أبان الشيخ الدكتور إبراهيم بن ناصر الحمود وكيل المعهد العالي للقضاء ان الاقدام على مناقشة قيادة المرأة يحتاج إلى الاحاطة بكافة جوانبه وتصور ما فيه من السلبيات والايجابيات لأنه أمر من الأمور المهمة، وأضاف: لقد أصبح هذا الموضوع في الآونة الأخيرة حديث الناس ما بين مؤيد ومعارض ويا ليت من يخوض في هذا الموضوع قد درسه دراسة متأنية سلباً وإيجاباً ولكن تضارب الآراء واختلاف وجهات النظر يدل على عدم وجود دراسة فاحصة للموضوع من الجانب الشرعي والاجتماعي، ومع الأسفو ان من يقول بقيادة المرأة للسيارة وينادي به ليس له حجة - فيما اعلم - في القياس على ركوب المرأة للجمل، (التخلص من السائق الأجنبي)، الأصل في الأشياء الاباحة، والقياس على المعمول به في بعض الدول الإسلامية الأخرى مما يدل - على حد زعمهم - على عدم وجود المحذور الشرعي. وكان الأجدر بأولئك ان يناقشوا الموضوع مناقشة علمية جادة وفق قواعد الشريعة ومبادئها التي غفل عنها بعض الباحثين في الجوانب الاجتماعية، وأصبحوا ينظرون وفق المصالح الخاصة، وقد نسوا ان شريعة الإسلام شريعة صالحة لكل زمان ومكان وشاملة لكل متطلبات الحياة. وقال الشيخ الدكتور إبراهيم الحمود: ان الاقدام على مثل هذا الرأي يحتاج إلى الاحاطة بكافة جوانبه وتصور ما فيه من السلبيات والايجابيات كما قيل: (الحكم على الشيء ناتج عن تصوره) ونحن والحمد لله في بلد يدين بدين الإسلام ويطبق أحكامه ويزخر بالعديدمن العلماء الضالعين في العلم الشرعي وغيرهم من المحققين في القضايا الاجتماعية التي تهم المجتمع. ومن المعلوم انه في حال التنازع على أمر من الأمور يجب رده إلى الكتاب والسنة ففيهما الفصل والقضاء، وما لم يوجد فيه نص شرعي يمكن تخريجه على قواعد الشريعة وتفريعه عليها، فإن كثيراً من الأحكام مرجعها القواعد الشرعية التي غاب فهمها عن بعض الكتاب والمحققين. وأضع بين يديك أيها القارئ الكريم عدداً من القواعد التي تعنى بهذا الموضوع ومنها: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح والضرر يزال والعادة محكمة والضرورة تقدر بقدرها والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة (يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام) والضرر يدفع بقدر الامكان والأصل بقاء ما كان على ما كان، فرع من قاعدة (اليقين لا يزول بالشك) وقاعدة - سد الذرائع والوسائل لها حكم الغايات والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. فهذه عشر قواعد كلها في فحوى المسألة، وأذكر بصفة موجزة صلة هذه القواعد العشر بموضوع قيادة المرأة للسيارة فأقول: (لو ان منصفاً قام بحصر المصالح والمفاسد المترتبة على قيادة المرأة للسيارة من حيث الكم مراعياً في ذلك الأنظمة واللوائح المترتبة على هذا الموضوع لتبين ان مفاسدها وسلبياتها أكثر من المصالح والايجابيات، ولا ينكر هذا عاقل، إذ لو كان في قيادة المرأة للسيارة مصالح متعددة لشكل عدمها فراغاً في المجتمع ولكن الواقع خلاف ذلك. فقد مر على المملكة - حرسها الله - ما يزيد على مائة عام دون ان تقود فيها المرأة السيارة ولم نشعر بأي نقص في حياتنا الاجتماعية أو خلل في مناشطنا اليومية - والحمد لله - بل العكس هو الصحيح. مما يدل على ان المفاسد المترتبة على هذا الأمر أعظم وأكبر ولا يخفى ذلك على أحد حين تتعرض المرأة لجو غريب عليها وتواجه عدداً من المواقف غير المألوفة، وتعرض نفسها إلى شبهات وشهوات هي في غنى عنها ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، قيادة المرأة للسيارة لا تخلو من ضرر بل ضررها أكثر من نفعها كما تقدم، ومتى غلب ضرر الشيء على نفعه وجب إزالته قدر الامكان أو منعه، والعادة هي ما يستقر في النفوس من الأمور المعقولة عند الطباع السليمة والعادة جرى العرف على العمل بها ما لم تكن مخالفة لنص شرعي. ولا أحد ينكر ان العادة المتعارف عليها على مر السنين عدم قيادة المرأة للسيارة مما يدل على ان الخروج عن ذلك أمر خارق للعادة، إذا دعت الضرورة لقيادة المرأة في أضيق الحدود فإن هذا خارج عن مسألتنا والضرورة تقدر بقدرها بمعنى ليس لها صفة الشيوع، وهذا من النادر الذي لا حكم له فلا يقاس عليه، يدعي من يرى