فقدت الثقافة في المملكة أحد أركانها الذين ساهموا بصورة واضحة في تقديم فكر نير وإبداع متميز، سيبقى خالداً على مر السنين، وقد كان صدى هذا الفقد أليماً لدى جميع المثقفين والأدباء بالمملكة، وثقافة اليوم مساهمة في بث مشاعر هؤلاء المثقفين تلقت العديد من المشاركات التي عبرت بصدق عن مشاعر غياب الأديب والكاتب المبدع الدكتور غازي القصيبي. يقول الأستاذ عبدالله الخشرمي: عندما يرحل الدكتور غازي القصيبي يعني أن ترحل قامة هامة بحجم هذا الرجل، إنك تشعر في أحلك الظروف أن يعبر عنه المبدع والوطني بمعنى كلمة الفقد التي تعودنا على ترديدها كلما رحل واحد من أساطين الفكر والشعر. لكن مذاق الفقد هناك للمبدع والوطن و(الرجل الرجل) غازي القصيبي لها مذاق المرارة، لا يمكن إلا أن تعبر عن قمة الفقد في أوسع معناه وأدمى ينابيعه المجروحة برحيله. قد نختلف على شاعريته فنقول هو موهوب بمرتبة جيد كشاعر، لكنه الوطني كل الوطن حتى من خاصم وحارب القصيبي الرمز والمصلح يتفقون على أنه الوطني بدرجة امتياز مع مرتبة الشعب الأول، فهل بعد أفول هذا النجم يمكن أن تتلمس فقداً بحجم هذا الفقد. الدكتور القصيبي دخل في آخر مرحلة من العمر إلى محرقة العمل والسعودة، ولكنه آمن بما لا يؤمن به شريحة كبيرة من قطاعات الأعمال وهو أن الشباب السعودي قادر على الانخراط في مختلف الأعمال وحارب حتى آخر رمق من أجل تكريس هذه الرسالة رغم الحرب الشعواء التي واجهته. كان عمره قصيراً جداً جداً بحجم احتياجنا إليه وأثره مديد جداً جداً بحجم جيله من المسؤولين والبيروقراطيين. رحل الرمز القصيبي بعد أن كرس نفسه للانتصار في معارك عدة من أجل (كن سعودياً واشتر بضاعة سعودية) ومن أجل معالجة الأمراض المستعصية في جسد وزارة الصحة ومن أجل لملمة الشباب البائس والضائع في شوارع البحث عن العمل، ليجد شريحة كبيرة من هؤلاء، الأمل على يديه إذاً ليس بمستغرب على هذا الرجل كل هذا، فهو الذي تنازل عن كرسي الوزارة ليضعها على طبق من قصيدة تاريخية. ولأن القيادة برغم ذلك الرحيل الشهير عن كرسي الوزارة تلمست شرف نواياه وصدق وطنيته فأعادته إلى حلبتها ليكون خير من يمثل الحداثة المستنيرة وخير من يمثل كسر أنياب البيروقراطية، وخير من حارب الفساد كوزير ليسجل له التاريخ هذه الصورة الناصعة الشرف والكرامة، ونسجل نحن معشر المثقفين والمبدعين الذين كنا نعتبره خير من يمثلنا في أروقة الحكومة نسجل كم سنفتقد قامته التي يندر أن تتكرر بسهولة. شريفة الشملان: القصيبي شغل كثيراً من المناصب كما شغل الأوراق والأذواق رحم الله القصيبي الإنسان والمثقف. وتحدث الدكتور يوسف بكار قائلاً: أجزم أن رحيل الأديب العربي الكبير الدكتور غازي القصيبي، خسارة كبيرة للثقافة العربية، فلقد عرفناه شاعراً بارعاً وروائياً متميزاً وقد أثرى المكتبة العربية بجمهرة من المؤلفات وامتاز أدبه بواقعية نحن نحتاج إليها إلى جانب أنه متنوع في ثقافته متعدد الموضوعات فيما يطرح. إن في شعر الراحل غازي القصيبي مسحة وجدانية ويغلب على شعره أيضاً العاطفة الصادقة، لقد كان للأديب القصيبي - رحمه الله - اسم كبير في الوطن العربي، ورحيله مشيئة الله لا راد لها وعوضونا عنه كل خير وأسكنه فسيح جناته. وتقول الكاتبة شريفة الشملان: عندما يغادرنا إنسان بحجم د.