ما أصعب أن تكتب العزاء في فقد عزيز قريب، ولكن الراحل الذي أكتب عنه اليوم هو قبلان السليمان القبلان (أبو سليمان) ولا أكتب عنه لأنه ابن عم ولكن لأنه أنموذج في العطاء الإنساني، والكرم الأخلاقي والعمل المستمر المحاط بالصمت، نجح في عمله بكفاحه، وعزيمته، وتميز في علاقاته الإنسانية بصدقه وعضويته وتواضعه، وتواصله مع الجميع، ومشاركاته في الأفراح والأتراح، وأعماله الخيرية. أما كأب فقد أحسن التربية. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). الحمد لله أن الفقيد المرحوم بإذن الله كان إنساناً حفلت حياته بالعطاء، والعمل الصالح، والعلم النافع، والتربية الإسلامية لأبنائه الذين هم والحمد لله خير خلف لخير سلف. ولم يبخل علينا الفقيد وهو يغادر هذه الدنيا الفانية بدرس ذي مغزى فقد جاء في وصيته أن العزاء يكون في المقبرة فقط. وكأني بالفقيد أراد توجيه رسالة إلى الذين يغالون في تنظيم مناسبات العزاء، وكأنه أراد أيضاً أن يخفف العبء على المعزين ومتقبلي العزاء، وفي تلك الرسالة ما يعكس شخصية الفقيد التي تتسم بالتواضع والبعد عن المظاهر. لقد نبهتنا وأنت تودعنا كيف أن البعض يحوّل مناسبات العزاء إلى مظاهر استعراضية فيها تكلف وتبذير، حتى تكاد المناسبة تتحول إلى مناسبة فرح بما يصاحبها من تجمع، وولائم، وسجاد، وإضاءة.. الخ. وأصبح هناك شركات لتنظيم مناسبات العزاء (أحيل القراء إلى تحقيق عن المظاهر الاستعراضية في مناسبات العزاء والممارسات التي ليس لها أصل في الشرع، نشر في جريدة «الرياض» من إعداد الزميلة نورة الحويتي). وفي هذا التحقيق يذكر الشيخ الدكتور عبدالعزيز العسكر أن «مناسبة العزاء ليست مجالاً لإطعام الطعام للمعزين أو إقامة الولائم التي تشابه ولائم الأفراح كما هو الحال اليوم عند كثير من الناس بل إن الأصل الشرعي هو تقديم الطعام لأهل الميت من باب إعانتهم على مصيبتهم». شكراً أبا سليمان فقد قدمت لنا حتى وأنت تودعنا درساً في عدم الانقياد وراء بعض العادات التي قد نبالغ فيها إلى درجة تصبح فيها من الممارسات المخالفة للشرع.. اللهم اغفر له، وارحمه برحمتك يا رب العالمين، اللهم أكرم نزله وأدخله الجنة وألحقه بالصالحين. العزاء لكافة أفراد الأسرة، ولأبنائه واخوانه وأقاربه وأصدقائه وكل من عرفه. سوف نفتقدك كثيراً يا أبا سليمان، الجميع سوف يتأثر برحيلك وإن كان قلبي مع رفيق عمرك وصديقك وشقيقك الرائع (أبوطارق) اللهم أعنه وأعن الجميع على فراقك (إنا لله وإنا إليه راجعون).