كنت قد حبّرت مقالا وبعثت به للنشر، لكن ما وقع مساء الاثنين الماضي، من وفاة لشقيق والدي العم عبدالله بن محمد صالح القش (رحمه الله) في محافظة ينبع، جعلني أتأمل في التعزية في بلادنا ومظاهرها وما طرأ عليها، فمن المعلوم أن التعزية في المصاب مشروعة في الإسلام، بها يصبّر أهل الميت، يجدون فيها تسلية لمصابهم وتقوى بها قلوبهم فيتحمّلوا ما مر بهم من آلام المصاب. ومجتمعنا يسارع إلى تعزية أهل الميت بمجرد سماع نبأ الوفاة، فتجدهم يبادرون إلى فعل كل ما من شأنه تخفيف وقع المصيبة، من كلام طيب، وعمل وليمة لأهل الميت، وهي سنّة حث عليها الشرع المطهّر (اصنعوا لآل جعفر طعاماً , فقد أتاهم ما يشغلهم)، وهذا يعني - قطعا- في وقت شغلهم فقط! ورتّب الإسلام على التعزية أجرا عظيما يقول عليه السلام:(من عزّى أخاه المؤمن في مصيبته كساه الله حلة خضراء يُحبر بها يوم القيامة ) وقال:(من عزى مصاباً فله مثل أجره) إلى غير ذلك من الأحاديث. والمتأمل يجد أن المجتمع قد بالغ في أمور التعزية، حتى بات البعض لا يفرّق أحيانا بينها وبين مظاهر الفرح (الأعراس) ، حيث الأنوار الكثيفة والفرش الكثيرة والولائم الفارهة، إلى غير ذلك من الأمور. والمفترض أن يكون هناك فوارق بين المناسبتين؛ فمن غير المعقول أن يصل التشابه حدا لا يمكن قبوله، ومن غير المنطق ما يجري أحيانا في التعزية ومن ذلك: - بالغ البعض في مراسم العزاء ، حتى استأجروا قصور الأفراح، بحجة أن منازلهم لا تسع المعزين، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا، إذ أن الاجتماع للتعزية في حد ذاته محل نظر عند أهل العلم، وأقل ماورد فيه الكراهة. - مظاهر البذخ في الولائم باتت واضحة للعيان، وقد حضرت مرة وهالني أمر الولائم ، ودفعني الفضول حينها إلى السؤال عن مقدار ما يتم تقديمه يوميا، وكانت الإجابة أنهم يقدمون يوميا 24 رأسا من الأغنام بعد طهيها، بل وصل الأمر إلى تقديم أمور ترفيهية يستنكف القلم عن ذكرها. - مما يؤسف له هو أن الناس وهم في مكان العزاء(وأحيانا أخرى وهم في المقبرة) يتحدثون بأمور الدنيا، بل وتسمع أحيانا ارتفاع الصوت بالضحك إلى درجة ممجوجة، وهو أمر محزن؛ فلكل مقام مقال. - يبالغ البعض في نشر خبر التعزية ابتداء، ومن ثم شكر المعزين بعد انتهاء أيام العزاء، وقد يدفع مبالغ تصل إلى مئات الألوف، ولا شك أن التصدق بتلك الأموال أولى وأنفع. - من المضحك المبكي أن يقوم بعض أهل المصاب بإعداد الطعام بأنفسهم، وقد عرفت أناسا يتحملون تكلفة جميع ولائم العزاء لجميع الأيام، مما يجعل المصيبة مصيبتين، والبعض الآخر يجعل اليوم الأخير فقط على أهل الميت في مفارقة عجيبة، والمفترض الابتعاد عن كل هذه المظاهر، فهي لم ترد نصا ويرفضها المنطق السليم. إن التعزية يفترض تبسيط أمورها، وأخذ العبرة من الوفاة، والابتعاد عن كل ما من شأنه الاقتراب من الفرح والابتهاج، فالولائم وقصور الأفراح، وإعداد الأماكن الكبيرة لاستقبال القادمين هي أقرب للفرح منها للتعزية. والمرجو أن يعيد العقلاء النظر في هذه المظاهر، وأن يبادر الحكماء لكبح جماح هذه المحدثات،وأن يضعوا كل أمر في نصابه، فلا إفراط ولا تفريط، والله من وراء القصد. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (68) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain