وأما المواضع التي يتعين فيها كسر همزة (إنَّ) فإنها عشرة، وهي: أولاً: إذا وقعت في ابتداء الكلام حقيقة، نحو: {إن الله غفور} أو حكماً نحو: {كلا إن الإنسان ليطغى}. ثانياً: إذا وقعت بعد القول الذي لا يتضمن معنى الظن نحو: {قال إني عبدالله}. ثالثاً: إذا وقعت مع ما بعدها جواباً للقسم نحو: (والله إنك لصادق). رابعاً: إذا وقعت صدر الجملة الواقعة صلة الموصول نحو: (جاء الذي إنه مجتهد). خامساً: إذا وقعت مع ما بعدها حالاً نحو: (قصدته وإني واثقٌ به). سادساً: إذا وقعت بعد (حيث) أو (إذْ) نحو: (وحيث إني رجلٌ سيئ الحظ حين أقرأ بعض المقالات التافهة) ونحو: (سكتُّ إذْ إنك ساكتٌ). سابعاً: إذا وقعت مع ما بعدها خبراً عن اسم ذاتٍ أو صفة له نحو: (سليم إنه كريم). ثامناً: إذا وقعت بعد عامل عُلّق باللام نحو: (علمت إن خليلاً لمحسن). وقد أوصلها بعض النحويين إلى ثلاثة عشر موضعاً، ومن النحويين من يجيز إضافة (حيثُ) إلى الاسم المفرد. وقد استشهد الكسائي بقول الشاعر: ونَطعنُهم حيث الكُلى بعد ضربهم ببيض المواضي حيثُ ليِّ العمائم واستشهد ابن عقيل بقول الشاعر: أما ترى حيثُ سهيلٍ طالعا نجماً يضيء كالشهاب لامعا بكسر اللام في سهيل وتنوينها، ويعرب بعضهم (حيث)، فيقولون: من (حيثِ)، فيجرونها بحرف الجر. فإذا قبلنا إضافتها إلى المفرد، صح لنا فتح همزتها بعد (حيث) لسد المفرد مسدَّها، مع أن فتح همزة (أن) بعد (حيث) جاء خطأ مطبعياً في كتابي، (بارك الله فيك). ويقول الابن ظافر: في الصفحة ذات الرقم (226) ذكر المؤلف في الحاشية قول عبد يغوث: وتضحك منّي شيخة عبشميةٌ كأنْ لم ترى قبْلي أسيراً يمانيا وذكر شذوذه نحوياً على رواية إسناد الفعل (ترى) إلى ضمير الغائب، إلا أن هناك رواية أخرى أسلم وأقوى، وأقرب إلى البلاغة، وأولى بقصيدة مثل تلك القصيدة الرائعة، وفيها إسناد الفعل (ترى) إلى المخاطبة وذلك على طريقة الالتفات.. إلى أن يقول الابن ظافر: ولست هنا مخالفاً للمؤلف فيما جاء شاذاً عن القواعد والأصول النحوية (وهذا البيت ليس منها على هذه الرواية المفعمة بالإبداع) بل أؤيده في ذلك، وإنما أردتُ بيان فائدة في البيت، وأنه لا يُلقى جانباً ويهمل، بل إن موضع الشذوذ الذي ذكره المؤلف، هو موضع الحسن في البيت، متى ما نظر إلى الرواية الإبداعية المنقولة عن كتب التراث. وأقول للابن ظافر: ليست الرواية التي تصف سلامتها رواية موثقة، منسوبة إلى راو بعينه كالأخرى (كأن لم ترى) المنسوبة إلى الراوي المفضل الضبي، أما الرواية الأخرى التي تذكرها، فذكرها ابن جني ب (يُنْشد)، ولعل أول من صرَّح بكونها رواية، ابن السيد في (الحلل)، والأظهر كونها توجيهاً لا رواية، ولو صحت وثبتت رواية، فإنها تهبط بالشعر، وليست أقرب إلى البلاغة. ويذكر علماء النحو وجهين في رواية هذا البيت: أحدهما: أنْ يكون الشاعر أثبت الألف ضرورة، كما قال الراجز: إذا العجوزُ غضبتْ فطلِّقِ ولا تَرضَّاها ولا تملَّقِ والثاني: أن يكون على لغة من يقول: (راءَ) مقلوباً من (رأى) على مثال (خاف) (فجزم) فصار: (لم ترأْ) على مثال (لم تدَعْ) ثم (خُفّفت) الهمزة فقلبها ألفاً لانفتاح ما قبلها كما يقال في قوله: (قَرأ) (قرا).. وانظر ابن يعيش، والحلل لابن السيد، وابن جني في (سر صناعة الإعراب). وينظر تعليق الشيخين: أحمد محمد شاكر، وعبدالسلام محمد هارون، على قصيدة: عبد يغوث بن وقّاص الحارثي في كتاب (المفضليات) للمفضل الضبي. وجزى الله أشياخك من علماء البلاغة الذين لقّنوك الالتفات ومواقعه وأسراره ولطائفه، وآمل أن تكون ملماً بأكثر ما لقّنْتَ، إذْ لم يحالفك التوفيق في حمل بيت عبد يغوث الحارثي، على الالتفات المزعوم، فإنه يحط