تظل التربية الاجتماعية والذاتية، ومخزون الوعي والثقافة، ومكتسب القيم والأخلاقيات الجيدة عند الإنسان، عوامل محصنة له من الانزلاق في الأخطاء، والخطايا المسلكية على صعيد المسؤولية الاجتماعية، وأمانة الوظيفة، والتعامل مع منجز الوطن في بناه الاقتصادية، والتنموية، وهي عوامل مؤثرة بشكل كبير في الشعور بمعنى الهوية، والانتماء، والإحساس بقيمة الإرث الجغراسي، وبالتالي تأصيل الصدق في التعامل مع كل قضايا الوطن، وصيانة مكتسباته، والدفع بكل توجه يخدم تطوره، وتكامل قطاعات تنميته، وتسييج فضائه الاجتماعي من كل الداءات، والأوجاع، والأمراض السلوكية ليعيش سوياً، مشرقاً، متحفزاً نحو صياغة مستقبلاته على كل الصعد. ولعل الانهيارات الاجتماعية، وتفشي الخلل، وما هو أمراض تنخر في الجسم الاجتماعي، وتُعيق التنمية، إن لم نقل تسقطها، وتشل كل توجه يرنو إلى الحداثة، وإحلال الوطن في مكانته المؤثرة والفاعلة، هو غياب التربية والثقافة الوطنية في بعض الطيف الاجتماعي، وانعدام الشعور بالوطن كقيمة وهوية وانتماء وإرث ومكتسب نضالي كان طريق تأسيسه وتوحيده مزروع بالمسامير الحادة، وتشابك حالات وانفعالات ظروف اختلطت فيها الدموع، والإحبطات، والانتصارات، والفرح، والحزن، حتى تحقق هذا الكيان الشامخ والمتماسك من مياه الخليج العربي شرقاً حتى سواحل البحر الأحمر غرباً. والخلل في التربية التي يشارك في صياغتها، وتأصيل قيمها جهات كثيرة منها البيت، والمدرسة، والمجتمع، والنظم والقوانين التي تحدد التعاملات بين الفرد والوطن والمنجز، الخلل هذا يجعل الإنسان هشاً ضعيفاً ليس عنده الممانعة والتحصين والقوة المفترضة، فإذا استطاع المخالفة، أو القيام بعمل غير قانوني، أو الاستيلاء على ما هو ليس حقاً له، أو العبث بما هو حق عام، أو الحصول على مكاسب شخصية، أو ارتكاب خيانة من نوع ما للأمانة والمسؤولية فسيفعل ذلك دون تردد، بل دونما شعور بتأنيب ضمير، أو خجل من ممارسة سلوك هابط، لأن انعدام الحس التربوي الذي يجعل الوطن والأمانة قيمتين مهمتين يتحدد من خلالهما مدى أن يكون المواطن مواطناً حقيقياً يعتز بهويته وانتمائه، وتراب أرضه. إن كسر القوانين، والقفز فوقها إذا كان الشخص ذا مكانة اجتماعية كبيرة، ونفوذ قوي، أو المرور من تحتها إذا كان لا يتمتع بأي قدرة أو نفوذ، هو حالة ثقافة اجتماعية متدنية في التعامل مع القوانين والنظم الاجتماعية والمؤسساتية، وبالتالي مع الوطن ومنجزه الحضاري، وتدمير كامل لمفاهيم المؤسسات التي تقونن وتنظم كل العلاقات مع الدولة ومع مضامين الحياة، وجهود التنمية، وليس لنا أن نخلط بين أن يكون الخوف من العقاب هو الحافز في تجنب الإنسان الخطأ، وبين أن تكون ثقافة احترام القانون، والتقيد بالنظام، والشعور بعمق المواطنة والحرص على مكتسبات وإنجازات الوطن هي الدافع لرفض الخلل، وتحصين ثروات الوطن من العبث، وممارسات الفساد. إن الشعوب المتحضرة هي التي تمارس مواطنتها كسلوك وفعل وثقافة وحياة، وتحافظ على الوطن كمكتسب وانتماء.