العلاقة بين سوريا والعالم أخذت أكثر بالحسم خلال الأسبوعين الماضيين. تصريحات ساركوزي بضرورة مثول الذين يقتلون المتظاهرين إلى الجنائية الدولية كان واضحاً، وكذلك تصريح الأمير سعود الفيصل الذي وضع الأمور في نصابها الحقيقي، حين أعلن وقوف المملكة مع الشعب السوري لا النظام السوري، كما أن التحولات قائمة حتى في موازين المعادلة اللبنانية، الزلزال الذي أحدثه انقلاب وليد جنبلاط على سوريا يمكن أن يعيد تغيير الخارطة السياسية اللبنانية، ذلك أن جنبلاط في كثيرٍ من الأحايين يكون صاحب "الصوت الفارق" في الميزان السياسي اللبناني، كل تلك الاهتزازات ليست بمصلحة النظام السوري الذي يُستنزف فعلياً من قبل الجيش الحر الذي يكرّ ويفر حتى وإن لم يسجّل بعد نجاحاتٍ مأمولةٍ بسبب ضعف الإمكانيات. وإذا أخذنا الدول التي تخاف على النظام السوري من السقوط في الشرق الأوسط لن نعثر إلا على إسرائيل، والتي تصرّ على غموض مصيرها بعد رحيل الأسد ونظامه، هذا الموقف الأبرز لإسرائيل، مما يعني أننا أمام انكشاف خديعةٍ خطيرةٍ وضعها النظام السوري في الإعلام الرسمي حين كرّس دعوى كونه من محور الممانعة، ومن دول الصمود، وجبهات المقاومة، بينما لم تكن كل ألاعيب النظام إلا كلاماً فارغاً. ثم إن الأحزاب الموالية للنظام السوري في لبنان، وعلى رأسها حزب الله مر باختبارٍ إنساني ثم فشل فيه، إذ يعتبر الذي يجري في سوريا مجرد محاولة من الجيش السوري للقضاء على حركات إسلامية متطرفة ومسلحة، كان هذا الاختبار هو ما أكّد لكل المتابعين أن الحزب الذي أخذ صيته في حرب تموز 2006 خسرها خلال السنوات التالية، فأصبح الآن بلا شعبية وبلا تعاطفٍ اجتماعي عربي، حاصراً شعبيته في مناطق نفوذه بلبنان، وفي إيران. من الواضح أن النظام السوري راهن منذ البداية على الوقت، لأنه لم يرفض المبادرات العربية، واستقبل بعثة الدابي، وهو يرحّب بأي إمكانية للحل لا لامتثاله والتقيد به، بل لاستخدامه بوجه العالم لإكمال عملياته مستثمراً كل "الأوقات الإضافية" التي تمنحها له المبادرات، وسعود الفيصل أدرك هذه اللعبة والتي لا تنطلي على ديبلوماسيةٍ عريقةٍ مثل الديبلوماسية السعودية، لهذا قرر أن يحسم الموقف السعودي بعيداً عن أي محاولاتٍ أخرى، فالطغاة عليهم أن يرحلوا "طوعاً أو كرهاً" هذه هي الجملة التاريخية للسعودية والتي لا تعرف المواربة أو المداهنة، فهي دولة تختار الإنسان أولاً، بينما روسيا المافيوية والصين الطغيانية جعلتا من المصالح الضيقة فوق كل اعتبارٍ إنساني. النظام السوري الذي سقط عملياً، لم يبق له إلا الداخل للتدبير به، فهو أغلق الباب بوجه الصليب الأحمر والهلال الأحمر، ولم يعترف بقيمة الإنسان السوري أصلاً، والغريب أن النظام السوري اختار أن يشيع للشعوب القريبةِ منه وتحديداً في لبنان، أن الرئيس السوري بعيداً عن تفاصيل العمليات، وأن هناك جنرالات يمارسون القمع! وهذه كذبة واضحة إذ يرى الناس كلهم ما يجري في سوريا، ورمز النظام السوري بشار الأسد باستخباراته الفتاكة لا يعلم ما الذي يجري؟! هذه كذبة واحدة من بين عشرات الإشاعات التي تنشر رسمياً من أجل تشتيت الرؤية والتشويش على الأنظار وبالذات أنظار الصحافيين والمحللين. التعقيد في الوضع السوري هو سيد الموقف، وذلك لعدة أسباب، من بينها تشتت المعارضة، والخلافات التي تبرز للعلن بين المعارضين أحد أبرز أسباب عدم فهم العالم لهم وتعثره في الآلية التي يمكنه أن يتعامل معهم بها، ضعف المعارضة بتشتتها وهذا يجعل الشعب السوري يتجه نحو الإحباط أحياناً، إذ كيف يختلف بعض المعارضين فيما بينهم على جزئيات أو حصص سياسية والنظام السوري أصلاً لم يسقط فعلياً بعد؟! هذا الخلاف بين المعارضين يجب أن يقف، وأن يسود التلاحم بينهم، وأن يكون الهدف هو الإنسان السوري، وليس التحضير لتقاسم حصص الثورة السورية، وهذا هو الفرق بين معارضةٍ وأخرى. السبب الآخر لتأخر الحسم الدولي للثورة السورية الموقع الجغرافي لسوريا من جهةٍ، والوقوف الصيني الروسي مع النظام السوري من جهةٍ أخرى، الموقع الجغرافي جعل من إسرائيل محاميةً عن النظام السوري، أما الموقفان الروسي والصيني فهما أساس الدعم الذي يعطى للنظام عسكرياً ومالياً، والودائع التي تضخ في جيب النظام السوري هي سبب بقاء الجيش على هذا المستوى من القمع والتخريب. الثورة السورية تمشي ... تقطع طريقها، الأكيد أن الطريق وعرة، لكن من يمشي لابد أن يصل دائماً.