بشاعرية البيت المذكور، ويطامن من كبرياء الشاعر. ويقول الابن ظافر: بالعودة إلى الصفحة ذات الرقم (321) نرى المؤلف يأخذ على الشاعر وصفه للود بأنه (هراء)، وليس في هذا الوصف خطأ، بل هو جائز، ونحوه ورد في كلام العرب، من ذلك قولهم: زيد رجلٌ عدْلٌ، ورجلٌ صدْقٌ، إذا أرادوا المبالغة في وصفه بمضمون تلك الصفات، لأن العدل صفة للفعل أو القول، وكذلك الصدق صفة للقول، فأما الإخبار عن الرجل، أو وصفه بأنه عدل، وأنه صدق، فهو مبالغة في الوصف، وتقديره رجل ذو عدْل، ورجل ذو صدق، كذلك حين يوصف الود بأنه هراء، فإن الشاعر أراد أن يبين أن الود الذي يتحدث عنه كلام لا فعل معه، ثم بالغ فجعل الصفة التي هي (الهراء) مكان الموصوف، وهو الكلام، فأخبر عن الود بالهراء، ليفيد أنه حتى الكلام منه لا قيمة له، فكيف بالفعل. وأقول للابن ظافر: من ضعف الحس باللغة أن كلمة (هراء) ليست مصدراً مثل (عدْل) و(صدْق) اللذين يخبر بهما عن ذات، على تأويل: ذا عدل وذا صدق، أو: عادل وصادق. فهل يرضى ابننا الفاضل أن نقول لشخص ما: ودّك هارئ. يقول الابن ظافر: في الصفحة ذات الرقم (378) قال المؤلف: المجاز معروف عند من ألّم بشيء من علم البلاغة، ثم ذكر أن الشواهد المجازية المعروفة تنحصر في المجاز المرسل، والمجاز العقلي، وسأكتفي هنا بسؤالين أوجههما للمؤلف، وهما: ما حد الشيء من البلاغة الذي إذا ألَمَّ به أحد صار المجاز معروفاً عنده؟، وأين تضع الاستعارة؟، في جانب المرسل، أم في جانب العقلي؟ وأقول له (عفا الله عنك): العرب تستعمل المجاز لأنه دليل فصاحتها، وبه فاقتْ لغتها لغات غيرها من الأمم، وهو مصدر (جزتُ مجازاً) مثل: (قمتُ مقاماً) و(قلتُ مقالاً). وقال ابن قتيبة (رحمه الله): لو كان المجاز كذباً لكان أكثر كلامنا باطلاً، لأنّنا نقول: نبت البقْل، وطالت الشجرة، وأينعت الثمرة، وأقام الجبل، ورخص السعر. ونقول: كان هذا الفعل منك في وقت كذا، والفعل لم يكن، وإنما يكون. ونقول: كان الله، وكان بمعنى حدث، والله قبل كل شيء. وقال ابن قتيبة (رحمه الله) في قول الله عز وجل: {فوجدا فيها جداراً يُريدُ أن ينقضَّ فأقامه} لو قلنا لمنكر هذا، كيف تقول في جدار رأيته على شفا انهيار؟، لم يجد بداً من أن يقول: يَهُمُّ أن ينقضَّ، أو يكاد، أو يقارب، فإن فعل، فقد جعله فاعلاً، ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى في شيء من ألسنة العجم إلا بمثل هذه الألفاظ. انتهى ما قاله ابن قتيبة (رحمه الله). وأقول للابن ظافر: التشبيه داخل تحت المجاز، ويطول شرح هذا الباب. وأما الاستعارة فهي أفضل المجاز، وهي من محاسن الشعر إذا جاءت حسنة، ومن مساوئ الشعر إذا جاءت نابية مستهجنة، يعافها الذوق، ومن أحسن الاستعارات قول طُفيل الغنوي: فوضعتُ رحْلي فوقَ ناجيةٍ يقتاتُ شحْمَ سنامها الرحْلُ فجعل شحم سنام الناقة قوتاً للرحْل. وهذه استعارة قال عنها علماء البلاغة: كأنها حقيقة، وأقبح الاستعارات وأهجنها وأمقتها، قول عبدالله بن المعتز، وهو من أنقد النقَّاد، يقول ابن المعتز: (كلُّ وقْتٍ يبولُ زُبُّ السحاب) وقال أبو الفتح عثمان بن جني: «الاستعارة لا تكون إلاَّ للمبالغة وإلاَّ فهي حقيقة». وعند العرب أسماء كثيرة، تجد اللفظة منها تحمل معاني عديدة، والاستعارة كثيرة في كتاب الله عز وجل، كقوله تعالى: {لما طغى الماء} وقوله: {ولما سكت عن موسى الغضب}، وقوله: {يا أرض ابلعي ماءك}، وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ربّ تقبَّلْ توبتي، واغْسلْ حوْبتي» فما أحسنَ وأجملَ غسْل الحوبة. وقال علماء البلاغة: أول استعارة وردت في شعر امرئ القيس، في قوله: وليل كموْج البحْر أرْخى سدولَه عليَّ بأنواع الهموم ليبْتلى فقلتُ له لمَّا تمطَّى بصُلْبه وأرْدفَ أعْجازاً وناءَ بكلْكلِ فاستعار لليل سدولاً يرخيها، وصُلباً يتمطَّى به، وأعجازاً يُردفها، وكلْكلاً ينوء به. ويقول علماء البلاغة، المجاز: ما استعمل من لفظ في غير ما وضع له، لعلاقة قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي، فإذا كانت العلاقة المشابهة، فالمجاز استعارة في الجانب العقلي، وإلاَّ فهو مجاز مرسل، والكلام يطول في هذا الباب. ويقول القزويني (رحمه الله): الضرب الثاني من المجاز الاستعارة، وهي ما كانت علاقته تشبيه معناه، بما وُضع له، وقد تُقيَّد بالحقيقة لتحقق معناها حساً أو عقلاً. ثم ذكر بعد ذلك أن الاستعارة مجاز لغوي، ثم قال: والدليل على أن الاستعارة مجاز لغوي، كونها موضوعة للمشبه به لا للمشبه، ولا لأمر أهم منهما، فإنه موضوع للسبع المخصوص، لا للرجل الشجاع، ولا للشجاع مطلقاً. والاستعارة مجاز عقلي، بمعنى أن التصرف فيها في أمر عقلي لا لغوي. وأفاض الشراح في ذلك. ومما لا يزال يقرؤه أبناؤنا طلاب المدارس، ما رأيته في كتاب إحدى حفيداتي بالصف الأول الثانوي، صفحة 63 من مقرر الفصل الأول: «والمجاز نوعان، منه نوع لا يبنى على التشبيه، ويسمى المجاز المرسل، ومنه نوع يبنى على التشبيه، وهو كثير الاستعمال عند البلغاء، وله اسم خاص وهو الاستعارة، فالاستعارة هي المجاز المبني على التشبيه، إلى آخر ما ذكر في ذلك الكتاب لتنبيه الغافلين مثلي، ومثل ابننا الحبيب الدكتور ظافر. ويقول الابن ظافر: وقع لمؤلفنا خطأ كان قد أخذ مثله على الأستاذ محمد عبدالله الحميّد، وذلك أن المؤلف أصلح بيتاً للأستاذ يحيى المعلمي (رحمه الله) في قصيدته التي ألقاها حينما كُرّم في حفل الجنادرية، وكان مخاطباً فيها سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد (حفظه الله). وقد أضاف المؤلف إلى البيت الذي قوّم أوده بيتاً آخر لم يخل من الكسر، فوقع المؤلف فيما أخذه على غيره، والبيت يقول: يا أميراً لك العلا والمفاخرْ ولك المجد كابراً عن كابرْ إذ وقع الكسر في عروض البيت، وذلك بأن زاد على (فاعلاتنْ) في عروض البيت حرفاً متحركاً، فأضحت التفعيلة (ollollol).. إلى أن قال: وقد اضطر المؤلف إلى ضبط البيت بتسكين آخر الكلمة المفاخرْ، وذلك خطأ نحوي، ولا يسكن آخر البيت إلاَّ أن يكون تصريعاً استهلت به القصيدة. وقد غاب عن ذهن الابن ظافر، أن التصريع يأتي في آخر الشطر الأول من البيت الأول من القصيدة، ويأتي في آخر الشطر الأول من أي بيت في القصيدة. والتصريع دليلٌ على قوة الطبع. ومن الشعراء من لم يصرع أول شعره، ثم يصرع بعد ذلك. والابن ظافر يرى أن التصريع لا يكون إلاَّ في البيت الأول من القصيدة، ولذلك خطَّأ بيتي الذي خاطبت فيه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود (حفظه الله). وقد سكَّنْتُ العروض لأنها جاءت تصريعاً، والتصريع يأتي في البيت الأول من القصيدة، ويأتي في غير ابتداء القصيدة، وأسوق له قول ذي الرمة: خليليَّ عُوجا عوْجةً ناقتيْكما على طلَلٍ بين القرينة والحبْل والقصيدة من البحر الطويل، وعروضه مقبوضة، والعروض في الطويل لا تأتي إلاْ مقبوضة (مَفاعلُنْ)، والضرب في بيت ذي الرمة صحيح (مَفاعيلُنْ). ثم يأتي ذو الرمة في أثناء القصيدة ببيت مصرّع، حيث يقول: أعاذِل غضّي من لسانك عن عذْلي فما كلُّ منْ يهْوى رشادي على شَكْلي فتأتي العروض في هذا البيت صحيحة (مَفاعيلُنْ)، وهو ما يرد كثيراً إذا صُرّع البيت في أول القصيدة أو في أثنائها. والتصريع: هو أن تقسم البيت نصفين، وتجعل آخر النصف من البيت الأول، كآخر النصف الثاني من البيت، وتغيّر العروض كالضرب، فإن كان الضرب (مَفاعيلُنْ) جعلت العروض (مَفاعيلُنْ) وإن كان الضرب (فَعولُنْ)، جعلت العروض (فَعولُنْ). ولم أقرأ لأحد من علماء العروض اعتراضاً للشاعر إذا أتى بالتصريع في أثناء قصيدته، لأن له شواهد كثيرة في الشعر العربي قديماً وحديثاً، وأجمل تصريع جاء في أثناء القصيدة، تصريع قرأته أخيراً في قصيدة الشاعر المبدع يحيى السماوي، المنشورة في المجلة الثقافية الصادرة ضمن جريدة الجزيرة الغراء في يوم الاثنين 29 من شهر ربيع الآخر سنة 1426ه. يقول الشاعر يحيى السماوي: داويتُ جرْحي والزمانُ طبيبُ بالصبْر أطْحنُ صخْرةً وأُذيبُ والقصيدة طويلة، تكوَّنت من خمسين بيتاً من البحر الكامل، عروضه صحيحة، وضربه مقطوع (متفاعلْ) بسكون اللام. ثم يأتي الشاعر بالبيت الحادي عشر مصرَّعاً، فيقول: قد ثابَ لو أنَّ الجنونَ يثوبُ وأجَابَ لو أنَّ القتيلَ يُجيبُ فتأتي العروض في هذا البيت مقطوعة (متفاعلْ) بحذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله، وأبيات القصيدة كلها غير البيتين المصرعين، عروضها (متفاعلنْ). وهناك التقفية، وهي أن يتّحد البيت الشعري بموافقة عروضه ضربه في الوزن والرويّ، على أن لا تؤدي هذه الموافقة إلى تغيير في العروض بزيادة أو نقص، كقول الشاعر: سلامٌ من صبَا برَدَى أرقُّ ودمعٌ لا يكفْكفُ يا دمشْقُ والبيت من البحر الوافر، وتقطيعه هكذا: سلامنْ منْ olololl مفاعلْتنْ صبا بردى ollloll مفاعلَتنْ أرققو ololl فعولنْ ودمْعنْ لا olololl مفاعلْتنْ يكفْكفُ يا ollloll مفاعلَتنْ دمشْقو ololl فعولنْ ويقول الدكتور ظافر: ورد للكاتب بعض الأوهام، وهو ما شاع لدى طائفة من الناس، ومن ذلك الكلمة المشهورة: «الشيء بالشيء يُذكر» وصواب المثل: «السيُّ بالسيِّ يُذكر» والسيُّ هو المثْل والنظير، ومعنى ذلك: أن المثيل يذكر بذكر مثيله، ولا أحسب المعتذر مصيباً إن احتج بالاشتهار، خاصة من كان مثل كاتبنا. وأشكر الدكتور ظافر على عنايته باللغة العربية في زمن طغت فيه العامية حتى بلغت الزُبى، ولكني أراه يعجل بتخطئتي، ويتزبَّب قبل أنْ يُحصرم، لأن ما تراه غير صحيح في رأيك، يكون صحيحاً في رأي غيرك، فلا تعجل بالتخطئة، لأن هذا مركب صعب يحتاج إلى مراجعة كل ما تركه القدامى في هذا الموضوع. وأقول له: إن السيُّ: المثْل والنظير، يستوي فيه المذكر والمؤنث، فيقال: هو سيُّك، وهي سيُّك، وهم سيٌّ أي متساوون، ولم أقرأ ولم يمر عليّ في قراءتي العديدة، هذا المثل الذي ذكرته، وإليك هذه الكتب في الأمثال، فلعلك تجد فيها نص المثل، وأنت أقدر منّي على البحث والاستقراء، لأني شيخٌ يفَنٌ حيَّا الثمانين من عمره. 1) (مجمع الأمثال) للميداني. طبعة مطبعة السنة المحمديةبالقاهرة سنة 1373ه. 2) (جمهرة الأمثال) لأبي هلال العسكري طبعة سنة 1384ه، تحقيق د. أبو الفضل إبراهيم وزميله. 3) (التمثيل والمحاضرة) للثعالبي، طبعة البابي الحلبي سنة 1381ه تحقيق د. محمد الحلو. 4) (أمثال العرب) للمفضل الضبي، طبعة بيروت سنة 1401ه تحقيق د. إحسان عباس. 5) (المستقصي في أمثال العرب) للإمام الزمخشري، طبعة حيدر آباد بالهند سنة 1381ه. 6) فرائد الخرائد في الأمثال ليوسف بن طاهر الخُويّي طبعة النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية سنة 1415ه. والشيء بالشيء يُذكر، عبارة تتردد على ألسنة الكُتَّاب المعاصرين، والعبارات التي أجاز استعمالها علماء اللغة المتأخرون كثيرة، وهناك لجنة الأساليب التابعة لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، تنظر إلى ما يشيع من هذه الأساليب، ولعلك اطلعت على محاضرها. والشيء بالشيء يُذكر، عبارة يستعملها أدباء الكُتَّاب المعاصرين، ولأدباء الكُتَّاب بتشديد التاء - القدامى والمعاصرين - أساليب جميلة، تشهد لهم بجودة الميز، ومن الأدباء الكُتَّاب المعاصرين: إبراهيم عبدالقادر المازني، ومصطفى صادق الرافعي، وأحمد حسن الزيات، ومحمد حسين زيدان، وغيرهم. ومن الأدباء الكُتَّاب القدامى: الجاحظ، وابن المقفع، والحسن بن وهب، ومحمد بن عبدالملك الزيات، وغيرهم. وقد ألَّف العالم العراقي الكبير الدكتور إبراهيم السامرائي (رحمه الله) كتاباً أسماه (من معجم عبدالله بن المقفع)، عرض فيه جُملاً وافية من كتابات ابن المقفع، التي جاءت مستعملة استعمالاً خاصاً لم يقف عليه المؤلف إلا نادراً، أو جاءت في صيغة خاصة، والكتاب عظيم الفائدة، فلعلك تطلع عليه. ولأبي الفرج الأصفهاني أساليب رائعة في كتابه الكبير (الأغاني)، والأصفهاني من الأدباء الكُتَّاب، ومن أعيان أدباء بغداد، وكان حُفَظَةً شاعراً يتقن الشعر، وله عبارة تنوب عن عبارة الشيء بالشيء يُذكر. يقول أبو الفرج الأصفهاني: (فأما خبر الحضْر - بسكون الضاد وصاحبه، والخورْنقُ وصاحبه، فإني أذكر خبرهما ها هنا، لأنه مما يحسن ذكره بعقب هذه الأخبار، ولا يستغْنى عنه، والشيء يتبع الشيء» وانظر: صفحة (116) ج (2) من كتاب الأغاني طبعة دار الثقافة ببيروت سنة 1955م، وصفحة (140) طبعة دار الكتب المصرية، فما أجمل عبارة: (الشيء يتبع الشيء)، وهي من أساليب الكُتَّاب - بتشديد التاء - الرائعة. ويقول الابن ظافر: ذكر المؤلف في حاشية الصفحة ذات الرقم (226) رأي الخليل بن أحمد في سناد التوجيه، ثم يقول الابن ظافر: هو أن يسبق حرف الروي المقيد بفتحة في قافية بيت، وبضمة أو كسرة في قافية بيت آخر من القصيدة، سواء قلَّ ذلك أو كثُر في الأبيات، ثم أخذ يسرد ما تعلمه في علم العروض، وما سرده كان خطأً غير صحيح. وإني أسأله قبل أن أرد عليه، عن جملة: «سواء قلَّ ذلك أو كثرُ في الأبيات». وهي الجملة التي وردت في مقالته، أفصيحة هي؟! لأن الأكثر في الفصيح استعمال الهمزة وأم في أسلوب «سواء». فعليك أن تقول: «سواء أقلَّ ذلك أم كثُر في الأبيات». وإن كانت جملتك أقرها المجمع اللغوي في القاهرة، ونشر ما أقره المجمع في الجزء الرابع والعشرين من مجلة المجمع، في باب (قرارات المجمع). وأما قولك: فإن الفتحة لا تتناسب مع الكسرة أو الضمة، فأما الضمة والكسرة، فلا بأس أن تأتي قافية القصيدة دولة بينهما. وقد رأى الأستاذ العبادي: «أن التبادل بين الكسرة والفتحة لا يحدث نشازاً في القصيدة». وظني أن صوت الفتحة لا يتناسب مع الضمة أو الكسرة، وإن سناد التوجيه يُنقص إيقاع القافية حسنه وسلاسته في الأذن.. ثم أخذ الابن ظافر يتابع حديثه على غير ولاء، ضعيف السياق، قد اختلط عليه والتبس. وأقول للابن ظافر: لقد خانك حدسك عندما قلت: «إن صوت الفتحة لا يتناسب مع الضمة أو الكسرة، وعليك أن تقرأ معي ما قاله أمير الشعراء العرب أمرؤ القيس الكندي، يقول: وأقْبلتُ زحْفاً على الركبتيْنِ فثوْبٌ لبستُ وثوْبٌ أجُرْ ولم يَرنا كالئ كاشحٌ ولم يفْشُ منّا لدى البيت سِرْ وقد رابني قوُلها يا هنا هُ ويْحكَ ألْحقْتَ شرّاً بشَرْ وقد خالف أمرؤ القيس (كما نرى) حركات ما قبل الرويّ، بين ضمة الجيم في (أجُرْ)، وكسر السين في (سرْ)، وفتحة الشين في (بشَرْ)، والأبيات الثلاثة تنساب في جرس جميل، لا نشاز فيه، ولا تصك الأذن، لأن سناد التوجيه لا يُنقص الإيقاع كما زعمت في مقالتك، أيها الابن الفاضل. وفي الشطر الثاني من البيت الأول من أبيات امرئ القيس، شاهدٌ من شواهد العربية، وهو أنه يجوز الابتداء بالنكرة (ثوبٌ)، إذا كان المقصود بها التنويع. واقرأ معي أيضاً قول أحمد شوقي (رحمه الله) يقول في قصيدة له طويلة بعنوان: «انتحار الطلبة»: وامْتحانٌ صعَّبتْهُ وطّأةٌ شدَّها في العلْم أستاذٌ نَكِرْ لا أرى إلاَّ نظاماً فاسداً فكَّك العلْمَ وأوْدَى بالأُسَرْ منْ ضحاياهُ وما أكْثرَها ذلك الكارهُ في غَضِّ العُمُرْ وكان الخليل بن أحمد (رحمه الله) لا يرى مانعاً من اختلاف هذه الحركات بين الضمة والكسرة والفتحة، كما يجيز (رحمه الله) اختلاف الردف بين الواو والياء، وكان الخليل (رحمه الله) الذي وضع علم العروض، أعرف الناس بهذا العلم الجليل، وما قاله الخليل هو عين الصواب، ولا يلتفت إلى غيره ممن خالفه في القول. وإليك ما أجازه (رحمه الله) في اختلاف الردف بين الواو والياء، من أمثلة لاجتماع الياء والواو ردفين، مداً تارة، وليناً تارة أخرى، مع الرويّ المطلق مرة، والمقيد مرة أخرى.. يقول الشاعر: أيا شجَرَ الخابور مالَكَ مُورقاً كأنَّك لم تجزعْ على ابنْ طَريفِ فتىً لا يُحبُّ الزادَ إلاَّ من التُّقى ولا المالَ إلاَّ من قناً وسيوفِ ويقول الراجز: يُطلّقّها شيْخ بخديْه الشيْبْ مُلمَّعاً فيه كتلْميع الثّوْبْ ماض على الريْب إذا كانَ الريْبْ والرأي السديد ما جاء في كتابي عن السناد، اقتداءً برأي شيخنا الخليل بن أحمد، (رحمه الله)، ومع هذا التسهيل الذي جاء به الخليل بن أحمد (رحمه الله)، إلاَّ أننا رأينا ابن الرومي يلتزم بما لا يلتزم غيره في القافية، حتى أنه لا يعاقب بين الواو في أكثر شعره، قدْرةً على الشعر واتساعاً فيه. وانظر العمدة ج 1 ص 190، والخصائص لابن جني ج 2 ص ,262. واجتماع الواو والياء ردفين لكثرة وروده في الشعر سائغ، لا ينبو عنه الذوق، لما بين هذين الحرفين من تقارب وتشابه.. وانظر: ما قاله المعري (رحمه الله) في مقدمة لزومياته. ويقول الابن ظافر: والمعلوم أن هذه التفعيلة (فاعلاتنْ) قد يزاد على سببها حرف ساكن، فتصبح (فاعلاتانْ)، وتحوّل إلى (فاعليّانْ)، ويسمى: (التسبيغ)، ولا أعلمه يقع إلاَّ في باب الرمل، في المربع منه، وذلك بأن يأتي عروضه سالماً «ويقصد بأن تأتي عروضه سالمة» لأن كلمة العروض مؤنثة. وضربه مسبَّغاً، وتقطيعه: فاعلاتُن / فاعلاتُنْ فاعلاتُنْ / فاعليّانّ ثم أتى بالشاهد، وهو: لانَ حتى لو مشى الد (م) رُّعليّه كاد يُدْميهْ وقد وردتْ كلمة (الدرُّ)، في مقالة الابن ظافر، وهي خطأ مطبعي، والصواب «الذَّرُّ» بالذال المعجمة. وأقول للابن ظافر: لقد بعدْت النجعة، ولم تهتد إلى صُواها للوصول إلى بغيتك (هداك الله).. فللرمل عروض ثانية، مجزوءة صحيحة (فاعلاتنْ)، ولها ثلاثة أضرب. والضرب الأول منها: مجزوء مسبَّغ (فاعلاتانْ) ولا تحول هذه التفعيلة إلى (فاعليَّان)، وإنْ عبَّر عنها بعضهم ب (فاعليَّانْ)، إلاَّ أن بعض العروضيين يحولها من (فاعلاتنْ)، فتصبح (فاعلاتانْ)، وذلك في مجزوء الرمل المسبَّغ، وهو المتّبع في الرمل المسبَّغ عند الكتابة العروضية. والبيت الذي ذكرته في مقالتك، وهو: يا خليليَّ ارْبعا واستخْبرا رسْماً بعُسفانْ قال عنه أبو العلاء المعري في كتابه «الفصول والغايات» ص 138: «هذا الوزن لم يستعمله العرب، وإن هذا البيت من وضع الخليل بن أحمد، وليس كغيره من الأوزان القصار التي استعملها المحدثون، لأنه مفقود في شعرهم». وقال الدماميني في كتابه «العيون الغامزة» بتحقيق الحسّاني حسن عبدالله «فرّج الله كربته» ص 192، «زعم الزجَّاج أن هذا الضرب موقوفٌ على السماع»، والذي جاء منه قوله: لان حتى لو مشى الذَّ (م) رُّعليه كاد يُدْميهْ وسأكتب عن البحر الرمل مقالة مفصلة «إن شاء الله». وجاء في مقالة الابن ظافر: «ويسمى التسبيغ، ولا أعلمه يقع إلاَّ في باب الرمل، في المربع منه». وأظنه يقصد البيت الرابع من الرمل، لأن المربع في الشعر، هو الذي يقسّم الشاعر قصيدته إلى أقسام، في كل منها أربعة أشطر، مع مراعاة التزام ما للقافية من التزام، والشعر المربع أنواع، وله حديث آخر إن شاء الله. وقد ذكر بعض العروضيين للرمل مسدساً ومربعاً كالإمام الجوهري،ولكني لا اقره ،وأجاز بعضهم خبْن الضرب المسبّغ في الرمل، وقالوا: (فعليّان). وإني لا أستحسنه ولا أميل إليه. ويقول الابن ظافر: ذكر المؤلف في الصفحة ذات الرقم (321) بيتاً لأحدهم، وهو: أبا هنْد حسبتك لي صديقاً تذودُ معي العدا والحاقدينا ومأخذه على البيت، هو أن فعل (تذود) فيه، يُعدَّى بحرف الجر (عنْ) وهذا كلام لا بأس به، غير أن الذي وقع فيه المؤلف أنه ألزم أحدهم أن يأتي بحرف الجر مع الفاعل، وكأن ذلك لازم، والحقيقة أن العربية لا تحجر على الشاعر، فله أن يحذف مثل هذا الحرف مع مجرور، كما أن له أن يحذف المفعول الأول، ويبقى الجار والمجرور، وقد مثّل المؤلف بقوله: «ذاد عن وطنه»، فحذف المفعول الأول، وتقديره الأعداء أو نحوه، كما يصح أن يقال: ذاد الأعداء، وهذا الحذف حسب اقتضاء المقامات، فإذا كان المذود عنه معلوماً، حسن حذف المذود، والعكس بالعكس، وهناك مقتضيات أخرى لحذف كل منها، لا نطيل بالحديث عنها. وأقول للابن ظافر: إن نقدي تركَّز على: «تذود معي العدا» لأن الفعل ينقسم إلى متعدّ ولازم، فالمتعدي هو الذي يصل إلى مفعوله بغير حرف جر نحو «ضربت زيداً»، واللازم ما ليس كذلك، وهو ما لا يصل إلى مفعوله إلاَّ بحرف جر نحو «مررت بزيد». أولا مفعول له نحو: (قام زيدٌ)، وشأن الفعل المتعدّي أن ينصب مفعوله، إن لم ينب عن فاعله، نحو: «تَدبّرتُ الكتبَ». فإن ناب عنه وجب رفعه كما تقدّم نحو: «تُدبّرتِ الكتبُ». وقد يرفع المفعول به وينصب الفاعل عند أمن اللبس، كقولهم: «خرق الثوبُ المسمارَ» ولا ينقاس ذلك بل يقتصر فيه على السماع. وأتى النحويون بشاهد، وهو: مثلُ القنافذِ هدَّاجون قد بلغتْ نجرانَ أو بلغتْ سوءاتِهم هَجَرُ فالسوءات هي البالغة، ولا يقاس على شيء من ذلك. وأما قول الابن ظافر: أما حذف الجار، ونصب المجرور، فيرجع إلى حذف حرف الجر، وبقاء مجروره، وذلك في مثل الشاهد النحوي المشهور: تمرّونَ الديارَ ولم تعوجوا كلامكمو عليَّ إذنْ حَرامُ فأقول للابن ظافر: إن هذا البيت، لا يستشهد به على حذف الجار بعد فعل «ذاد»، ولا شاهد فيه لمن قال: «تذود معي العدا والحاقدينا» ومذهب الجمهور، أنه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير «أنَّ» و«أنْ» بل يقتصر فيه على السماع. ومثل الشاهد الذي أتيت به، قول عمر بن أبي ربيعة: غضبتْ أنْ نظرتُ نحوَ نساءٍ ليس يعرفْنني مررْنَ الطريقا ومحل الاستشهاد قوله: «مررْن الطريقا». حيث حذف حرف الجر، ثم أوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذي كان مجروراً فنصبه. وفيه شاهد آخر للقياس من ذلك في قوله: «غضبتُ أن نظرتُ»، وأصله «غضبتُ من أن نظرتُ». واختلف في محل «أنَّ وأنْ» عند حذف حرف الجر، فذهب الأخفش إلى أنها في محل جر، وذهب الكسائي إلى أنها في محل نصب، وذهب سيبويه إلى تجويز الوجهين. وأما قول الابن ظافر: فالبيت: «تذود معي العدا والحاقدينا» وهو يعني شطر البيت، فلا غبار عليه من جهة النحو، فإن قوله: (معي) يعرب حالاً. وأقول للابن ظافر: إنَّ اعتراضي محصور في قول أحدهم: «تذود معي العدا». وقلت: إن الصواب: «تذود عني العدا» ولم أعرب (معي)، وهي واقعة في محل حال منصوبة كما تكرمْت بإعرابها، والحال يقول عنها النحويون: تأتي نكرة مشتقة، وصاحبها معرفة، ثم يقولون (رحمهم الله): وقد تأتي الحال معرفة، وقد تأتي جامدة، وقد يأتي صاحبها نكرة، ويعدّدون لهذا الشذوذ حالات كثيرة جداً. وكنت