المناصحة تعبير جميل يحمل نوعاً من الرحمة والتكافل الاجتماعي ، وعندما أسمعه فإن أول ما يتبادر إلى ذهني هو» فرصة ثانية « وعلى الرغم من انتشار هذا التعبير على المستوى الرسمي عندما يتعلق الأمر بالفئة الضالة من الشباب المغرر بهم ،إلا ان هدفي هنا هو العام وليس الخاص ، بوجه عام وبين جميع أفراد المجتمع تظل المناصحة أمراً حميداً ويدخل في باب التذكير والأخذ باليد إلى جادة الصواب برفق ولين وبدون قسر أو إجبار ، فهل نحن فعلاً نتناصح بهذه الطريقة ؟ الجواب بلا تردد .. لا ! توشك النصيحة بين الناس أن تتحول إلى أوامر صارخة تنفر معها العروق وتجحظ العيون ويفترض الناصح فيها أن كلمته أمر يسري على رقاب الجميع وأن نصيحته غير قابلة للنقض أو الإبرام .. ومن هنا يأتي الرفض .. يأتي التمرد .. يأتي العصيان .. بداية من الناصح ولماذا يفترض في نفسه الفهم أكثر ممن ينصحهم ؟ وما هي حدود النصيحة والأهم كيف ينصح وكيف يبتعد عن الفظاظة وغلظة القلب التي تورث من يسمعه العناد والرفض حتى لو كان موقناً بصحة ما ينصحه به .. نتداول بيننا تعبير نعتبره من البديهيات حين نقول « الشباب لا يحب النصائح» ولا أدري من أين خرج علينا هذا المفهوم ولا أعرف شيئا عن الدراسة العلمية التي أثبتته ولكني أعرف أن الصغار والكبار يتناصحون ويقبلون نصائح بعضهم لبعض بسهولة وبلا مشاكل إذا ما أعطى الله الناصح مفاتيح قلب من ينصحه ، وبداية فإن النصيحة لابد أن تصب في مصلحة السامع بشكل مباشر وإلا فلن يشغل باله بالاستماع لها والتركيز في محتواها .. ثم لابد أن يصحبها هدوء واطمئنان وابتسامة تبلغ المنصوح بأنه ليس مذموماً ولا مكروهاً ولا خارجاً من الرحمة وتقنعه بأن النصيحة ليست لأن الناصح أفهم وأعرف ولكن لأنه متذكر ويذكر وهذا رأيه يعرضه ولا يفرضه .. أيضا لماذا لا يفكر الناصح بأنه يمكن أن يتفهم أكثر لو فتح نقاشاً منطقياً بقلب وعقل منفتحين مع من يحتاج نصيحته فلربما وجد عنده شيئا كان يجهله ولربما تعلم منه دون أن يقصد ما يفيده فليس المنصوح جاهلاً جهلا مطبقاً ولا الناصح عالماً راسخاً ، كلاهما بشر له تجاربه ووجهات نظره وأمور يصيبون فيها وأمور أخرى يخطئون فيها ، وكلاهما عنده ذنوب وعنده بقع سوداء يحرص على أن يخفيها ومن حقه ألا يتعدى على خصوصيته آخر ، ومن حقه ألا يتم الحكم عليه بشكل مسبق وبدون نقاش وكأن كل الأمور محسومة وما يعرفه الناصح غير قابل للجدال .. الله سبحانه وتعالى خلق البشر مختلفين ولو أراد لجعلهم أمة واحدة ولجعلهم بقدرته مؤمنين عابدين موحدين لا يحيدون عن صراطه قيد أنملة ، لكنه جلّ وعلا ترك في الدنيا من لدن آدم وإلى أن تقوم الساعة الكافر والفاسق والفاجر والعاصي وهدانا أجمعين الطريقين طريق الخير وطريق الشر وترك لنا حرية الاختيار وسيحاسبنا على اختيارنا يوم القيامة ، فلماذا إذن يتواجد بيننا من يصر على تحويل البشر إلى قماشة واحدة ومن يصر على تحويل المناصحة إلى إجبار وكسر إرادة وقهر ما أنزل الله به من سلطان ؟ يا أخي بلّغ وليس عليك هداهم فالله يهدي من يشاء ، انصح ولا تصر على أن تأتي النصيحة بثمارها ، افعل ما عليك دون تسلط أو تجبر أو أحكام مسبقة وانتظر من الله الأجر كما سينتظر الضال من الله - وليس منك - العقاب .