القصيبي شاعرا أديبا كاتبا، تتذبذب الكلمات، وتبقى العبارات متعلقة بالحناجر لا ندري كيف نخرج ما بها.. القصيبي رجل شغل الكثير من المناصب كما شغل الأوراق والأذواق، لشعره نكهة المطر المبلل لرمال الصحراء، ولدوي بعضه صوت الرعد.. عشق المتنبي فتلبسه وأتت إحدى قصائده لتسكن روحه فيها. غنى للوطن وللأرض للصحراء والواحات والجزر. ابدع في الرواية وانتقل بها من رواية للأبواب المغلقة لروايات للشمس والضياء ، قد تكون صدمت هنا وهناك ولكنها ابدعت وأثرت كما أثر رواد الشعر الحر. وختمت الشملان بقولها: غازي القصيبي قد نكون اختلفنا معه في بعض المواقف، لكنه حقا محاور شجاع ومتقبل للرأي المعارض. د. حمد السويلم: تجربته الروائية والشعرية موضع اهتمام من قبل النقاد والدارسين والباحثين فقدنا القصيبي صوتا انيقا جميلا واعيا.. وفقدنا رجل إدارة وسياسياً.. نعم فقدناه ماديا لكنه معنويا مازال يتأجج معنا وبيننا في كتبه وشعره روحه عبق في كل مجال طرقه.. رحم الله ابا يارا وعفى عنه ونقاه وزاد حسناته احسانا. وغفر له ورضي عنه وأرضاه.. من جانبه قال الدكتور حمد السويلم: لاشك أن وفاة المواطن والأديب والشخصية الاستثنائية معالي الدكتور غازي القصيبي يمثل فاجعة مؤلمة للوطن، ورحيله – رحمه الله - خسارة كبيرة مني بها الأدب العربي كله فهو - تغمده الله بواسع رحمته - كان يمثل قامة أدبية وشعرية شكلت في إبداعها لوناً خاصاً ونمطاً مميزاً في إبداع القصيدة الغنائية بلونها الرومنسي العذب. وكتابة الرواية الواقعية الناضجة، والسيرة الذاتية الرائعة. والمجتمع الأدبي السعودي، وهو يتلقى نبأ هذه الفاجعة يشعر بحزن عميق بفقد شخصية أدبية تبوأت مكانة مرموقة في المشهد الأدبي والثقافي المحلي والعربي. حيث يعد الفقيد من الأصوات الشعرية المائزة في كتابة القصيدة الغنائية التي تحمل رؤية واسعة للحياة والموت. وتعد تجربة الشاعر الراحل مع الحزن والموت من التجارب المميزة في المشهد الشعري العربي، إذ نحا في كتابته الإبداعية نحو النغم الصوفي الحزين، خاصة في ديوانه "حديقة الغروب" ذلك الديوان الذي لم يرث فيه أحباءه وأصدقاءه فحسب وإنما رثى فيه نفسه كذلك، لقد رسم ملامح الموت بحروف قصائده المؤلمة والمؤثرة. وأضاف السويلم: وكانت تجربة القصيبي الروائية والشعرية ومازالت موضع اهتمام من قبل النقاد والدارسين والباحثين. حيث تناول الأستاذ أحمد اللهيب صورة المرأة في شعره وتناول الأستاذ عبدالعزيز السليم