أتجنب هذه الحالات الكثيرة، عندما أدرّس باب الحال لطلابي النجباء قبل خمسين سنة، وقد ذكّرْتني الطعن وكنتُ ناسياً (بارك الله فيك) وإن هذا البيت: «أبا هند حسبتك لي صديقاً تذود معي العدا والحاقدينا» بيت مهزول، لا فصاحة فيه، ضعيف السبك، بارد متكلّف، عامي اللفظ والمعنى، يذكّرني بالبيت النبطي المهزول: «طيْري غَدا والسلوقي راحْ» ويقول الابن ظافر: وجدت في غير ما موقع من الكتاب، كتابة الهمزة الواقعة في آخر الكلمة، المسماة (همزة متطرفة)، وجدتها كُتبت خارج الياء، والصواب أن هذه الهمزة إنما تُكتب على الياء غير منقوطة، في مثل كلمة (قارئ)، وأكرر أن هذا ليس مما يخفى على أستاذ مثل أبي حاتم، لكن رأيت لزوم التنبيه. وأقول للابن ظافر: لقد أحسنت حينما قلت: إن هذا ليس مما يخفى على أستاذ مثل أبي حاتم، لكن رأيت لزوم التنبيه. ولقد صدقت في قولك (بارك الله فيك)، فلزمني أن أعود إلى ما كنت أدرّسه سابقاً، منذ سنين خلت، فأقول لك: إن الهمزة فيها ستة مباحث، وكل مبحث يحتاج إلى صفحات عديدة، والهمزة المتطرفة التي أشرت إليها، فيها أيضاً ست حالات، منها أن تُكتب ياءً، إذا كان ما قبلها مكسور نحو: منشئ، مبتدئ، قارئ، مخطئ، هادئ، وغير ذلك من الكلمات (حفظك الله) ولعلّ تذكيرك لي لم يكن مماحلة، لأنك تعلم أني مدرس للغة العربية وغيرها من المواد، في زمن ندر المعلم في علمه وفضله وإخلاصه، وقلّ وجوده، ولقد درّستُ مادة الإملاء لتلامذتي منذ خمسين سنة، وكان ممن سعدت بتدريسهم الكثير من الطلاب النجباء، وهم في ذرورة العلم، وقد استنموا الوظائف الكبيرة، وهم بها قمينون، وأذكر من الكثير اثنين: الأستاذ الشيخ الفاضل صالح بن صالح الزير المدير العام السابق لتعليم البنات بالطائف، والأستاذ الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن سعد الحلاف الرئيس السابق لقسم القضاء بكلية الشريعة بمكة المكرمة. وإني أسألك، وحُقَّ لي أن أسأل، لماذا تعنّيت في حواشيك حتى اختلط عليك أمرها، وأتيت بالزغل في الذهب، فالخطأ المطبعي يميزه المتعلمون بخاصة، وأنصاف المتعلمين بعامة.. فسامحك الله يا أيها الابن الفاضل الذي أسعدتني بمقالتك لولا هذا التخليط الذي شوَّهها، وقضى على صدق النقد فيها. وأما قولك: لقد دار في خلدي عنوان أراه أنسب من هذا للكتاب، وهو: (ما هكذا ينظم الشعر)، لأن مآخذ المؤلف انصب، ويقصد الابن ظافر: (انصبتْ) على مسألة صحة الوزن العروضي ، أو أن يكون العنوان: «ما هكذا يُقال الشعر»، لأن وصف الشعر بأنه قول، أولى من وصفه بأنه كتابة. فأقول للابن ظافر: عندما كتبت مقالاتي، وكانت نقداً قاسياً لشعر مهزول، لم يحسن صاحبه أداءه. قررت أن يكون العنوان: «ما هكذا يُكتب الشعر»، لأن للفعل (كتب) دلالة تقتضيها الكلمة عند إطلاقها، فمنها: أكْتَبَهُ: علّمه الكتابة، وأكْتبَ فلاناً القصيدة: أملاها عليه، والكتاب: الصحف المجموعة.. والشعر الذي انتقدته، منقول من صحف مجموعة، قرأته، فتذكرت قول الشاعر: تباً لدهْر قد أتَى بعجابِ ومحا فنونَ العلْم والآدابِ وأتى بكُتَّاب لو انْبسطتْ يدي فيهمْ رددْتُهمو إلى الكُتَّابِ والكُتَّاب الذي ذكره الشاعر - بضم الكاف وتشديد التاء المثناة - هو: مكان تعليم الصبية، ولم أسمه ب (ما هكذا يُنظم الشعر)، لأن النظم هو الكلام الموزون المقفّى، والكثير منه في هذه الأيام نظم بارد، يتبرأ الشعر الأصيل منه، ويدخل في النظم البارد: الأراجيز العلمية، كالألفية وغيرها من الأراجيز المخصصة للمواريث والعروض، التي اهتم بها العلماء، لأنها تحفظ ما يُضمّنونها من علوم، يخشون عليها من الضياع، وجلّ هذه المنظومات ضعيفة الأسلوب، مليئة بالأخطاء العروضية.