قيادة المرأة للسيارة ان في ذلك حلاً لقضاء حوائجها ومنفعة أسرتها وهذه كلها ان سميت مصالح فهي خاصة، لا تقوى على معارضة المصلحة العامة في عدم القيادة، فالمرأة السعودية على قدر كبير من العفة والحشمة واحترام الذات وفي قيادتها للسيارة فقدان لعدد من هذه الصفات، فهي تعرض نفسها للابتذال والاهانة وعليها ان تتحمل الضرر الخاص في مقابلة دفع الضرر العام. من المعلوم ان المصلحة في عدم القيادة متيقنة والمصلحة في القيادة مشكوك فيها واليقين لا يزول بالشك فالأصل بقاء ما كان على ما كان، بمعنى ان ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه، فعدم القيادة للمرأة ثابت منذ زمن فيبقى على حاله ما لم يوجد دليل يدعو إلى تغييره ولم يوجد. وقاعدة سد الذرائع من القواعد التي دلت عليها مقاصد الشريعة وهي تواجه حرباً شرسة من بعض الكتاب الذين لا يفهمون معناها وما تدل عليه ولو فكر أولئك فيما يندرج تحت هذه القاعدة من الأحكام لعرفوا قدرها وفضلها على المسلم وبالمثال يتضح المقال: فهل سألت نفسك يوماً لم حرم الله النظر إلى المرأة الأجنبية، ولم أمرت المرأة بالحجاب، ولم حرم قليل الخمر مع عدم الاسكار، ولم نهيت المرأة عن السفر بدون محرم ولم حرم البيع بعد النداء الثاني من يوم الجمعة كل هذه المسائل وغيرها كثير من أجل سد الذريعة ومنها في الأمثلة السابقة: ذريعة الزنا (الفاحشة)، وذريعة شرب المسكر وذريعة التشاغل بالدنيا عن الدين فالوسائل لها حكم الغايات. وأضاف الشيخ الحمود: وفي عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة سد لذرائع كثيرة منها: الاختلاط بالرجال والتعرض للاهانة وخدش العفة والفتنة لوجود أسبابها ونزع الحجاب بالتدرج لوجود المشقة في القيادة مع الحجاب الكامل وفقدان المرأة لبعض خصائصها لكون القيادة لا تناسب طبيعتها وما جبلت عليه فمن يتولى القيادة يعتريه نصب ومشقة وعوارض لا تتحملها المرأة وما جرى عليه العرف العام في نطاق أفعال العباد وتصرفاتهم المعتادة يعد مرجعاً للأحكام ما لم يصادم نصاً شرعياً وقد جرى العرف في هذه البلاد على عدم قيادة المرأة للسيارة فهو بمثابة الشرط في العقود فالأعراف والعادات معتبرة كاعتبار الشروط. هذه ايضاحات مبنية على قواعد شرعية كلها تؤكد ان المصلحة في عدم قيادة المرأة للسيارة وما الذي ستضيفه المرأة من مصالح لو قادت السيارة؟ بل ان المسؤولية ستعظم على مستوى الفرد والجماعة بل وعلى مستوى الدولة لما يتطلبه هذا الأمر من تنظيم ولوائح خاصة وتدابير واقية. وقال د. الحمود: وفي ختام هذا العرض سأناقش ما تمسك به المؤيدون للقيادة من خلال الحجج السابقة. أولاً: القياس على ركوب المرأة الجمل قياس مع الفارق، ومن المعلوم لدى علماء الفقه والأصول ان القياس مع الفارق ليس حجة فإن الجمل يخالف السيارة وما لها من متطلبات في أمور كثيرة جملة وتفصيلاً، لاسيما مع اختلاف العصر الذي ركبت فيه المرأة الجمل وعصرنا الحاضر المليء بالمغريات والشهوات والفتن ومن أمعن النظر أدرك الفرق الشاسع. ثانياً: التخلص من السائق الأجنبي اعتبر هذا من التزلف للوصول إلى هذه الغاية، لأن الحقيقة بخلافه فهل معنى هذا ان المرأة ستحل محل السائق في كل صغيرة وكبيرة - هذا غير صحيح - ومغالطة في الوقت نفسه لاسيما في بلد مثل المملكة يتمتع بمستوى جيد في المعيشة. ثالثاً: قاعدة الأصل في الأشياء الاباحة قاعدة مشهورة لكنها مشروطة بعدم قيام الدليل على خلافها وما ذكرناه سابقاً من القواعد الشرعية أكبر دليل على مخالفة هذه القاعدة لأن القواعد الشرعية مبنية على نصوص استقرائية أو مستنبطة منها. رابعاً: أما محاكاة بعض الدول الإسلامية الأخرى في هذا الجانب من باب التقليد لهم، فهذا ليس حجة، لكونه مخالفاً لعدد من قواعد الشريعة كما سبق بيانه وانما هذا من باب العرف ولا مانع ان يخالفه عرف في بلد آخر وكأن لسان حال أولئك يقول: هل معنى هذا ان تلك البلاد على خطأ - وهي تدين بدين الإسلام - ونحن الذين على صواب فقط، وقد قيل هذا بلسان المقال، فأقول رداً على ذلك: نعم فإن العبرة ليست بالكم وإنما بالكيف والحق احق ان يتبع وصدق الله اذ يقول سبحانه {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال}.