«مَنْ وَعَظَ أخَاهُ سِرًّا فقد نَصَحَه وزَانَه، ومَنْ وَعَظَهُ عَلانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وشَانَه»، بتلك الكلمات حدد الإمام الشافعي رحمه الله الفرق بين النصيحة والفضيحة، بين النصح والتوبيخ، بين ناصح أمين وبين فاضح مهين، فالدين النصيحة، لكن شريطة أن يلتزم كل منا بآدابها، ويعرف حدودها، وأن يخلص النية في توجيهها، فليست كل النصائح سواء، وليس كل الناصحين أمناء، وليس كل المنصوحين بتوجيههم سعداء، فكم من نصيحة وجهت بشكل خاطئ أدت إلى شقاق وجفاء، فالتزموا الأمانة والإخلاص في نصحكم، والسرية في توجيهكم، والرفق في حديثكم، وتخيروا الأوقات المناسبة، والظروف الملائمة. وللنصيحة مجالات شتى، وطرق عدة، وأساليب متعددة، وأهداف متنوعة، وضوابط محددة، لكن الأهم بمعزل عن كل مجال أو وسيلة أو طريقة أو الهدف أن نلتزم بضوابطها وآدابها، خصوصا السرية. أما إذا كانت على الملأ فلنا في النهج النبوي الكريم أسوة حسنة، فكان رسولنا (صلى الله عليه وسلم) إذا أراد أن ينصح أحد الحاضرين يقول : «ما بال أقوام يفعلون كذا، ما بال أحدكم يفعل كذا»، دون أن يوجه حديثه لأحد بعينه. أما عن مجالات النصيحة فهي متنوعة بتنوع مجالات الحياة، وإن اختلف حجم الزاميتها ووجوب وحجم الاستجابة لها بحجم الناصح ووعي المنصوح وموضوع النصيحة، فهناك فرق بين النصيحة من الأب للابن، ومن الرئيس للمرؤوس، ومن الأستاذ لتلميذه، ومن الطبيب لمريضه، ومن الكاتب للقارئ، ومن الزميل لزميله، ومن الصاحب لصاحبه، وليس بالضرورة أن تكون النصيحة في اتجاه واحد، فقد تكون بالتبادل فقد ينصح المرؤوس رئيسه أو الابن والده، لكن شكل النصيحة ومدى الزاميتها بل وأسلوب توجيهها في كلتا الحالتين سيختلف، ليست كل النصائح سواء، وليس كل الناصحين أمناء، وليس كل المنصوحين بتوجيههم سعداء، فكم من نصيحة وجهت بشكل خاطئ أدت إلى شقاق وجفاء، فالتزموا الأمانة والإخلاص في نصحكم، والسرية في توجيهكم، والرفق في حديثكم، وتخيروا الأوقات المناسبة، والظروف الملائمة.فغالبا ما يستخدم الأب مثلا الأسلوب المباشر في النصيحة مع الابن عندما يوجهه بالإقلاع عن التدخين، لكن في حالة توجيه الابن أبيه النصيحة قد يوجهها بأسلوب غير مباشر، تكون بالتلميح لا بالتصريح حتى لا يكون هناك مجال للتجريح، كأن يحدثه مثلا عن أضرار التدخين وما يسببه، وهنا تصل النصيحة دون إهانة أو تطاول، بل وقد يكون مفعولها أفضل، وكذلك في هذا السياق يجب أن يكون الناصح على قدر مسئولية النصيحة، فمثلا إن كنت أبا مدخنا لن تسطيع إقناع ابنك بالإقلاع عن التدخين، وكذلك إن كنت مديرا لا تلتزم بمواعيد العمل لن تسطيع توجيه مرؤوسيك بالانضباط، فلا تنه عن خلق وتأتي مثله. وختاما: النصح هو أن تدلَّ الشخص على الخير وأن ترشده إلى الحق وأن تهديه إلى عيوبه، حتى تنير بصيرته فيقلع عن خطئه ويعدل سلوكه، ويفترض في كل ناصح أن يمتلك من الفطنة والذكاء والكياسة، إضافة إلى الخبرة والإلمام بموضوع النصيحة ما يجعله أهلا لكي يكون ناصحا، على أن يدرك تماما أن هدف النصيحة العام هو تصحيح عيوب وأخطاء الغير، وليس إشاعة أفعالهم السيئة أو فضحهم. وفق الله الجميع إلى ما يحبه ويرضاه. [email protected]