لا أرانا نعير قائد الطائرة ذلك الاهتمام والتبجيل الذي نعيره لسائق مركبة العائلة. فالكابتن ومساعداه يمرون بابتساماتهم ولطفهم في ممر الطائرة يوزعون ما استطاعوا منحه من الحنان والشفقة، ويداعبون الأطفال (في أغلب الخطوط العالمية). إكرام سائق المركبة مسألة - في رأيي - موروثة. ولهذا أقول: مخطئ من يظن أن «غلاوة» سائق السيارة حديثة العهد. فقد مر زمن كان المسافرون من نجد نحو الحج والعمرة يُبالغون في تدليلهما. ومن عادة النساء أن يحملن معهن "صرار" بداخله بعض أطايب الطعام كالبيض المسلوق والكليجا والكعك (غير اشتراكهن في مؤنة السفر العامة)، ويتأكدن من أن السائق (السواق) راض دائما، وفي حالة مزاج مرضية، فيبعثن بما يمكنهن إلى السواق والمعاون. وكان السؤال الذي يدور في أذهان الركاب عامة، نساء ورجالا هو: وشلون السواق.. عساه ماهو زعلان. أعتقد أن عادة إكرام سائق اللوري الذي يحمل ركابا عبر الصحاري والرمال عادة كانت في محلها. فذاك الرجل ومعاونه يحمل في ذهنه المسالك والدروب والرمال المعترضة. ومعلوماته تلك لا تُقدر بثمن. هذا إذا أضفنا معرفته بالماكينة وما تحتاج من محروقات، وملاحظ الأنابيب التي تقوم بتبريد ماء الماكينة الإديتر)، والتوقف عند اللزوم. ولاحظنا أخيرا أن بعض أرباب السعوديين يختارون أن يكون مظهر السائق سعوديا، فيأمره بأن يلبس الثوب والشماغ، لا سيما إذا كان السائق أسمر البشرة، وأيضا يبالغ رب أهل المنزل في تدليله. وقرأت في صحافتنا المحلية عن شائعة تقول إن شابا افريقيا كان يعمل سائقا لدى إحدى الأسر السعودية الثرية، ومن محاسن الصدف والحظ السعيد لذلك السائق أن تكون الشغالة التي تعمل لدى تلك الأسرة من جنسية السائق، ولأن رب الأسرة كان معجبا بالسائق وإخلاصه وسلوكه النبيل، فقد اعتبره واحداً من أفراد العائلة لذلك ساهم في زواجه من الشغالة ودفع تكاليف الفرح، وبعد سنوات طويلة من عملهما لدى تلك الأسرة قررا العودة إلى بلدهما مع أبنائهما، لكن رب الأسرة السعودي أراد أن يكافئهما، فمنحهما مبلغا كبيرا من المال جعلهما في مصاف الأغنياء.