من الطبيعي أن تتطوّر مفاهيمنا وتتغير معها رؤيتنا للعالم كلما زادت تجاربنا واكتسبنا خبرات جديدة في هذه الحياة. لكن الإنسان الحكيم يستطيع أن يتبصّر في أحوال الآخرين لكي يرى الأخطاء فلا يقع فيها، ويدرك نتائج الأمور بمنافعها ومضارها دون الحاجة إلى تجريب كل شيء من أول وجديد لكي يتعرف على الضرر، أو يكتشف الصواب. وهناك مجال آخر للاكتشاف والمغامرة يستطيع من خلاله المرء أن يجرب ويتعرف على المستجدات دون البقاء أسيرًا لتجارب الآخرين وقراراتهم. ولكن، كيف يمكننا التمييز بين المواقف التي يمكن للمرء فيها أن يغامر ويكتشف، وبين تلك الأمور التي يبني تجربته عليها من خلال الركام المعرفي السابق؟ الواقع، أن التجارب مفيدة فيما لم يعرف عنه ضرر واضح، فالسفر إلى الخارج هو تجربة يرسم فيها كل فرد عالمه الخاص وليس هناك منفعة محضة، ولا ضرر محض، وكل ما يقال حول هذا الموضوع من تجارب إنما هو تجارب فردية ليس بالضرورة أن تتكرر مع كل شخص يسافر. أما تعاطي المخدرات أو إطلاق النار على الغير أو إحراق المنازل أو غيرها مما عرفت البشرية ضرره، فهذه من التجارب الضارة، وليس المرء بحاجة لاكتشاف هذا الضرر عن طريق التجربة المباشرة. ونأتي للحديث عن الحياة اليومية ومايصاحبها من متغيرات؛ وهذا الموضوع يدخل ضمن التجريب في جزء وضمن الاستفادة من التجربة الإنسانية في جزء آخر. والشخص المتوازن عقليًا هو الذي يستطيع أن يقدّر كل موقف على حدة وينظر في أي جزء يمكنه أن يغامر وفي أي جزء عليه أن يبقى على حذر. ومن المغامرات التي يقوم بها الإنسان بحثًا عن شيء معين في الحياة وهو السعادة، اختيار الزوج أو الزوجة، لأن هذه التجربة عميقة ومؤثرة في حياة الإنسان، ولايعلم إلا الله مصيرها. وإذا كان الزوج أو الزوجة لايعرف الواحد منهما ماذا يريد من الزواج أو لماذا يتزوج، فإن كل واحد سوف يسيّر حياته وفقًا لما تمليه عليه الغريزة من جهة، ووفقًا لما يسمعه أو يتوهّمه عن هذه الحياة من جهة أخرى. ومن المتوقع أن هذه الشراكة الزوجية لن يكتب لها النجاح أو ربما تُساورها القلاقل والخصومات ما يفسد طعم هذه الحياة ويحرم الطرفين من السعادة المبتغاة. ومن القصص التي أعرفها أن فتاة لاتزال في العشرينيات تزوّجت من رجل في الأربعين من عمره، وكان رجلا غنيًا له أعمال تجارية كثير السفر، وكان يحبها ويقدرها ويحنو عليها ولم يقصر معها في أي شيء تطلبه من الاحتياجات، لكنها لم ترتح معه لأنه لايجلس معها كثيرًا، وبعد أن أنجبت منه أطفالا بدأت تتذمر من الحياة معه وحجّتها أنه كبير في السن بينه وبينها عشرون سنة وأنه لايفهمها ولا تفهمه وانتهت إلى أنها تريد الطلاق منه لأن الحياة بينهما أصبحت لاتطاق أبدًا بسبب عدم الانسجام النفسي، فهي فتاة ثائرة وسريعة الانفعال وهو رجل هادىء لايؤاخذها بما تقول ولا يرد على شتائمها إذا غضبت ويشفق عليها من جموحها. ولكنه حينما وجد أنها مصرّة على طلب الطلاق وافق على ذلك وطلقها وظل يرعاها ويرعى أبناءه. وبعد فترة، تزوّجت شابًا صغيرًا يكبرها بعام واحد، وتركت أطفالها عند أمها، وذهبت معه وهي فرحة أن وجدت من يفهمها ويعرف مشاعرها، والجميل في الأمر بالنسبة لها أن هذا الشاب بلا وظيفة تشغله عنها، فكان معها ليل نهار، إذا ذهبت إلى السوق رافقها، وإذا رغبت في زيارة أهلها بقي معها، وصار مثل ظلها تمامًا؛ فتحقق لها ما كنت تتمناه من وجود زوج تراه في الصباح وتراه في المساء عكس ذلك الزوج الذي كان يغيب بالأيام وبالكاد تراه مرة أو مرتين في الأسبوع. ومرت فترة لاتزيد على ستة أشهر حتى حنقت من حياتها الجديدة وضجرت من هذا الزوج المقرف الملاصق لها في كل الأوقات، وبدأت تعيبه بأنه شاب عاطل عالة على والده وأإخوته، وأنه لايزال مراهقًا يصرخ في وجهها بل ويضربها بعنف، ويتعامل معها بغلظة ولايطلب منها أي شيء باللين بل يأمرها بالتنفيذ وفي الحال. هنا عادت هذه الفتاة إلى أهلها تطلب الطلاق من جديد لأنها لاتريد هذه الحياة الشقية مع هذا المراهق العنيف الذي يتعامل معها وكأنها ند له، لايقدر أنوثتها ولا ضعفها بقدر مايشعر بالنشوة حينما يهينها ويستقوي عليها. وعاد بها الحنين مجددًا للزوج الكبير العاقل المتزن، ولكن هيهات. هذه الفتاة ليست سوى نموذج لعدد كبير من الناس ممن لايعرفون ماذا يريدون من الحياة، وليس لديهم أفضلية لعمل دون عمل، ويخلطون بين المغامرة وبين الاستفادة من التجارب السابقة. ولأن الزواج من التجارب الحساسة جدًا والتي لاتصلح أن تكون عرضة للمغامرات الطائشة فيجب أن يأخذ الزواج الوقت الكافي في التفكير والتخطيط والمناقشة قبل الإقدام عليه. وهناك قضايا كثيرة لها أهمية كبرى في حياتنا وتتطلب منّا التروّي وتحديد الهدف منها قبل الإقدام عليها بالقبول أو الإحجام عنها بالرفض.