تكاد مفردة (أخلاق) أن تختفي من قاموس حياتنا المعاصرة. حل محلها مفردات أخرى ليست مكان حديثي اليوم. في الماضي كُنا نُردد كلمة أخلاق كثيراً أما اليوم نادراً ما يستوقفنا موقف نردّه إلى سوء أو حُسن الأخلاق بعد أن اختلطت المفاهيم. رغم أن التعريفات للمفردة كثيرة ومتشعّبة إلاّ أن الجميع يحوم حول السجايا والطباع الحسنة التي تصبغ معايير سلوك الفرد. في ركضنا اليومي يستحيل العيش دون علاقة من أيّ نوع مع بقيّة أفراد المجتمع وبالتالي لا بد من ضوابط غير القوانين والأنظمة تحكم هذه العلاقة أو ذلك الاحتكاك. إنها ذلك الطقم من المعتقدات والمثاليات المحبوكة في نسيج سلوكيات الفرد مع الآخر. إنها الأخلاق. شخصياً لا يشغلني مظهر الشخص وطريقة لبسه ولباسه أو قصّة شعره أو الإكسسوارات التي يستخدمها إنما ما يهمّني جداً شخصيته الحقيقية الثابتة التي تظهر أثناء تعامله مع الآخر. الآخر هو الأب والأخت والأخ وابن العم وبنت الجيران والمعلّم وعاملة المنزل وعامل النظافة ولاعب كرة القدم الخصم إلى آخر القائمة. دعونا نستلّ طريقة المُناداة على سبيل المثال لكي نسترشد بها حيث إنها فاتحة بدء أي علاقة بين البشر بعد إلقاء التحيّة هذا إذا كان هناك من تحيّة لدى البعض هنا في مجتمعنا..! ياء النداء لا مشكلة فيها فيما أحسب ولكن ما بعدها هو الكاشف الذي أعنيه. البعض يقول للآخر (يا هيّه) وأحياناً بلا ياء والبعض الآخر يقول (أنت يا) ثم يعقبها بالأمر. البعض يقول (يا ولد) حتى ولو كان المنادى أكبر من المُنادي. في بعض المناطق ينادي الرجل أهل بيته بالقول (يا هيش) ولا أعرف لها أيّ معنى..! مُناداة المرأة أيضا فيها الكثير من الغِلظة وقلّة التهذيب لدرجة أننا نسمع جُملة (غطي وجهك يا حُرمة) وأحيانا كثيرة (يا مرة) سواء أكانت سيدة أم آنسة فهن (حريم) في نظرهم. أسوأ ما يمكن سماعه أثناء المُناداة حين تُلصق صفات جسديّة بعد ياء المخاطبة قد لا يستسيغها المُنادى مثل ( يا دب) أو (يا أصلع) أو (يا قزم) الخ. هذه الأساليب في العلاقة مع الآخر تعتبر في كثير من المجتمعات المتحضرة مرجعية ثقافية لا يمكن التنازل عنها . يبدأون بالتحيّة ثم يُردِفونها بالرجاء مثل (لو سمحت/ تكرّمت) أو (من فضلك أرغب في الحصول على كذا وكذا) وحين تلبية الطلب يختمون الموقف بالشكر. هذه السجايا هي العنوان الرئيس لأخلاق أيّ أمّه فما هو العنوان العريض الذي ترونه لأخلاقنا؟