أنماط السرد في رواياته، وهناك دراسة عن ظاهرة الحزن في شعر القصيبي. وقد أرشدت أحد طلابي لدراسة ظاهرة الموت في شعر القصيبي وهو بصدد تسجيل هذا الموضوع في جامعة القصيم. وهناك دراسات أخرى يضيق المجال عن سردها. وأجزم أن نتاج القصيبي لا يزال بحاجة إلى دراسات متعددة تضيء جوانب عبقريته الإبداعية. وختم السويلم بقوله: إن وفاة الأديب غازي القصيبي فاجعة عظيمة، وفقده سوف يترك فراغا كبيرا في حياتنا الأدبية.. وفي هذا المصاب الجلل أتقدم بخالص التعازي وأصدق المواساة إلى أبناء الفقيد وأهله وذويه سائلا المولى عز وجل في هذا الشهر الكريم أن يغفر له ويتغمده بواسع رحمته، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان "إنا لله وإنا إليه راجعون". أما الشاعر براهيم مضواح فقال: لا أوافق أولئك الذين يقولون: لا عزاء لنا بفقد الراحل العزيز غازي القصيبي، فإن عزاءنا فيه بيِّن، وأول ما نعزي به أنفسنا لفقد هذه القامة الباذخة، إنه سار على درب يفضي إلى جوار ربٍ كريم، جوارُه خيرٌ من كلِّ جوار، ثم نعزي أنفسنا فوق ذلك بأن الراحل الذي عاش بحساب السنين سبعين سنة - كان خلالها ملء السمع البصر- قد عاش بحساب المنجزات أضعافها، فلم تكن حياة القصيبي حياةً واحدةً بل حيواتٌ عديدة، اكتنفها شخصٌ واحدٌ مات كما يموت الناس، ولكنه بمنجزاته سيبقى حاضراً، برغم السنين والأيام، وبرغم آفة النسيان؛ فلو أن أحداً تتبع حياة القصيبي الأكاديمي لوجده نموذجاً متميزاً، دارساً، ومدرساً، وعميداً، ومحاضراً. ولو تتبع أحدٌ حياة القصيبي الوزير لوجده قضى جزءاً من حياته وزيراً، في أربع وزارات، تحمَّل أعباءها، وعمل على إصلاحها، وتطوير نظامها، وتحمل في سبيل ذلك ما لا يطيقه غيرُه. ولو تتبعنا حياته الدبلوماسية لرأينا كيف كان خير سفير لبلده، مثَّلها خير تمثيل، في غير بلد. وعندما نتناول حياة القصيبي الشاعر، وإنتاجه الشعري، فسنجد أنفسنا إزاء شاعر رائد، يمثِّل علامةً فارقةً في مسيرة الشعر السعودي، بل والعربي، من خلال نتاجه الشعري الأصيل، الذي عالج كل أغراض الشعر، برشاقة وجزالةٍ وشفافية، وذلك ما عجز عنه بعض مجايليه المنقطعين لحرفة الشعر. ويضيف مضواح: أما في عالم الرواية، فقد كان الروائي الأول الذي شق ب (شقة الحرية) الطريق لكل الذين خاضوا التجربة الروائية من بعده، فهي علامة فارقة، بين ما قبلها وما بعدها، ولا أشك في أن (شقة الحرية) هي التي مهدت لما جاء بعدها من زخم روائي، في الساحة الثقافية السعودية. وإذا تتبعنا حياة القصيبي المثقف الوطني التنويري، لوجدنا أنفسنا إزاء رجلٍ حارب بقلمه ولسانه، وفكره، في سبيل تنمية وطنه، ومحاربة الجهل والمرض، والتخلف، والفساد. ويعازينا أيضاً في فقيد الوطن والأدب، أننا نقف إزاء مشعلٍ لم يكن يضيء للحاضر والماضي فحسب بل جاوز ذلك فكان مشعلاً للمستقبل أيضاً، من خلال بذل تجاربه الموثقة