاطى الكتابة في أشد حالات الانكفاء الروحي حيث المرض في أشده ،نظير الثبيتي الذي تجد أن أجمل قصائده كانت في شبابه، ربما الأسباب ترجع إلى ثقافة اجتماعية عميقة لدينا في مجتمعنا السعودي إذ ما أن يصل الفرد إلى سن ال45 إلا وإرهاصات الشعور بالكهولة يتسرب إلى روحه. على العموم تظل إجابتي تفتقد إلى الموضوعية كوني شاباً، إلا أني بالمناسبة أعاني الآن من شبح الثلاثين الذي بدأ يحوم حولي والغريب أن الشعراء الشباب أصدقائي كتبوا عن الثلاثين وربما هذا مؤشر على ماذكرنا أننا السعوديين نهرم مبكرا. أمل القثامي : هذا السؤال مهم في واقع حركة العمل الإبداعي المحلي لأن هذا الأمر ملموس لكن ليس على الإطلاق فهناك من المبدعين من مازال يكتب بقوة كما بدأ من مثل الروائية رجاء عالم .لو سألنا عن سبب ضعف إنتاجهم عن البدايات فإن ذلك يعود في أغلب الظن -وأنا أتكلم عن الروائيين إلى السياقات التي تحيط بالروائي ذاته: محيطه النفسي والزمني والاجتماعي. فمثلا غازي القصيبي في روايته الأخيرة الزهايمر كان بالتأكيد أضعف من كتاباته الأخرى وهذا لايعني أن القصيبي فقد قدرته الكتابية وجمال أسلوبه أو محفزات القوة الكتابية، لا بل إن غازي حين كتبها كان هو غازي المحب للكتابة والممتلك للأسلوب القوي ذاته، إنما سبب ضعفها يعود للزمن الذي كتبها فيه وما يحيطه من سياقات أخرى مرضية فقد أحس غازي أن الوقت يسرقه فحاول كتابتها بسرعة ليتدارك الزمن فأثر ذلك على كتابته. أما عبده خال فهو في الطين أقوى بكثير من ترمي بشرر ربما يعود ذلك لنوعية الكتابة والحكاية وقربها من روح الروائي أظن أن فكرة الموت والطين كانت أقرب لعبده لذا أبدع في التعبير عنها على عكس فكرة ترمي بشرر التي ربما لم تكن قريبة من ذاته قرب فكرة وحكاية الطين. أما محمد علوان فقد كان أفضل أسلوبا وعرضا في روايته سقف الكفاية من صوفيا، ربما لأنه شاعر ويميل للشاعرية وحكاية سقف الحكاية ساعدته على عرض أسلوبه الشاعري ،وصوفيا فكرتها لا تستوعب شاعريته فأخفق فيها. بخصوص تجربة الشعراء فيما أظن أن التفاوت قد لا يتضح في شعرهم كما يتضح ذلك في أعمال الروائيين، والشعراء بصفة عامة الآن متوقفون عن العطاء الجميل إلا النادر كتجربة الوافي وبعض الشباب المتجدد.