"حيص بيص".. "قريح".. "بقعا".. "ترللي".. "طاسة".. "غرشه".. "باغة".. "قوطي".. "ديرم".. "دروازه".. جميع هذه المفردات وغيرها كثير انتشرت في معظم أقاليم الجزيرة العربية ومدنها، قبل أكثر من قرن من الزمان، ولا أدل على ذلك إلاّ ما سمعناه وما نسمعه من الآباء والأجداد من مفردات ومصطلحات لا تعود في أصلها إلى لغتنا العربية.. تناقلها الأقدمون جراء تواصلهم مع الشعوب والأمم الأخرى التي ترد على طريق الحاج، أو عبر التجارة في السواحل الشرقيةوالغربية وحتى الجنوبية. والغريب أن معظم هذه المفردات وردت إلينا من المشرق في حين كانت المفردات والكلمات العربية تنتشر في وسط وغرب أوروبا أبان العصور الإسلامية الزاهرة، التي ما زالت متداولة ومستخدمة حتى يومنا هذا، وفي حين انتشرت المفردات والمصطلحات الشرقية بين الأجداد تبنى الأحفاد من الجيل الحاضر استقبال المصطلحات الغربية، ففي عالم الإعلام والاتصال أصبح الجوال "موبايل"، وأصبحنا نسمع مفردات "البلوتوث" و"الفيس بوك" و"التويتر" و"الفلو" و"ريتويت"، وفي عالم الرياضة والكرة صرنا نسمي اللقاء التنافسي "ديربي"، كما صرنا نسمع ب "الكلاسيكو" و"الإلتراس" بعد أن تم في منتصف القرن المنصرم تعريب معظم المصطلحات المتعلقة بعالم الرياضة، لاسيما كرة القدم فغابت عن ألسنة المذيعين المخضرمين مصطلحات ال "وينق" وال "أوفر" وال "أوت" وال "قول". مفردات هندية: «توله»، «تجوري»، «ديرام»، «دهليز»، «درام»، «بهار» مصطلحات تركية كان الأجداد يحكون لنا قصصهم مع "الكنديشن" وهي مفردة غربية، كما يحكون لنا قصصهم مع "الكندرة" و"القوطي" و"الدربيل" و"التتن" و"الشنطة"، وكلها مصطلحات اتفقوا على أنها "تركية"، ولذا كانوا يسمون الملعقة "خاشوقة"؛ في حين كان الأتراك يطلقون على الرجل البليد الذي لا صنعة له "سرسري" وهو ما استخدمه الأجداد في وصف الرجل خبيث الأفعال. كان انتشار المصطلحات التركية في جزيرة العرب لاسيما في الأقاليم الوسطى أقل منه في مناطق الشام ومصر لأسبابٍ سياسية واقتصادية، كما أن انتشار مصطلحات "القشلة" و"الكندرة" و"البنقلة" في الحجاز مع شيء من التحريف كان عائداً للأسباب ذاتها، مع عدم إغفال أن "حملة الباشا" على الجزيرة العربية لاسيما في إقليم نجد كانت سبباً في تداول أهالي المناطق الوسطى مصطلحات "التتن" التي تعني السجائر، والتي خصص لها "إبراهيم باشا" مسؤولاً وخازناً أثناء حملته التي وجد بعضها في الأحافير والموجودات التي عثرت عليها فرق البحث والتنقيب في مشروع تطوير الدرعية الجاري العمل به، حيث تم العثور على أكثر من "غليون" تحت الأنقاض اتفق مع رسم "الغليون" التركي حينها، كما انتشر مصطلح "البقسماط" وهو الخبز المجفف والمطحون، وهو ما أثبتته الوثائق المحفوظة ب "دار الوثائق المصرية" بمحفظة "4"، ووثيقة رقم (149)، التي تشير إلى أنواع الأطعمة التي كانت تزود بها حملة الباشا ومنها "البقسماط"، كما انتشر بين أهالي نجد مصطلح "الحنطور"، وهي العربة التي تجرها الخيل التي أطلقها أهالي نجد على السيارة حين ورودها وجمعها "حناتير" و"إترلك" وتعنى المصباح أو الكشاف. مفردات فارسية «ترللي» و«قلعة واد رين» أكثر استخداماً عند الغضب و«شينة النفس» وتظل المفردات الفارسية أكثر رواجاً في وسط وشرق الجزيرة العربية، فمصطلحات ك "بشت" وهو المشلح، و"دروازه" وهي البوابة، و"زولية" وتعنى البساط، و"دريشة" وتعني النافذة، و"دستة" وتعنى حزمة، و"كليجة" وهي القرص الصغير، و"كانون" وهو الموقد أو المنقل، و"ريغة" وهي الوحل، و"خوش" وتعني جميل وغيرها؛ ك "خيشة" و"فهرس" و"طربال" وكلمة "غرشة" أو "طاسة" وهي باللغة العربية الغظارة، وبها كان أهالي بغداد في القرن الرابع يتندرون على الوزير "ابن بقية" الذي كان يعمل مشرفاً على مطبخ الخليفة وارتقت به الرتب حتى صار وزير الدولة، فقالوا يعيرونه "من الغضارة إلى الوزارة" رغم ما قدمه لهم من خدمات جليلة ومحبتهم الصادقة له. أما مصطلح "طشت" فقد كان العباسيون يطلقون عليه "طست"، وكذا كان المؤرخون ينقلون في كتاباتهم كيف تنقل رؤوس الخصوم بين الزعماء المتصارعين، فيقال وصل رأسه في "طست"، كما كانت