في كتبه ومقالاته السيرية، لكل مريديه وقرائه، وذلك ما ستفيد منه الأجيال المتعاقبة، وما سيبقيه خالدَ الذكر في ذاكرة الأجيال. وختم مضواح بقوله: ولأن الرائد لا يكذبُ أهله، كما تقول العرب، فقد جرّتْ طلائعيته وريادته التنويرية عليه الكثير من المتاعب، حتى أن أول ما خطر لي وأنا أتلقى نبأ رحيله قولُ الشاعر: أرحْ كبداً حَمَّلْتَها كُلَّ فادحٍ *** من الهمِّ يُعيي الشُّمَّ لو كُنَّ أكْبُدا رحم الله فقيدنا القصيبي الذي وصف السبعين، بما لم يجاوز الحقيقة، حين قال: جاءتكَ حاسرة الأنياب.. كالحةً *** كأنما هي وجهٌ سلَّه الأجلُ أجل يا عاشق المتنبي، ها هي نبوءتك تصدق، وها هو الأجل ينتصر، وكيف لا ينتصر وسيفه السبعون؟! من ناحيته يرى الشاعر المصري سمير فراج أن الشاعر الدكتور غازي القصيبي هو أحد أهم المؤسسين للقصيدة السعودية الحديثة التي أصبحت بحيازتها تجربته تقف في الطليعة. حقن القصيبي الشكل التقليدى بحداثة وجدة وشحنه بلغة قوية قادرة على تحمل الإيحاء. براهيم مضواح: القصيبي مشعل لم يكن يضيء للحاضر والماضي فحسب بل جاوز ذلك فكان مشعلاً للمستقبل وأضاف فراج قائلاً: إنها قائمة قصيرة جدا تلك التي تحوي أسماء المبدعين العرب الذين استطاعوا أن يحققوا المعادلة الصعبة بالمحافظة على الشكل التقليدي للقصيدة وتطويعه لاستيعاب التجربة الآنية بكل تعقيداتها. يتصدر اسم الشاعر غازي القصيبي هذه القائمة فيما يختص بالقصيدة السعودية وتعتبر أعماله الشعرية:(معركة بلا راية) و(أشعار من جزيرة الؤلؤ) و(الشهداء) وغيرها حلقة هامة من حلقات تطور القصيدة السعودية الحديثة، تأتي –زمنيا- بعد تجربة حمزة شحاتة لتكتمل ملامح التجربة الشعرية السعودية ليس فقط على المستوى العربي بل تتجاوز ذلك الأفق إلى آفاق أكثر رحابة واتساعاً.. علي الحازمي: قيمة فنية وجمالية وروح أدبية كانت تقف خلف أعماله المتميزة وختم بقوله: امتلك القصيبي صوتا شعريا شديد الخصوصية له قدرة على الولوج إلى نفس القارئ مستفيدا من تكنيكات الفنون الأدبية الأخرى خاصة الرواية لإكساب قصيدته نزعة دراماتيكية. كما يصح القول إن نجاحه كروائي يرجع إلى هذه القدرة الخاصة على التصوير الشعري داخل فضاء السرد الروائي. من ناحيته قال الأستاذ علي الحازمي: رحم الله الشاعر والروائي الكبير الدكتور غازي القصيبي، بلا شك رحيل شاعر وروائي بقامة القصيبي يعد خسارة فادحة للثقافة المحلية والعربية معا، تألمت كثيرا لنبأ وفاته الذي وصلني قبل قليل عن طريق أحد الأصدقاء، القصيبي الذي شغل الساحة الثقافية بمؤلفاته الرائعة يعجز الموت بكل تأكيد عن تغييب القيمة الفنية والجمالية لإصداراته عن أجيال جديدة من القراء ستظل تدين بالكثير من الدهشة والجمال لتلك الروح الأدبية التي كانت تقف خلف هذه الأعمال المتميزة.. ألف رحمة عليك.. أبا يارا. يوسف بكار ابراهيم مضواح سمير فراج علي الحازمي