خزانة الرؤوس في بغداد في القرن الرابع تستقبل رؤوس المتخاصمين المحمولة ب "الطست" السيئ الذكر. كلمات هندية وكانت المصطلحات الهندية رائجة في المنطقة الشرقية ودول الخليج أكثر منها في المنطقة الوسطى والشمالية والحجاز وعسير، وذلك للتواصل التجاري عبر الموانئ الشرقية، وكذا ميناء عدن، ورغم بُعد المناطق الأخرى في الجزيرة العربية عن شبه القارة الهندية، إلاّ أن حملات الحج والتواصل التجاري ساهما وبشكل واضح في رواج مصطلحات هندية ك "توله" و"تجوري" و"ديرام" و"دهليز" و "درام" و"بهار". سوق مقيبرة وسط الرياض في منتصف السبعينيات الهجرية حيث تتعدد مصطلحات البيع والشراء والمعروضات متفرقات مصطلحات تركية: «سرسري»، «كندرة»، «قوطي»، «دربيل»، «تتن»، «شنطة» كما أن ثمة مصطلحات ومفردات انتشرت في أنحاء الجزيرة العربية يجهل كثير منا معانيها وأسباب تسميتها، ولأنها كثيرة لا تحصى فنأخذ على سبيل المثال منها "ترللي"، وهو مصطلح يطلق على الرجل قليل العقل، أو ذلك الذي تميل به الأهواء، ولذا يقول البعض: زمان انتشر فيه ال "ترللي" أي المغفلين. ويحكي لنا الأدب أن الشاعر أحمد شوقي رزق بحفيد سموه "علي" فقال مازحا: صار شوقي أبو علي في الزمان الترللي وجناها جنايةً ليس فيها بأولي كما أن مصطلح "حيص بيص" عائدٌ للشاعر أبو الفوارس الصيفي - في القرن السادس الهجري - الذي سمع صوت جلبة وضوضاء فخرج من منزله فقال لجيرانه: ما بال الناس ب "حيص بيص"، فلقبوه بهذا اللقب، كما لقبوا أخيه "هرج مرج" وأخته ب "دخل خرج"، أما كلمة "ونيت" فيزعم البعض أنها عائدة إلى رقم سيارة "البك أب" التي تحمل الأطعمة للعاملين في شركة أرامكو قبل سبعين عاماً، وحينها كانت هذه السيارة تحمل رقم (1) ثم (8) وكانوا ينطقونها باللغة الإنجليزية فسميت بهذا الاسم، والبعض يرى أن الاسم كان عائداً إلى الرقم الذي تحمله "ماكينة" السيارة، وكذا كانت سيارة "العنتر ناش" عائدة إلى اسم شركتها "إنترناشنل"؛ فنسبها أهالي وسط وشمال الجزيرة العربية إلى عنترة بن شداد رمز القوة والصبر، كما أن ثمة مصطلح عربي هو بمثابة المكان البعيد فيقال ذهب إلى "قلعة واد رين" وهذا المصطلح عائدٌ إلى قلعة بناها الأتراك قبل أكثر من مائة عام في منطقة تبوك تمر بها سكة القطار العثماني، واستخدمها أهالي شمال المملكة كناية عن البعد فكانوا يقولون عن المكان البعيد أنه "بقلعة واد رين"، وهذا الوادي "رين" معروف لدى أهالي تلك المنطقة على أن المصطلح أُخذَ بلسان أهالي الشمال بتفخيم القاف واللام، وكذلك كانت مصطلحات "قريح" و"بقعا". جيل اليوم كلمات فارسية: «بشت»، «دروازة»، «زولية»، «دريشة»، «دستة»، «كليجة»، «كانون»، «ريغة»، «خوش»، «خيشة»، «فهرس»، «طربال»، «غرشة»، «طاسة» وها هو جيل اليوم يرث جزءاً من تلك المصطلحات التي غزت حياة الآباء والأجداد، بل ويرحب بمصطلحات ال "يوتيرن" وال "هاي وي" وال "الإتيكيت" وهو مصطلح فرنسي تعنى جملة من الآداب الاجتماعية عرف بها الإمبراطور الفرنسي لويس الرابع عشر الذي لبس "الباروكة"، وازدهرت بعهده المثل والتقاليد السلطانية لاسيما في مراسم الاحتفال والطعام، وكان الأندلسيون قد عرفوا مثل هذه المراسم من المغني "زرياب" الذي وفد إلى الأندلس بعد أن كان خامل الذكر في بغداد فسن نظما وتقاليد وآدابا شرفية في تصرفاته وعلاقاته الاجتماعية. وإن كانت البلاد العربية ومنها جزيرة العرب استقبلت في القرون المتأخرة عدداً من المفردات والمصطلحات الأجنبية فلقد صدرت سيلاً من الجمل والمعاني والمفردات العربية الخالصة للأمم الشرقيةوالغربية، رغم عدم وجود وسائل الاتصال أو النقل السريع، ولا أدل على ذلك إلاّ أن بعض الدول والأقاليم المسلمة ما زالت تكتب وتنطق بحروف اللغة العربية وهذا لا يقلل أبداً من ضرورة أن تقوم مجمعات اللغة العربية بدورها لمواكبة العصر، والتعاون مع وسائل الإعلام بنشر الحملات التوعوية والتعريفية بكل ما هو جديد، لاسيما في عالم الاتصال والإعلام بشرط أن يُسبق ظهور المنتج حملة تعريب كما حدث أثناء دخول الهاتف الجوال منتصف التسعينات الميلادية. «دردشة» الجوال لاتخلو من المصطلحات الشعبية المتداولة